نعم لقد نجح عبّاس في شرم الشيخ
بقلم : د.إبراهيم حمامي

د. إبراهيم حمامي

بدون أدنى ريبة أو شك، وبدون جهد وعناء وتفكير أقول: نعم لقد نجح عبّاس في شرم الشيخ وبامتياز، نجاح باهر لا مثيل له، حصل وحظي معه على كل ما أراده من ذلك الإجتماع، رغم كل ما كُتب ويُكتب ويقال في الصحف والإذاعات والتعليقات.

لم يذهب عبّاس إلى شرم الشيخ بورقة فلسطينية، أو برنامجاً محدداً، أو مطالب يمكن مناقشتها ولو صغيرة، رغم كونه ولو إسماً "رئيس السلطة الفلسطينية"، فالمؤتمر عقد بموافقة وشروط وإعداد وإخراج شارون وطاقمه ولهدف واضح ومحدد - إعلان وقف الإنتفاضة- والبحث في الأمور الأمنية وكيفية تطبيق خارطة الطريق خاصة الجزء الأول المتعلق بتفكيك "البنية التحتية للإرهاب"، وهو ما التزم به عبّاس و"بشطارة" منقطعة النظير استوجبت وصف يديعوت احرونوت له بأنه "رائع" لتقول نصاً: "أبو مازن لم يخرج سنتيمترا واحدا عن الأمور التي اتفق عليها مسبقا. "هناك أمور كثيرة تقلقنا"، قال، "الجدار، اللاجئين، المستوطنات والتسوية الدائمة، ولكننا لن نخوض فيها اليوم".قال والتزم بوعده والكلمة التي قطعها على نفسه. "إنه رائع"، قال عنه أحد الإسرائيليين".

هكذا كان، لم يخرج سنتيمتراً واحداً عن الأمور التي أرادها شارون، والذي كان المنتصر الوحيد من إجتماع خُصص لتبرأته وإيجاد مخرج له من ورطته وبشكل يحفظ له ماء وجهه البشع، إن كان أصلاً يخجل.

هدف عباس لم يكن فلسطينياً، أو وطنياُ، بل كان شخصياً بحتاً، أراد منه تحقيق هدفين رئيسيين هما: الظهور بمظهر الزعيم القوي القادر على ضبط الأمور وحسمها بحزم وصرامة، وفعل ما عجز عنه عرفات لسنوات، ليعلن وقف الإنتفاضة ويصدر شهادة وفاة لها، وكأنها انطلقت بإذن منه لينهيها بضغطة زر وبفرمان عبّاسي عتيد، وثانيهما استرضاء شارون والحصول على القبول والإستحسان، وهو ما يحاول فعله بجد ومثابرة حتى قبل أن يصبح رئيساً لسلطة أوسلو، فهذه ليست المرة الأولى التي يستجيب فيها عباس وبرضوخ كامل على طريقة "سمعاً وطاعة" لمطالب شارون فخلال الأسابيع القليلة الماضية رضخ لمطالب وقف "التحريض" وأصدر أوامره للمؤسسات الرسمية خاصة تلفزيون فلسطين بوقف "التحريض"، ثم لم يجد حرجاً في إعتبار وصفه للإحتلال ب"العدو الصهيوني" زلة لسان في وقت كانت فيه الأعصاب مشدودة حسب قوله، ليأمر بمنع إستخدامها في الإعلام الفلسطيني تأكيداً لندمه على تلك "الزلة".

من هذا المنطلق يمكن القول أن عبّاس نجح وحصل على شهادة تقدير من اجتماع شرم الشيخ،كيف لا وقد أصبح زعيماً أوحد يقرر ويصدر الأوامر؟ كيف لا وقد خرج وشارون راض عنه تمام الرضا ليدعوه وبعزومة "أخوية" لتناول "خروف" في "مزرعته الخاصة" معرباً في الوقت ذاته عن استعداده لزيارة رام الله؟ كيف لا وقد اعتبره شارون أملاً للسلام على طريقته الشارونية التي تعني الإنصياع التام؟ كيف لا وقد أسعد شارون وأثلج قلبه وحقق له ما كان يحلم به لسنوات وأهمه:

- الإقرار بأن شعبنا هو من يمارس العنف وبأن الإحتلال يقوم بعمليات عسكرية للرد وهو ما أكده شارون قائلاً: "لقد اتفقنا على وقف العنف الفلسطيني ضد الإسرائيليين، ووقف العمليات العسكرية ضد الفلسطينيين"، وهز عبّاس رأسه موافقاً عليه.

