ليس " سياسيا" ولكنه يغني من اجل " السلام" أثناء مجازر جنين!
خالد : ملك الراي أم ملك طواقي الإخفاء

بقلم: د. هشام البستاني
تاريخ النشر :00:09 15.07.02

د. هشام البستاني

   مساء يوم 11/5/2002، لم يغير مدرج روما القديم (الذي كان مسرحاً لمعارك دامية بين الأسود والمصارعين قبل ألفي عام) صورته كما جاء في مقدمة الخبر الذي بثته رويترز ونشرته الرأي يوم (13/5/2002 ، ص 48)، بل شهد هذا المدرج يوماً دامياً آخر تمثل في إقامة حفل ادعى منظموه انه مكرس "لتشجيع السلام العالمي" و "المساواة" مع "التركيز بصفة خاصة على صراع الشرق الأوسط".

لم يكن ذلك المهرجان خالياً من النوايا المبيتة عن قصد، ولم يكن تنظيمه في ذلك التوقيت (أثناء مجازر جنين والاقتحامات الصهيونية للمدن الفلسطينية)، ولتلك الاهداف، الا لصرف النظر عن الانتهاكات الصهيونية لكل حق إنساني عرفته البشرية عبر تاريخها الطويل، وللترويج لفكرة مفادها ان الصهاينة يدافعون ويناضلون من اجل السلام، وان المشكلة هي محض سوء تفاهم بسيط بين "الطرفين" (المتساويين بالضرورة في مسؤولياتهم تجاه السلام وتجاه " العنف")!!!

سوء التفاهم هذا هو ما سيدفع الشاب خالد (أو خالد "حاف" كما يفضل ان يسمي نفسه) الى الغناء في هذا المهرجان، وهو مهرجان نظمه يوري سافير (السفير "الإسرائيلي" السابق)، أمام شمعون بيرز وزير خارجية الكيان الصهيوني و "ثاني الاثنين" في حكومة المجازر والمذابح الشارونية، وصاحب مشروع "الشرق أوسط الجديد" الذي يمكن تلخيصه بتحويل المحيط العربي الى مجال حيوي مفرغ لمحور اقتصادي/اجتماعي رأسمالي صهيوني اسمه"إسرائيل".

لقد غطت الموسيقى في ذلك اليوم على صوت صواريخ الاباتشي وطلقات الدمدم. وعلا صوت خالد بمرافقة المغنية "الإسرائيلية" نواه في أغنية مشتركة لتحجب ضجيج المجنزرات الصهيونية وهي تسوي مخيم جنين بالأرض. "تخيل" كان عنوان تلك الاغنية، لكن همجية ودمار الآلة العسكرية الصهيونية، واستخذاء وامتهان كورس "السلام" العربي، فاق كل تخيل.

وفيما كان يوري سافير (منظم الحفل والسفير "الإسرائيلي" السابق، ورئيس مركز للسلام في تل أبيب، واحد العاملين على اتفاقية أوسلو) يفتتح الحفل بقوله: "جرى الاحتفال بالفتوحات والانتصارات العسكرية هنا من قبل، لكن الآن، إننا هنا لنحتفل بالحياة، وإظهار انه لا حرب ولا جيش يمكنهما تحقيق السلام" ? كان رفاق سافير في جيش الاحتلال الصهيوني يحتفلون بالموت والدم ويلتقطون الصور التذكارية مع جثث الشهداء، ويطبقون فعلياً وعلى الأرض، خلف ساتر من الحمائم البيضاء التي أطلقت في نهاية حفل روما، بديهة بسيطة: ان الحرب والجيش والفتوحات العسكرية هي السفر الأول والأخير في المسيرة الهمجية للإمبريالية والصهيونية.

وعلى جثث الشهداء العرب في الأردن وفلسطين والعراق وسائر الأقطار، وقف بيريز ومحمد رشيد وخالد ونواه وسافير (وخلفهم مجموعة نداء إدانة العمليات الاستشهادية من وراء حجاب)، لينحنوا تحية لتصفيق الحضور ال300 في نهاية الحفلة/المهزلة المسماة (من اجل السخرية فقط) "وقت من اجل الحياة". ويالها من حياة تحت أنقاض مخيم جنين.

كل هذا يدحض بشكل كامل ما قاله خالد عبر الاتصال الهاتفي المنشور في العرب اليوم (2/7/2002 ص30) والرأي (3/7/2002):

" أنا لست سياسياً" و"اعرف كل ما يحصل في فلسطين" و "الفلسطيني أخي وصديقي" ? ولكنه يغني من اجل ترسيخ المشروع الإمبريالي/الصهيوني في المنطقة العربية، ويذر الرماد في عيون العالم بتسويقه الصهاينة كدعاة سلام.

"أنا لست صاحب "الإسرائيليين" وليسوا اخوتي" ? ولكنه يغني في حفل نظمه سفير "إسرائيلي" ، ورعاه وزير خارجية "إسرائيل" مع مغنية "إسرائيلية" !!!

ويختتم خالد: "ما الضير أن تغني من اجل السلام؟" ? لا ضير ، ولكن أي سلام هذا يا خالد؟!

من اجل هذا كله، كان لابد (أخلاقيا على الأقل) أن تصدر الدعوات من اجل مقاطعة هذا المغني وحفلاته، وكان منطقياً أن يقول رئيس مجلس النقباء في مؤتمر صحفي حول هذه المسألة: "إن غناء الشاب خالد مع المطربة "الإسرائيلية" أثناء ارتكاب الصهاينة لمجزرتهم البشعة في مخيم جنين، لا يمكن بأي حال من الأحوال قبوله، لأنه يساهم في الترويج للسلام الصهيوني الذي مضمونه فرض الاستسلام على الشعب العربي الفلسطيني والأمتين العربية والإسلامية وتصفية القضية الفلسطينية" (العرب اليوم 4/7/2002 ص 3).

خالد سيظهر في لبنان يوم الاثنين 15 تموز 2002 من خلال مهرجانات بيت الدين، وفي الاردن يوم الخميس 18 تموز 2002 ضمن فعاليات مهرجان عكاظ، فيما تتعالى دعوات مقاطعته في الاردن، وتتعالى دعوات مقاطعته في لبنان بناءا على طلب مجموعات سياسية لبنانية وأقليمية كما صرحت مؤخراً مديرة أعماله (العرب اليوم 10/7/2002 ص 32)، فيما تظل جدران مدرج روما القديم مضرجة بالدماء، ويتحول فنان عربي إلى موزع مجاني لطواقي الإخفاء ? فهل من مجيب؟