معركة الأمعاء و"سوبر ستار" الغناء !
بقلم : د. إبراهيم حمامي *

د. إبراهيم حمامي

أعلنت الطواريء ، أصدرت البيانات ، أرسلت الإشارات والرسائل عبر الجوال، توالت الإتصالات على أعلى مستويات، إمتلأت الساحات والميادين بالشاشات في أول أيام الإضراب العام لأسرانا الأبطال الصامدين في سجون الإحتلال ولكن .... ليس دعما لهم ونصرة لقضيتهم وتضامنا مع إضرابهم بل تأييدا ودعما للمقاتل الجديد الذي وصفه قائد مسيرتنا ورمزنا المقدام بأنه "مقاتل من طراز مختلف"! بعدها إستنفرت المؤسسات الرسمية على أعلى مستوى وبدأت التجهيزات إستعدادا ليوم الفخر والعزة يوم النصر المؤزر يوم الحصول على لقب "سوبر ستار العرب" الأسبوع القادم لنهزم جحافل الحاسدين من شعوب المنطقة ولنثبت أننا "شعب الجبارين" الذي لا يقهر حتى في الطبل والزمر ولنحتفل بالبطل الجديد المغوار فاتح البلاد والأمصار وقاهر روم العصر الحديث والتتار.

للوهلة الأولى ظننت أن ما نشر هو من باب الدعاية أو الدعابة الصحفية أو النقد اللاذع أو على أقل تقدير مبالغة لا أساس لها فاستقصيت الأمر وبحثت وإتصلت ليخيب ظني وأكتشف أن كل ما ذكر هو حقيقة ، نعم حقيقة مرة بتفاصيل أشد مرارة فمؤسسات سلطة أوسلو لم يعد لها هم أو عمل إلا الدعاية لبرنامج "السوبر ستار" والمتسابق فيه عمار حسن وصرف الأموال الطائلة من قوت هذا الشعب في وقت يبدأ فيه آلاف الأسرى والمعتقلين إضرابا عاما مفتوحا عن الطعام وفي وقت تستمر فيه آلة الإحتلال بالقتل والتشريد والتجريف والإبادة والتدمير في نابلس وجنين وطولكرم وبيت حانون ورفح وغيرها من مدن وقرى ومخيمات وطننا الحبيب .

قد يقول قائل : وما الخطأ أو العيب أن يقاوم شعبنا وفي نفس الوقت يفرح ويحتفل؟ ما المانع أن نعيش كباقي شعوب العالم لنحتفل ونحتفي؟ ألا نشيع الشهداء نهارا لنزف عرساننا ليلآ؟ بالتأكيد نعم وألف نعم ولكن هناك فرق بين ممارسة الإنسان حقه الطبيعي بالفرح والحياة والإبتهاج رغم المعاناة على صعيد فردي أو جماعي إجتماعي لأن الحياة لابد وأن تستمر، وبين أن يتبنى من يدعون المسؤولية عن هذا الشعب وبأنهم الزعماء والقادة والرموز الإحتفال والبهرجة والفرح في وقت يذبح فيه الشعب من الوريد للوريد ولتصرف وتبعثر الأموال يمنة ويسرة بلا رقيب أوحسيب دون أي فائدة تذكر أو مصلحة تتحقق مهما صغرت .

من هذا المنطلق بأحقية الفرد في الحياة والفرح وبشكل فردي مجرد وبغض النظر عن رأيي الشخصي قد أجد لعمار حسن العذر إن كان طموحه وحلمه في الحياة هو أن يصبح مغني أو مطرب مشهور، لا يهم فهذا شأنه وكذلك ليدعو له من يشاء بالتوفيق والفوز وليتصل من يشاء ويصوت له وليفرح من يشاء بنصره في "السوبر ستار" ولكن أن تتحول المؤسسات الرسمية إلى أبواق دعاية بأموال الشعب فهذا الذي لايمكن قبوله .