- إعطاء شارون صك البراءة من كل جرائمه فنحن الآن نتكلم عن المستقبل، أما الماضي فقد ذهب إلى غير رجعة، هذا بالنسبة لشارون ومجرمي جيش الإحتلال، أما عندما يتعلق الأمر بنا فالأمر فيه قولان والأيدي "الملطخة بالدماء" موضوع لا يمكن التطرق إليه.

- فتح أبواب العواصم العربية أمام شارون وحكومة الإحتلال، فالإنتفاضة وبالفرمان العبّاسي انتهت، والأمور "سمن على عسل" وبين عبّاس وشارون خبز و"خرفان"، ولا يمكن أن يكون العرب المتلهفين ملكيين أكثر من الملك، وهو ما تلقفه شالوم ليعلن بجرأة وثقة أن هناك 10 عواصم عربية جاهزة للتطبيع، كل ذلك ببركات عبّاس.

- البدء في تطبيق خارطة الطريق والتي تعني في نهاية المطاف الإصطدام مع المقاومة نيابة عن المحتل.
ذهب عبّاس بموافقة مشروطة من كافة الفصائل وعلى رأسها فتح وأجنحتها العسكرية على تهدئة، وبشكل لا لبس فيه أن التهدئة لن تكون دون ثمن، لكنه تجاهل الجميع دون استثاء، وتجاهل أيضاً أهم المطالب والشروط القاضي بالإفراج عن كافة الأسرى والمعتقلين، لكن وبفضل الخبرات التفاوضية النادرة للجنرال المتمصلح دحلان وجولاته المتكررة مع موفاز وفاسيغلاس، لم يطلق سراح أسير واحد قبل الإجتماع وترك الأمر برمته للإحتلال ليقرر الوقت والزمان والمعايير لإطلاق الأسرى والمعتقلين الذين لن يتجاوز عددهم المئات ممن تبقى لهم أسابيع محدودة من محكومياتهم، علماً بأن الإحتلال اعتقل منذ تسلم عبّاس أمور سلطة أوسلو أكثر ممن ينوي إطلاق سراحهم، والأهم أن مهارات دحلان الفذة أوصلته لإتفاق يُحتجز بموجبه المفرج عنهم في معتقلات أكبر اسمها أريحا وبيت لحم وهو ما رفضته جميع الفصائل دون استثناء، وبقي أن نتساءل هل الخبرة النادرة دحلان يفاوض باسمه أم نيابة عن حركته أو نيابة عن سلطة أوسلو التي لا منصب له فيها؟

فلسطينياً خرج عبّاس من شرم الشيخ بأسوأ مما دخل، لكنه وعلى المستوى الشخصي نال مراده ومُناه وفتحت له أبواب العواصم العالمية لزيارتها، وانهالت عليها كلمات الثناء والمديح والإعجاب من كل حدب وصوب إلا من مكان واحد، فلسطين وشعب فلسطين، خاصة تلك الأقلية التي صوتت له وارتضته رئيساً لسلطة أوسلو، التي بدأت تستفيق من غيبوبتها لتواجه حقيقة مُرّة مفادُها أن "رئيسها" الهمام كان في شرم الشيخ طوق النجاة لشارون و"مفتاحه" للعواصم العربية المنتظرة على أحر من الجمر!

نعم نجح عبّاس شارونياً، لكنه سقط سقطة مدوية فلسطينياً سمع صداها في كافة أنحاء الوطن المحتل، ومع ذلك لا زالت نفس الأصوات تقول "أعطوه فرصة"، وهو ما طلبه تحديداً وبنفسه من شارون قائلاً "إنني رئيس منذ أسابيع فقط وأحتاج لمزيد من الوقت"، نعم الرئيس رئيس أوسلو ونعم المفاوض دحلان!

ترى ما هي خطوة الفريق المتكامل عبّاس- دحلان القادمة؟ هل هي "تفكيك المنظمات الإرهابية" حسب المطلب الجديد والأول على القائمة؟ أو ربما إعلان وحدة إندماجية بين "السلطة" والإحتلال بقيادة شريك الهنا شارون الذي سبق وأن وصفه عبّاس بعد إتفاق واي بلانتيشن في شهر 10 من عام 1998 ب" شارون الطيب الذي تغير ولم يعد ذلك الرجل الذي عرفناه في صبرا وشاتيلا " وأن " الرجل عادي وخارج المفاوضات يصبح أقرب إلى الفلاح منه إلى العسكري وأنه أي شارون :عبر عن تقديره للإنسان الفلسطيني"!

ترى من كان يمثل عبّاس في شرم الشيخ؟ الشعب المظلوم القابع تحت نير الإحتلال والذي لم يذكره عبّاس ولو بكلمة اللهم إلا وصفه بالعنف؟ أم كان يمثل المحتل وجيشه بزعامة شارون؟

د. إبراهيم حمامي

DrHamami@Hotmail.com

09-02-2005