لعـب عيـال!
بقلم : د. إبراهيم حمامي *

د. إبراهيم حمامي
بهذا العنوان خرجت عدة صحف ومواقع يوم 09/09/2004 (منها الشرق الأوسط والبيان والبوابة) ناقلة كلمات الرئيس المصري مبارك لكل من عرفات وقريع بعد ما كان بينهما من صراخ وسباب وعراك مخزي لا يليق بأخلاقيات شعبنا، بينما خرجت صحف أخرى بعناوين مثل "قريع حردان وعرفات زعلان" - القدس العربي 09/09/2004 - وغيرها من التعليقات والعبارات .

هذا الخلاف الذي وصف تارة بالشخصي وتارة بخلاف على الإصلاح وأخرى على إلغاء إجتماع الدول المانحة هو تكرار لمواقف سابقة عودتنا عليها أطراف وأركان سلطة أوسلو وكأنهم لا يعرفوا من أمثالنا إلا "كل ما دق الكوز بالجرة" يهدد أحدهم بالإستقالة أو يحرد في منزله، وهو ماحدث في شهر تموز/يوليو الماضي عقب أعمال الزعرنة من حرق وخطف وإشتباكات حرّكها دحلان، حيث لم يتبق أحد إلا وقدم إستقالته إحتجاجا ثم عاد عنها و على رأسهم قريع مع إستثناء واحد هو الرمز عرفات الذي لم يقدم أو يعرض إستقالته يوما ... ولن يفعل.

لم يقتصر الأمر هذه المرة على التلويح بالإستقالة أو الإستقالة شفهيا عبر وساطات رفضت إيصالها لعرفات مثل صائب عريقات وسلام فياض، ولم يتوقف الأمر على "إستقال..لم يستقل، عملها..ما عملها، سوّاها..ما سوّاها!" بل تعداه إلى الإستهتار بكل حدود اللياقة والمسؤولية ليعلن مقربون من قريع أنه قرر السفر إلى عمان لبضعة أيام للإستجمام والتفكير في موضوع الإستقالة!

صحيح أن وجوده من عدمه سواء فهو عبارة عن صورة أو فزاعة لا أكثر ولا أقل ولا يملك لا صلاحيات ولا سلطات ولا إمكانيات ولم يحقق شيئا رغم مرور أكثر من عام على توليه المنصب الوهمي، اللهم كلمات الإدانة والشجب عقب كل عملية أو مجزرة وكأنه حكم مباراة محايد بين فريقين أو معلق على أحداث ليس طرفا فيها، وهذا شيء طبيعي في ظل سلطة لاطعم لها ولا لون ولا رائحة رغم كل محاولات التلميع والتجميل البائسة ... كل هذا صحيح ولكن لنفترض أنه حقيقة رئيس للوزراء يمارس مهامه في دولة حقيقية، كيف له أن يترك ليستجم في وقت تمعن فيه آلة الإحتلال دمارا وقتلا وإفساد؟ وفي وقت تدعي فيه هذه السلطة أنها تستعد للإنتخابات؟ وبعد مجزرة بشعة في شجاعية غزة؟ كيف له أن يقف بعدها أمام أي مواطن ليقول أنا رئيس وزراء؟

المضحك في الأمر - والمبكي أحيانا- أنه بعد كل "خناقة" يتصل "الرموز" ببعضهم ويتم تبادل كلمات المديح والثناء و"يا دار ما دخلك شر" وهو ما حدث هذه المرة أيضا حيث ذكر مصدر مسؤول وعلى ذمة الصحف التي نشرت الخبر أن " الرئيس عرفات إتصل بعد المشادة الكلامية هاتفيا بابو علاء، مخاطبا اياه بـ «اخوي وحبيبي ابو علاء» ورد عليه ابو علاء "سأبقى الى جوارك مدى الحياة. وانا معك دائما.. واذا اختلفنا فانت على صواب"، على حد قول المصدر!"

