رسالة توجان فيصل الى ملك الأردن
16/3/2002

حضرة صاحب الجلالة الملك عبد الله الثاني حفظه الله
تحية طيبة
أكتب لجلالتكم على استعجال وباختصار, لأنني على وشك السفر. ولكن ما حصل اليوم لا يمكن السكوت عليه لحين عودتي.

لقد كتبت لكم وللعالم تفاصيل نهب رئيس وزراءكم للأموال العامة بوسائل لا تعد ولا تحصى في مقدمتها تمرير سلسلة من التعديلات على قانون ضريبة الدخل بحيث أصبح دولته يدفع عن دخوله الفاحشة أقل مما يدفع المواطن الذي دخله لا يزيد عن ستمائة وأربعة وأربعين ديناراً.. فقط لا غير. وطبعاً لا يتمتع هذا المواطن لا بالإعفاءات الخيالية التي يتمتع بها أبو الراغب (وشركاءه من حيتان التأمين والمقاولات) ولا يملك النفوذ ليتهرب مما تبقى من الضريبة ويعمل تسويات تتنازل فيها الدولة عن نصف تلك الضرائب التي تقدر أصلاً بأقل مما يُستحق كلما ارتفع مركز ونفوذ المستحقة عليه بأكثر مما يستحق... ولطالما سوّقوا هذه التسويات والخصومات للممتنعين عن الدفع باعتبارها إصلاحات مالية حصّلت أموال الخزينة.. ولديك وثائق دائرة الضريبة لسنوات طويلة !!!

ولسنا بحاجة لأن نكرّر كيف رُفعت الضرائب والرسوم غير المباشرة على المواطن بالمقابل, ولا كيف رفعت تكاليف وانخفضت سوية الخدمات العامة التي يتلقاها المواطنون الفقراء مقابل الضرائب التي يدفعونها.. فمثلاً تجديد بطاقتي تأمين لرجل متقاعد وفي كهولته بعد أن أفنى حياته في العمل تصل إلى مائة واثنان وتسعون ديناراً سنوياً, بينما كانت قبل عام أو عامين أرببببعة دنانيرفقط!!! هذا في حين أن تقاعده الشهري ثمانون ديناراً, أي أنه دون خط الفقر ويستحق العلاج المجاني... ولو لم يدفع هذا الرجل الضرائب غير المباشرة التي فرض معظمها السيد أبو الراغب (خلال اللجنة المالية في مجلس النواب التي ترأسها لثماني سنوات وخلال وزارته بعدها والتي قاربت السنتين) فإن ذلك الرجل ما كان ليصنّف دون خط الفقر ولعالج نفسه وقدّم لنفسه كافة الخدمات التي تلزمه في شيخوخته دون تفضّل أحد ودون أن يمد يده للدولة التي أصبحت إقطاعاً لأبو الراغب اليوم, ولغيره قبله... فهل ستكون لأمثالهم بعده؟؟

بالفعل يا جلالة الملك, وليس كتعبير مجازي, الأردن أصبح "إقطاعاً" لأبو الراغب. فها هو قد أصدر قانوناً مؤقتاً بعد أن قام بحل مجلس النواب ـ دولته يعلن عدم إيمانه بالديمقراطية التي يقول أنها "لا تطعم خبزاً"!!! ـ وفي هذا التعديل فرض ضريبة على "الفقراء" تذهب لجيبه هو وشركاءه في التأمين مباشرة وليس للدولة!!

قصة أشبه بالخيال, كانت تحدث أيام أمراء وملوك الإقطاع, ولكنها لا تحدث في أسوأ ديكتاتورية معاصرة, فكيف بدولة تدّعي الديمقراطية..

أصحاب المركبات الذين لا يقدرون على دفع رسوم التأمين الشامل الباهظة ويقبلون بالمجازفة بالتأمين الإلزامي الذي يجعلهم يدفعون غالبية تكاليف أي حادث بحيث يسيرون وكأن الأرض مفروشة بالبيض... هؤلاء الفقراء فاجأهم أبو الراغب اليوم بقراره مضاعفة التأمين الإلزامي على مركباتهم, الخاصة والعامة (أي حتى تلك التي هي مصدر رزقهم الشحيح) بنسبة مائة بالمائة!!!! وبما أن هذا التأمين إلزامي, فهو ضريبة.. ولكنها ضريبة تدفع لأصحاب شركات التأمين وليس للدولة!! وبالمناسبة أبو الراغب يملك عدة شركات تأمين, وكوسيلة للتهرب من الضرائب المخفّضة جداً على تلك الشركات, سجّل إحداها باسم ابنته, وهنالك ما هو مسجّل بأسماء آخرين من عائلته ولا يجب أن يغضب هذا زميلي السابق السيد أبو الراغب, فكل ما أفعله هو أنني (وأنا أحقق مصلحة الوطن لا مصلحة ذاتية) لا أزيد على أن أطبّق معاييره التي تحسب كل شيء بالقرش... ولهذا سأجري حسبة بسيطة لهذا الشعب الذي لا يستطيع تأجير محاسبين "عتاولة" كأبي الراغب, بل أصبح من شدة الفقر على وشك الإنفجار في انتفاضة ثانية...