لا أتحدث هنا عن إجراءات أو حملات بسيطة أو إستثنائية بل حملة منظمة تشبه الحشد والإستنفار الكامل يكاد أن يكون إعلان حالة طواريء "فنية" وأستعرض هنا بعضا من هذه المظاهر المستهجنة :

  • شركة الإتصالات الفلسطينية وشركة جوال ترسل آلاف الرسائل القصيرة على جوالات المواطنين تدعوهم للتصويت لعمار حسن وتعلن خفض تسعيرة المكالمة لدعم هذا التصويت!! للمعلومة فقط فإن تكلفة الإتصال من جوال لجوال هي 30 أغورة أما التصويت لبرنامج "سوبر ستار" فهي 3 شيكل! ترى من المستفيد من التلاعب بمشاعر الناس للتكسب من وراء إتصالاتها ؟
  • وزارة الثقافة الفلسطينية -والنعم- تصدر بيانا رسميا " ناشدت فيه الجمهور والمؤسسات دعم الفنان عمار حسن.. الذي يمثل نمطا ملتزما من الفن بحسب تعبير البيان. (القدس العربي 16/8/2004) .
  • وزارة الثقافة أيضا تعلن : انه سيصار إلي وضع شــاشات كبيرة في ساحة الجندي المجهول في مدينة غزة وغيرها من مناطق السلطة الفلسطينية ليتسني لجماهير الشعب الفلسطيني متابعة الحلقتين الأخيرتين من البرنامج والتي سيفرز خلالها سوبر ستار العرب. كما وضعت شاشات ضخمة في شارع ركب في رام الله وساحة المهد في بيت لحم لنقل فعاليات إضراب السجناء ... عفوا التصويت في برنامج "سوبر ستار" .
  • شركة الإتصالات الفلسطينية وجوال ووزارة الثقافة تنشر إعلانات في الصحف المحلية -يعلم الله كم كانت كلفتها- تطالب الجماهير نصرة المضربين عن الطعام في سجون الإحتلال ... عفوا مرة أخرى أقصد عمار حسن .
  • شركة جوال بالإشتراك مع مسرح وسينما القصبة تنظم حفلا فنيا حاشدا لتأييد ودعم أسرانا - بل- عمار حسن .
  • تلفزيون فلسطين ينضم هو الآخر لحملة التضامن مع الأسرى ... للمرة الثالثة أعتذر - التضامن والتصويت لعمار حسن .
  • رجال أعمال وأصحاب شركات تجارية يستجيبوا لنداء الواجب ويعانوا الولاء والدعم التام لأمل الشعب عمار حسن .
  • سلطان أبو العينين - ممثل عرفات في لبنان- يمنح عمار حسن درع الرئيس أثناء زيارة الأخير لمخيم عين الحلوة.
  • أما خبر الموسم فكان إتصال الرمز والفنان الفلسطيني الأول سيادة الرئيس ياسر عرفات بإبن فلسطين البار عمار حسن وكذلك بالمسؤولين عن البرنامج ليعلن عن دعمه المطلق وتأييده لمن وصفه "مقاتل من طراز مختلف". هذا التدخل الذي جعل بعض مذيعي ومقدمي البرنامج يستهزأون بالقضية الفلسطينية وبمقاومة الشعب للجدار لنصبح مضغة تلوكها الألسن فقد نشرت صحيفة الوطن بتاريخ 12/8/2004 ما يلي : "الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات يتصل بالبرنامج والمسؤولين عن البرنامج وبالمشارك عمار حسن (فلسطيني) ويدعمه بكل قوة وحسب المعلومات التي ترددت فإنه يريد ان يفرح الشعب الفلسطيني ويقدم هدية لهذا الشعب الذي يعاني مرارة الاحتلال، وفوز عمار حسن هو الهدية المنتظرة من الرئيس لشعب فلسطين على حد قوله .
  • عضو لجنة التحكيم فادية طنب الحاج قالت للمشارك عمار حسن على الهواء مباشرة «عادة يكون الفن في خدمة القضايا ولكن ما نراه الان اصبحت القضية الفلسطينية في خدمة الفن في اشارة الى تدخل الرئيس عرفات في الموضوع. اما الفنان الياس الرحباني في الحلقة نفسها فقد علق على الموضوع قائلا لعمار «صوتك قوي جدا ويخترق الاجواء ويمكن ايضا ان يخترق الجدار» في اسقاط سياسي واضح"

    الطامة الكبرى أن كل هذه الحملة تزامنت تحديدا مع إضراب الأسرى الأبطال عن الطعام في تزامن غريب عجيب إلا على سلطة أوسلو التي عودتنا دائما أن آخر ما يهمها هو القضايا المصيرية ومصالح الشعب، فمقابل كل ما سبق نجد التحرك لدعم الأسرى هزيل ويكاد يكون معدوما على المستوى الرسمي لسلطة أوسلو :

