سلطة أوسلو في جريمة جديدة !
بقلم : د. إبراهيم حمامي *

د. إبراهيم حمامي

جريمة أخرى تضاف إلى سلسلة جرائم "سلطة" أوسلو البغيضة كشف النقاب عنها خلال لقاء عقد مؤخرا ونظمه مركز تطوير القطاع الخاص حول مديونية "السلطة" وآليات إدارتها. شارك في اللقاء الذي اقيم في جامعة النجاح الوطنية عدنان عودة رئيس وحدة البحوث البرلمانية في المجلس التشريعي والنائب معاوية المصري عضو لجنة الموازنة والشؤون المالية في المجلس التشريعي والمحاضران في قسم الاقتصاد بجامعة النجاح د. محمود ابو الرب ود. نائل حطاب ود. هشام عورتاني مدير مركز تطوير القطاع الخاص وبحضور باحثون إقتصاديون وأكاديميون ليحذروا من "مخاطر وأعباء جسيمة تتهدد التنمية والاقتصاد الفلسطيني والأجيال القادمة بسبب الارتفاع المتسارع في قيمة الدين العام الذي بات يقترب من ملياري دولار" لم تنفق على التنمية ولايعرف أصلا سبب إقتراضها أو أين صرفت ولصالح من في ظل فوضى وتسيب لم يسبق لهما مثيل.

خلاصة اللقاء كانت الكشف عن كارثة وجريمة أوسلوية جديدة أهم بنودها :

  • أصبحت مديونية السلطة 1875 مليون دولار.

  • كل فلسطيني مطالب بتسديد 500 دولار من الدين العام قابلة للزيادة.

  • الإقتراض الخارجي ظاهرة متفشية بدأت عام 1993 بقرض قيمته 15 مليون دولار لتصل عام 2003 إلى 62 قرضا مضافا إليها الإقتراض الداخلي.

  • إنعدام أية إستراتيجية واضحة والإتسام بالعشوائية في الإقتراض دون وجود معايير أو ضوابط.

  • غياب الرقابة سواء من المجلس التشريعي أو غيره.

  • التكتم والتستر على قضايا الإقتراض.

  • التحايل والكذب للحصول على القروض حيث ضرب مثال خلال اللقاء بقرض كان قد طلب من الكويت التي إشترطت موافقة المجلس التشريعي الذي رفض بدوره الموافقة ليفاجأ عام 1998 ببند يطالب بتسديد القرض بعد أن أبلغت "السلطة" الكويت أن المجلس وافق عليه كذبا !

  • تعدد جهات الإقتراض دون رقيب أو حسيب من أفراد ووزراء ومؤسسات ليصل إلى "السفير" الفلسطيني في النرويج الذي فاوض وأبرم صفقة وحصل هو الآخر على قرض !!
  • بدون حسابات وتعقيدات ومعادلات أصبحت السرقات بالمليارات بعد أن كانت بالملايين فإضافة لجريمة القروض هناك فائض الدخل العام بعد خصم الموازنة السنوية والمساعدات والهبات ومقررات الدول المانحة والضرائب التي ثبت أنها لاتدخل في حسابات الموازنة بل في حسابات خاصة. اللافت للنظر هو أن حجم القروض وقيمتها إزداد مع إندلاع الإنتفاضة رغم عدم وجود إلتزامات حقيقية وغياب أي إعادة للإعمار أو التعويض ليصل حجم القروض الخارجية عام 2003 إلى 80% من إجمالي الإيرادات العامة وما نسبته 39% من الناتج الإجمالي !

    ترى أين صرفت هذه الأموال ولصالح من ؟ الإجابة قد تكون أنها صرفت :

  • على رواتب الآلاف المؤلفة من مسلحي السلطة من أمن وشرطة وإسخبارات والتي تقف كالمتفرج أمام الإحتلال وإجتياحاته لتصول وتجول بعدها في قمع الشعب وقواه أو لتستخدم لصالح فلان ضد علان.

  • ربما صرفها "القائد الرمز" على زوجته وإبنته! وهو ما علقت عليه زوجة "الرمز" سهى عرفات بوقاحة نادرة "أنه أمر طبيعي أن يصرف الرئيس على زوجته وإبنته" ولكن أين وكم؟ في باريس و 11.5 مليون دولار فقط لاغير. (صحيفة لو كانار أنشينيه الأسبوعية والجزيرة نت يوم 11/02/2004).

  • أو ربما هي لشراء ذمم وولاء المجلس المركزي لحركة فتح والذي يتقاضى أعضاؤه حسب "المصلح" دحلان 30 ألف دولار شهريا مع إمكانية رفعها إلى 100 ألف للعضو الناشط !

  • بل قد تكون قد أنفقت من قبل الواعظ الجديد وحامل لواء الإصلاح المتمشيخ محمد دحلان على جهازه الجهبذ الأمن الوقائي لإدارة المعتقلات يوم كان مسؤولا عنه أو لشراء فندق الواحة أو منزل الشوا في غزة.

  • قد يكون قريع المسؤول ووزرائه حيث صرفت الأموال نثريات لوازم السفر والتنقل والفنادق والمؤتمرات وربطات العنق.

  • هناك إحتمال أن المجلس التشريعي هو المسؤول لأنه زاد رواتب أعضائه من 2000 دولار إلى 3000 دولار شهريا مع منحة مدفوعة مرة واحدة بقيمة 15 ألف دولار للعضو الجديد (قرار التشريعي في شهر نيسان/أبريل 2004).
  • ما لا يختلف عليه أحد أنها حتما وجزما وتأكيدا لم تصرف في جنين ولا في رفح أو بيت حانون ولم تنفق لتحسين المخيمات التي تعيش تحت خط الصفر ولا في رفع مستوى المعيشة للفرد الذي يعتاش على أقل من دولارين شهريا (الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني 20/05/2004).

