شارون العربي
بقلم : د . محمود عوض

****6/3/2002*****

من أولى الدروس التي تشربها الصهاينة وما زالوا يتشربون بها هي أن ( العربي لا يفهم غير لغة القوة ) وأنه سرعان ما يطلق ساقيه للريح متمسكا بالمثل الشعبي القائل _ يقولوا جبان ولا يقولوا الله يرحمه - وهو أي العربي كما تعلم الصهاينه يختزن في أعماق نفسه مثلا شعبيا آخر يقول - كلب حيّ خير من أسد ميت - ولذا فإن العربي يحرص على الحياة والبقاء حتى في ظل كل أنواع الإستلاب باسثناء إستلاب شيء واحد هو غريزته الجنسيه وتوفير متنفس لمعدته وكبته الجنسي .

للأسف الشديد فإن التشريح الإجتماعي للعرب منذ قرون وبخاصة منذ التسلط العثماني عليهم يكشف بجلاء مدى إنخراطهم تحت مظلة ( الخوف الفردي والجماعي ) بل وصلوا في هذا الإنخراط سقفه الأعلى بانتشار ثقافة ( القدرية عندهم ) أخذا بالقول ( أن ما يلاقونه من فقر أو ظلم أو قهر إنما هو قدر محسوم وكان سلاحهم في مواجهة ذلك هو مجرد مناشدة السماء بأحد الأدعية المهيمنه وهو (( اللهم لا نسألك رد القضاء وإنما اللطف فيه )) وقد قابله في التربية الإجتماعية الشعبيه المثل الشعبي الشهير )) - المكتوب مكتوب - أو المكتوب على الجبين لازم تشوفوا العين -

إن التمعن والتأمل في هذا المفهوم لبناء النفسية العربيه يظهر بجلاء الكيفية التي وآءم وكيّف بها العربي حياته كفرد وجماعه لقبول الأذى وتقبله على أنه قدر وقضاء وعلى أنه مكتوب على الجبين هو ما أنتج لديه نهجا أفضي إلى الركون والتوكليه بل وضع أساسا راسخا لمقولة _ أن الكف لا تناطح المخرز _

هذه التربية النفسية خدمت وما زالت تخدم (( عنصر القوة لدى كل قوي في المجتمع السياسي الإجنماعي العربي )) فهي نقطة الضعف الأخطر في المجتمع العربي إستغلها ضابط الجيش في قهر جنوده واستثمرها شيخ القببيلة في التحكم بكل أفراد العشيرة ووظفها لخدمته الملك أو القائد للجم كل معارضه وكانت أقوى أسلحة الإستعمار للهيمنة على العرب وفي ذات المسار كانت هي قوة الردع للصهاينة في إنجاز مشروعهم الرهيب .

على ذلك أصبحت ( الجندية ) في الوطن العربي مجرد _ وظيفه وليست مهمة حراسة وقتال _ وسيلة من وسائل الرزق والعيش . وأضحى الإحتلال أو الإستعمار حالة من حالات القدرية والقضاء وكأمر مما أرادته السماء.
وتجذرت عبر ذلك كله ثقافة الخوف والحرص على الحياة حتى بأحط معانيها بأن تكون كلبا حيا خيرا من أسد ميت .

ومن ذلك كله تمحورت عملية التنفيس لا على الخروج من جهنم الإضهاد وإنما على الخروج من جهنم الكبت عبر نافذة الجنس وبوابة المعده فأصبح العربي يعيش ليأكل وليس يأكل ليعيش

طبعا ضمن هذه المعطيات سهل على الصهيونية إنجاز ما أنجزته حتى اليوم تماما كما سهل على قادة الأنظمة تحقيق هزائم للعرب ومن ثمة تفسيرها على أنها نصر وفتح مبين .

في ظل ثقافة الخوف والقدرية والإتكاليه كان أي مظهر من مظاهر الخروج عنها هو في نظر المجتمع العربي نوع من المغامرة أو المقامره بل وصل الأمر في وصف الخارجين على هذا الخط ( بالتياسه ) وباللاواقعيه ( حمير يعتقدون أن العين تقاوم المخرز ))

على هذه الوسادة المريحة نام نوما عميقا الظلم الحاكم والإحتلال الجاثم وظل العرب يجترون فقط عبارات مكررة وهي تقول (( كيف الخلاص )) .
الخلاص بدأ يلوح في الأفق وهو قلب قاعدة البناء النفسي السابق رأسا على عقب
وهذا القلب والإنقلاب يجيء اليوم عبر فلسطين في كبسولة إسمها ( الإستشهاد )
والإسشهاد هو رفض صاخب للحرص على الحياة .. رفض للقدرية يقول الفقر والظلم والسلب والإستلاب يمكن صده .
هذه الثقافة الإستشهادية في فلسطيين تنتشر اليوم إنتشار النار في الهشيم وهي عنصر الأساس في خوف وقلق اسرائيل وهي ما ينسف مقولتها بأن العربي لا يفهم غير لغة القوة فها هو الفلسطيني يصل في القوة بعدها اللامنظور بمعانقته للموت كسلاح .. فأية قوة ترهب من صمم على الموت.
ما يجري في فلسطين لا يقض مضجع اسرائيل وحدها إنما يقض مضجع البناء التقليدي الظالم والمستبد في الوطن العربي .
وهذا لعمري يخيف شيخ القبيله وضابط المخفر ورئيس التشريفات .. إنه إرهاصات التغيير .. هل فهمت الآن لماذا هنالك اليوم شارون الإسرائيلي وشارون العربي