  • لم يعلن أي مسؤول من سلطة أوسلو الإضراب عن الطعام تضامنا مع الأسرى
  • قريع يصدر بيانا أشبه ما يكون بقرارات حكم مباراة محايد يحمل فيه الإحتلال مسؤولية تدهور الأوضاع في السجون والمعتقلات - إضافة جد هامة يشكر عليها- وكذلك يمنع الفطائر والمشروبات في إجتماعات "الحكومة" - يعطيه ألف عافية ما قصر.
  • التشريعي يصدر البيانات الرنانة من عيار 500 ملم لدعم الأسرى.
  • عرفات يعلن خلال لقائه مع الأطفال المشاركين في مهرجان الطائرات الورقية (من تنظيم وزارة السياحة والآثار والتوجيه السياسي!) أنه سيضرب عن الطعام يوم 18/8/2004 (وكالة وفا 16/8/2004)
  • عباس زكي يعلن أن عرفات سيلقي خطابا هاما للشعب يوم 18/8/2004 يعلن فيه إضرابه عن الطعام لأنه يعتبر نفسه أسيرا في مقر المقاطعة! الإضراب سيكون وبالمناسبة لمدة يوم واحد ولكن هل يحتاج ذلك لخطاب ودعاية وبهرجة إعلامية أم هي سياسة سرقة الأضواء المعتادة ؟
  • لم تنشر المؤسسات الرسمية إعلانات بألوف الدولارات ولم تخفض رسوم الإتصالات حتى يتسنى لأهالي الأسرى والمعتقلين الإتصال بأبنائهم على غرار الإتصال ببرنامج "سوبر ستار" .
  • لم تعلن أية وزارة برامج محددة لفعاليات أو إستعدادات لنصرة الأسرى المضربين أسوة بتجهيزات وزارة الثقافة حال فوز عمار .
  • لم يتصل عرفات أو غيره بأي أسير أو معتقل ليعلن وقوفه معه !
  • لم أتوقع يوما ولا أتوقع من رموز سلطة أوسلو غير ما فعلوا لأنهم إنسلخوا عن الشعب ونبضه وهمومه وأصبحت مصالحهم الشخصية وتحقيق الكسب والشهرة وإستغلال الأحداث حتى ولو كانت برنامج "سوبر ستار" من أهم أولوياتهم.

    أما أسرانا الأبطال فلهم ألف ألف تحية ولهم منا العهد والوفاء أن يبقوا في قلوبنا ووجداننا حتى تتحقق لهم الحرية والإنعتاق، وتحية أيضا لمن إرتقى لمستوى معركة الأمعاء من أمثال الشيخ تيسير رجب التميمي ، قاضي قضاة فلسطين و الأب الدكتور عطا الله حنا الناطق الرسمي باسم الكنيسة الأرثوذكسية في القدس و الديار المقدّسة الذين إنضما إلى المضربين عن الطعام في خيمة الاعتصام بمركز بلدنا الثقافي وسط محافظة رام الله وكذلك أمثال المواطن أحمد الديك الأب لأربعة أسرى وحفيدين والبالغ من العمر 71 عاما، كل هؤلاء أعلنوا إلتزامهم بشروط إضراب الأسرى وليس ليوم واحد كما رموز السلطة.

    كذلك التحية للمعتقلين في سجون ومعتقلات سلطة أوسلو وعلى رأسهم الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أحمد سعدات والذين إنضموا بدورهم للإضراب العام ليصبح إضرابا ضد سجون الإحتلال ومعتقلات سلطة أوسلو سواءا بسواء.

    أسرانا الأبطال قرروا خوض معركة الأمعاء بالجوع والإعياء باسم المناضلين والشرفاء ونيابة عن البسطاء ليبقوا كما عودونا عظماء في وجه الظلم والقمع أقوياء ... أما سلطة أوسلو من الضعفاء الذين يدعون القيادة والزعامة وهم أدعياء فلا هم لهم إلا الطبل والزمر والغناء ودعم البرامج والتصويت بغباء على حساب الضعفاء ومن قوت الفقراء فإننا نعلن منهم البراء دون أسف ولا بكاء لتبقى فلسطين لنا إنتماء ولنحقق يوما الحرية والرخاء بسواعد المناضلين الشرفاء وبعيدا عن السفهاء.

    د. إبراهيم حمامي
    طبيب وناشط فلسطيني

    لمراسلة د. إبراهيم حمامي

    تاريخ النشر : 23:57 17.08.04