الكلمات المعسولة بعد كل مشادة ليست لسواد عيون هذا أو ذاك فالكل في مأزق فعرفات لن يجد بديلا لقريع إن هو أصر على إستقالته فلا أحد يرغب في هذا المنصب والقلة التي ترغب فيه كشعث لن يستطيعوا المرور من عقبة التشريعي الذي يطالب بالإصلاح في حين أن المتطوعين للمنصب غارقون في الفساد حتى قراقيط آذانهم. أما قريع فلو فقد هذا المنصب سيكون كمن "خرج من المولد بلا حمص" بعد أن فقد منصبه كرئيس للمجلس التشريعي، والكل يعمل على قاعدة "شيلني وأشيلك" حتى وإن ذبحوا بعضهم.

الإستقالة سواء حدثت أو لم تحدث لا أهمية لها فالمنصب في حد ذاته - كما هي باقي مناصب سلطة أوسلو من الرئيس الذي لا يستطيع الإنتقال من غرفة لأخرى إلا بإذن شارون وحتى أصغر وظيفة- هو منصب وهمي خداعي لا وجود له على أرض الواقع ولا مبرر لوجوده في ظل الإحتلال، و"المسؤولون" أو "الوزراء" لا شغل لهم ولا وظيفة إلا التصريحات والكلمات الرنانة أما على الأرض "سلامة تسلمك" وهو ما أصبح الشعب بأكمله يدركه بل ويواجهه كما حدث عندما هبت رفح بعد الإجتياح الأخير في وجه وزير من وزراء أوسلو وإحتجزته في أحد الخيام ليشعر بالمعاناة وكما قام أهالي بيت حانون بمنع الوزراء الثلاثة المبتعثين من عرفات من دخولها وكما طرد شعث من خيمة التضامن مع الأسرى الشهر الماضي.

لقد أصبحت كلمة وزير أو مسؤول من سلطة أوسلو تثير السخرية والإشمئزاز والسخط وما الأمثلة السابقة إلا دليل على أن الشعب الفلسطيني وصل إلى حد لا يستطيع معه تحمل هذه الممارسات وهي إشارة وإنذار مبّكر لمن أراد أن يتعظ.. ولكن هيهات.

الفشل هو عنوان سلطة أوسلو والعبثية شعارها والإستهتار عادتها، أما رموزها فقد أكل عليها الدهر وشرب وأصبحت مسلسلات الحرد والإستقالة مملة ومقيتة فلا التلويح بالإستقالة عاد يهم الشارع الفلسطيني ولا تغيير "الحكومة" ولا دعوات الإصلاح الملغومة لأنها كلام بل أفعال ولأن فاقد الشيء لا يعطيه، ورموز أوسلو - كلهم دون إستثناء- فقدوا كل شيء حتى أخلاقياتهم التي أصبحت على كل لسان وفي كل مجلس وبيت فها هو الرئيس يسب ورئيس وزرائه يرد عليه وكله من فئة الألفاظ النابية ولم يتبق لهم إلا "الكنادر والصرامي" - أجلكم الله- لينهال بها أحدهما على الآخر! أي مهزلة تلك وأي إبتلاء هذا؟

لم تعد المبررات تجد فعا ولا محاولات التبرير أو التلميع أو إيجاد الأعذار ولا يحتاج الموضوع للتوقف عنده أكثر من ذلك، فالحقيقة كنور الشمس لآ يستطيع أحد أن يحجبها - سلطة أوسلو في واد وباقي الشعب في واد آخر وأصبحت عبئا حقيقيا وثقيلا على كاهلنا يجب أن نستريح منه لأن الأمور أصبحت فعلا لعب عيال ومسخرة وقلة حياء!

د. إبراهيم حمامي
طبيب وناشط فلسطيني

لمراسلة د. إبراهيم حمامي

تاريخ النشر : 14:48 10.09.04