بمناسبة انعقاد المنتدى الاقتصادي العالمي في الاردن من 20-22 ايار
دافوس البحر الميت في دورته الثالثة:
تعميم النيولبرالية عربياً، وترويج "اسرائيل"

بقلم : د. هشام البستاني *

د. هشام البستاني
تاريخيا، يعتبر المنتدى الاقتصادي العالمي المكان التقليدي للقاء كبار الرأسماليين واصحاب الشركات المتعدية للحدود، مع السياسيين المتنفذين في العالم سواءا في البلدان الكبرى او الصغرى على حد سواء، ويعتبر المنتدى احد اهم الارضيات التي يتم عليها تبادل الافكار والمقترحات وآليات العمل لتحرير الاسواق امام هيمنة رؤوس الاموال والشركات الكبرى من خلال "التحالف" او "التكامل" بين الرأسمال والطبقات الحاكمة. و"الرؤى" الناتجة عن هذا المنتدى تعتبر اساسا لاحداث التطوير في آليات عمل الرأسمال عالميا لمواكبة التطورات والتغيرات، كما تحدد هذه "الرؤى" اجندات ومقترحات (تحت ذرائع التطوير والتنمية والتقدم) لتغيير الاستراتيجيات والقوانين والتقاليد في بلدان العالم الثالث المهمشة والضعيفة والفقيرة اقتصاديا لمصلحة الشركات الكبرى والدول الصناعية.

ويأتي تكريس انعقاد المؤتمر سنويا في الاردن نظرا لأهمية الموقع الجيوسياسي له لوقوعه بين اهم نقطتين ساخنتين في المنطقة العربية والعالم حاليا هما: فلسطين والعراق، حيث تسعى الشركات الكبرى للحصول على حصة من ثروات العراق الطبيعية المتمثلة بالنفط والغاز (والتي احتكرتها الشركات الامريكية بالكامل منذ الغزو)، في حين تسعى ايضا الى الاستئثار بعقود اعادة الاعمار الضخمة التي سيتم تمويلها من فاتورة النفط العراقي وعلى حساب الشعب العربي في العراق.

هذا اضافة الى ان الحكومة الاردنية كانت سباقة في "الانقلاب الاقتصادي النيوليبرالي" الذي تم تنفيذه في عهد حكومة علي ابو الراغب عبر 211 قانونا مؤقتا قلبت الاقتصاد الاردني رأسا على عقب، فاتحة الباب للشركات الاجنبية للتملك الكامل في قطاعات المال والعقار، وبيع القطاع العام، وتثبيت الاعفاءات الضريبية والرسوم على رؤوس الاموال تحت مسمى "تشجيع الاستثمار"، وتشجيع دخول رؤوس الاموال الاجنبية بدعوى خلق فرص العمل، بينما ما يهمها اساسا هو الربح من خلال استغلال العامل الاردني والموارد الاردنية الى اقصى الدرجات. كما كانت الحكومة الاردنية سباقة في عقد اتفاقيات تحرير التجارة مع الكيان الصهيوني من خلال المناطق الصناعية المؤهلة التي تمثل لقاء المصالح الرأسمالية مع التطلعات التطبيعية للكيان الصهيوني.

وعلى الجانب الآخر، يمثل المنتدى فرصة هامة جدا للكيان الصهيوني ليعيد انتاج نفسه سنويا وعلى المستوى الاقليمي كمركز رأسمالي محوري فيما يسميه جورج بوش "الشرق الاوسط الكبير"، ويعطي المنتدى للكيان الصهيوني الفرصة الكبرى للاختلاط مع واختراق دول عربية بعضها مازال رسميا يرفض اقامة علاقات مع هذا الكيان، بل ان الفرصة تفتح للالتقاء مع كبار الرأسماليين في هذه البلدان مما يفتح للكيان آفاقا تطبيعية واقتصادية مجانية معززة بذلك هيمنتها وعدوانها وسياساتها الاحتوائية والاختراقية، خصوصا فيما يتعلق ببلدان الخليج العربي التي ما زالت نسبيا حتى الآن، تقاوم التغلغل "الاسرائيلي" الاقتصادي رغم بعض الاختراقات، وعليه لا نستغرب اليوم ان يحضر المؤتمر هذا العام عدد كبير جدا من السياسيين ورجال وسيدات الاعمال من سوريا والكويت والامارات وقطر وليبيا والبحرين بل وايران، الى جانب سياسيين واقتصاديين "اسرائيليين".