أولاً: الشعب الفقير لا يريد إضافة خدمات التامين الإضافيّة التي يدّعي تقرير أبو الراغب ,المرفق بمضاعفة أقساط التأمين الإلزامي ,أنه سيوفرها.. فالناس ما عندهاش وبالتالي ما يلزمهاش.. هذا إن صدقت هذه الإمتيازات وهذا حديث آخر قانوني اقتصادي سيطول, فقد نأتي له لاحقاً عند مناقشة التقرير. وكل ما يجري أن أبو الراغب يبيع بالقوة فقاعات هواء وبالونات لمن لا يجد ثمن الخبز..

ثانياً: إذا كانت أسعار التأمين الإلزامي حسب تسعيرة عام 85 إصبحت غير مجدية لشركات التأمين, (وهذا غير صحيح فأنا كنت رأس الحربة في معارضة رفعها في أواسط التسعينات في مجلس النواب, وكانت تقارير شركات التأمين ذاتها تؤكد ربحيتها, ولكن ليس الربحيّة الفاحشة كباقي مجالات التأمين)... إذا كانت هذه المبالغ قد أصبحت, مع الغلاء وزيادة الإلتزامات, غير مجدية, فإن كافة الدخول, خاصة المحدودة, لم تعد مجدية. وبالتالي يجب مضاعفة كافة رواتب وأجور المدنيين والعسكريين والعاملين في القطاع الخاص فوراً, باستعمال ذات المعيار.

ثالثاً: التأمين الإلزامي مربح لقابضيه بدليل أنه إلزامي.. ولو كان اختيارياً لما اختارته الغالبية الساحقة من أصحاب السيارات الصغيرة والسائقين العموميين.

رابعاً: دليل عدم جدواه للفقراء من مالكي السيارات ما أورده تقرير أبو الراغب من تحوّل غالبية قضايا الوفاء بالتأمين الإلزامي إلى القضاء, وكل عاقل سيستنتج أن المؤمّن المغبون هو الذي يلجأ للقضاء لتحصيل حقّه, وويل لمن كان فقيراً وأصبح حقّه عند الرأسمالي, خاصة إذا أصبح هذا الرأسمالي متنفذاً في الدولة التي سيطر على قضاءها, كما سبق وبيّنا داعمين أقوالنا بالوثائق الدامغة...

خامساً: بما أن كل قرارات أبو الراغب تقوم على حساب ما يدفعه وما يقبضه هو, وهو رجل عملي وليس عاطفيأً لأن العاطفة عند نقيصة,ولو كانت في حب الوطن وحتى القدس.. فإنني آمل أن لا يغضب منّي إذا قلت أن حسبتي (التطوعيّة لوجه الله والشعب الفقير) تقول بأن "ديّة" أبو الراغب لو وزّعت على الشعب الأردني فإنها لن تصل لنصف قرش للفرد الواحد... أي أن هذا يوفر عليهم اكثر من99.99% مما يدفعونه الآن من ضرائب للدولة تذهب لأبي الراغب وأمثاله, وضرائب تذهب لأبو الراغب وشركاته مباشرة, عبر قوانين يضعها أبو الراغب منفرداً...

أعتقد أن جلالتكم أصبحتم بحكم تطوّر الأمورالحتمي, أمام أحد خيارين... إما ترأس "الجاهة" لبحث الدية باعتباركم "شيخ العشيرة".. أو عزل رئيس الوزراء(وبأسرع ما يمكن لأن السيّد الإقطاعي يخطّط لقوانين مماثلة للمقاولات عبر تمهيد إعلامي مكشوف الغايات, وكلنا نعلم بإنّه مقاول ايضاً)وذلك باعتباركم ملكاً لمملكة دستوريّة معاصرة لا تسمح بهذا القدر من خرق الدستور والعودة بالبلد إلى العصور الوسطى..

أما إذا كان هنالك خيار ثالث, فإنني شخصياً أكره التفكير فيه, وكذلك جلالتكم حتماً... ولكنني في النتيجة لست سائق تكسي أو باص... وسائقوا التكسيات والباصات وحفنة من الرّكاب هم فيما يبدو قادة الإنتفاضات في الأردن, ولقمة العيش تلزم هؤلاء بحلول راديكالية... وبما أن الوضع أسوأ بكثير مما كان عليه في نيسان 89, فالعاقل يتوقع رد فعل أعنف مما جرى في عام 89... عندها حذرت الحكومة ولم يستمع لتحذيري أحد, لأنه لم يصل حتماً لرأس الدولة.. لهذا اخترت هذه المرة موقعاً على الإنترنت وليس جلسة مجلس تموين تبحث رفع أسعار الوقود في قاعة مغلقة.. إستودعكم , والأردن الغالي, الله, ..واتسائل إن كنت سأستطيع العودة إليه دون أن اجد بانتظاري رسم دخول يفوق رسم الخروج ..
مع تمنياتي لكم بالتوفيق في خدمة الوطن.

توجان فيصل
6/3/2002


ملاحظة : الرسالة تركت كما هي نصاً ومضموناً