    ألا لعنة الله على الظالمين الفاسدين.

    أعود لجريمة القروض التي من شأنها أن تفاقم الوضع الحالي وتحوله إلى أزمات خانقة وقاتلة ستنفجر مستقبلا خاصة أن سداد القروض والديون سيؤثر سلبا على كل مناحي الحياة حيث أن الجريمة مركبة ولاتقتصر أبعادها على كيفية السداد وقت الإستحقاق بل كيفية سداد القروض وفوائدها وفوائد الفوائد وهي فائدة تصاعدية لانهاية لها، علما أن فوائد هذه القروض هذا العام 22 مليون دولار كما ورد في اللقاء!

    ليست المشكلة فقط في الإقتراض ولكن الجريمة هي أن "السلطة المبجلة" لم تكن أصلا بحاجة لهذه القروض فإجمالي دخلها حوالي مليارين من الدولارات بينما تبلغ ميزانيتها السنوية مليار واحد فقط، أي أن الفائض مليار دولار سنويا مضافا إليها ما سبق ذكره من ضرائب ومنح وهبات وغيرها، والجريمة أن تقترض "السلطة الموقرة" هذه الأموال ولايعرف لماذا وأين وكيف صرفت ومن إستفاد منها ؟

    لم تكتف زمرة أوسلو بسرقة ونهب ما تحت أيديهم ولا بإحتكار العقود والشركات ولابصفقات الخيانة الأسمنتية وغيرها بل أرادوا تكبيل الشعب بقيد أبدي لافكاك منه إسمه الديون في معادلة وضيعة: إما أن نبقى الحكام والأسياد أو أن ترثوا الديون وفوائدها وترثوا أيضا الإقتتال الداخلي بين فاسد وأفسد. لم يكفهم الماضي والحاضر بل أرادوا تدمير المستقبل في تناغم عجيب مع المحتل الذي يدمر ويقتل ويشرد بينما هذه الزمرة تسرق وتنهب وتفسد وتقترض ..... ألا تبا لها من سلطة.

    رغم ذلك يتحدث أزلام أوسلو -المدانون جميعا- عن الإصلاح والشفافية والنزاهة وتقاسم السلطات بين رئيس ورئيس وزراء وطامح في الرئاسة والحقيقة أن ما يهمهم هو تقاسم الأموال والأرزاق والإستشحاذ على أبواب من يدفع بدموع الأطفال والثكالى والأرامل وبجراح المقاومين وآهات المعذبين والمعتقلين وأنقاض البيوت المهدمة والأراضي المجرّفة.

    كلهم فاسدون -لا أستثني أحدا- حتى وإن زعم البعض أن هناك شرفاء، الشريف يأبى أن يكون لبنة في بناء فاسد وإن قبل فهو فاسد كالبناء، نعم كلهم ضالعون في هذا الفساد من أصغر موظف أو شرطي مرور إلى رأس الهرم الأوسلوي، من يستمريء الفساد ويرضى بالظلم يصبح شريكا فيه، ومن يعمل في أجهزة ومؤسسات الفساد يصبح عونا له وسندا لأنه باسم هؤلاء يقترض أزلام أوسلو وبحجتهم يستمروا في غيّهم، لا أعذار ولا مبررات: إن كان هناك شريف فليتبرأ من هذه الزمرة اللعينة.

    لقد حولت زمرة أوسلو الشعب الفلسطيني المقاوم إلى "بقرة حلوب" لتشحذ بإسمه وبإسم عذاباته وتضحياته وهذه هي جريمة الجرائم وإن كان هناك من ينادي بالإصلاح حقا فعليه أن يبدأ برأس هذه "السلطة" والمسؤول الأول والأخير عن ممارسات أزلامها.

    كل زمرة أوسلو متهمة بل هي مدانة حتى تثبت براءتها، لا إستثناء لأحد، لا عرفات ولا قريع ولا دحلان ولا غيرهم! كل من شارك يوما أو لازال يشارك في ذبح هذا الشعب بالفساد والإفساد والإنحلال والإنحطاط يجب أن يحاسب ويعاقب لأنه لاحصانة لأحد ولا كرامة إلا للشعب الذي يتاجر به ليل نهار.

    على كل من ورط ويحاول توريط شعبنا بأغلال الديون سداد فاتورة الحساب من الملايين المملينة والقناطير المقنطرة التي لم تعد سرا وفاحت رائحتها من سرقات ونهب وسمسرة وحوالات وعمولات ومكوس وخاوات. لو كان هناك عدل لزج بأزلام أوسلو في السجن وصودرت ممتلكاتهم التي جنوها بغير حق -كلهم وكل ما يملكون- حتى يستقطع الشعب حقه وحتى يسأل كل متهم ومجرم من أين لك هذا؟ ويحاسب كل فاسد على فعلته.

    الحل الوحيد الباقي أمام هذا الشعب هو تقويض هذه "السلطة" الوهمية والتبرأ منها ومن جرائمها بالإمتناع عن المشاركة في مؤسساتها وأجهزتها وكل ما يمت لها بصلة وأن تشكل قيادة وطنية موحدة ترتقي لمستوى طموحات الشعب ولتبدأ بمحاسبة هذه الرموز العفنة.

    سيأتي ذلك اليوم حتما وعندها لن تغني أموال الفاسدين عنهم شيئا وسيصرخ الجميع: القصاص القصاص !

    * د. إبراهيم حمامي : طبيب وناشط فلسطيني
    DrHamami@Hotmail.com
    تاريخ النشر : 23:27 05.08.04