ولنتوقف لحظة عند المشاركة "الاسرائيلية" والندوات التي يجلس فيها "اسرائيليون" الى جانب عرب لم يعرف عنهم التطبيع او هم من دول لم يعرف عنها التطبيع: فيتواجد في دافوس البحر الميت هذا العام ويشارك في ندواته كمتحدثين رئيسيين كل من نائب رئيس الوزراء ووزير الصناعة الاسرائيلي ايهود اولمرت، ونائب رئيس الوزراء الاسرائيلي وزعيم حزب العمل شمعون بيريس، ووزير الخارجية الاسرائيلي سيلفان شالوم. فيما يشارك اشيفاي بريفرمان رئيس جامعة بن غوريون "الاسرائيلية" في ورشة "الامن المائي"، بينما يشارك يوسي البير المحلل السياسي "الاسرائيلي" الى جانب الايراني محمد ساريولغالام استاذ العلاقات الدولية في الجامعة الوطنية الايرانية في ورشة "الامن العالمي والشرق الاوسط"، في حين سيجلس الاماراتي خلدون المبارك الرئيس التنفيذي لشركة المبادلة للتطوير الى جانب دان بروبر الرئيس التنفيذي لمجموعة اوسيم "الاسرائيلية" على المنصة الرئيسية لندوة "التعرف على محركات النمو في المستقبل"، ويشارك الاماراتي محمد العبار رئيس مجلس ادارة مؤسسة اعمار في ندوة "غزة: بناء قصة نجاح فلسطينية" الى جانب "فصيل" كامل من الاسرائيليين: شمعون بيريس ويوسي فاردي وايهود اولمرت وسيلفان شالوم.

المنتدى الاقتصادي العالمي اثار ويثير احتجاجات كبيرة حول العالم، اهمها المنتدى الاجتماعي العالمي الذي يعقد في بورتو اليغري/البرازيل في نفس موعد انعقاد المنتدى في مؤتمره الرئيسي في دافوس بداية كل عام، ومنتدى المقاومة الذي انسلخ عن الدعوات الاصلاحية للمنتدى الاجتماعي العالمي متبنيا مواقفا اكثر تقدمية وجذرية فيما يتعلق بالقضايا العالمية الرئيسية.

اما في الاردن ومنذ بداية انعقاد المنتدى في البحر الميت في شهر أيار من كل عام، فقد دأبت المنظمات الشعبية على القيام باحتجاجات موازية بدأت في عام 2003 بانعقاد الملتقى الاول المناهض لدافوس-البحر الميت في النقابات المهنية الاردنية، وعام 2004 بعقد اعتصام والملتقى الثاني المناهض لدافوس أيضا في النقابات المهنية الاردنية، اما هذا العام 2005 فان الملتقى المناهض لدافوس سيعقد تحت اسم "اللقاء الوطني لمواجهة الهيمنة الاقتصادية والسياسية" بتنظيم من اللجنة التنفيذية العليا لحماية الوطن ومجابهة التطبيع (احزاب المعارضة الاردنية)، ولجنة حماية الوطن ومقاومة التطبيع النقابية (النقابات المهنية الاردنية) في نفس يوم انطلاق مؤتمر دافوس البحر الميت اي الجمعة 20/5/2005، ولكن قبل ان نسترسل في التفاؤل، لا بد ان نشير ان محافظ العاصمة عمان قد ارسل كتابا يفيد بمنع انعقاد المؤتمر المعارض لدافوس البحر الميت في مكان عام، مما يشير بشكل واضح الى ان الادعاءات الديمقراطية للنيوليبرالية هي محض ادعاءات كاذبة على الصعيدين المحلي والعالمي، ولسان حالها يقول: "بامكانك ان تفعل ما تشاء ما عدا كل ما من شأنه التأثير على هيمنتنا على العالم واقتصاده!!"، ويا لها من حرية: حرية العبد في ان يكون عبدا، وبمزاجه!!

*كاتب وناشط في قضايا المقاطعة ومقاومة التطبيع ومناهضة العولمة من الاردن
21/5/2005