السيرك الفلسطيني
بقلم : د.إبراهيم حمامي

د. إبراهيم حمامي

ما يجري على الساحة الفلسطينية ذكرني بمشاهد السيرك، رغم انني لم أحضر سيركا على الأرض من قبل لكني شاهدت بعض العروض من هنا وهناك على الشاشة الصغيرة ، لكن ما يجري يختلف كونه عرض حي ومتواصل ليل نهار وبلاعبين وعارضين معروفين، وبعروض قديمة جديدة، وحيل مكشوفة للجميع، ومع ذلك تحظى بالتصفيق والتهليل خاصة من الأطراف الأخرى، وما أكثرها.

عروض السيرك الفلسطيني الجديدة بدأت منذ مدة وتصاعدت وتيرتها مع الإعلان عن موعد الإنتخابات في التاسع من شهر يناير/كانون الثاني 2005، وحت لا أطيل في التقديم، هذه هي عروض سيركنا الفلسطيني:

  • الحملة الإعلانية للسيرك بدأت بتصريحات المقربين من المرشح الأوحد وحشد الدعم والتأييد له وإعتباره الخيار الوحيد وصاحب العرض الأفضل، من خلال حملة منظمة شارك فيها العديد من الوجوه/العارضين الذين خرجوا من جحورهم بعد غياب طويل، لتمتد الحملة الدعائية وتشمل العواصم العربية والدولية، فالسيرك هذه المرة مميز.

  •     ما أن أعلن عن اللاعب والعارض الرئيسي في سيرك الإنتخابات حتى بدأ بعرضه الأول بقفزات بهلوانية طويلة المدى بتصريحات وقرارات من نوع وقف التحريض والوعد بوقف الإنتفاضة والتفاوض على حق العودة، مع شبكة دعم دولية تحميه إن سقط في إحدى هذه القفزات البهلوانية، وتتلقفه حفاظا عليه من أي مكروه طاريء لأهميته.

  •     أم الحاوي في هذا السيرك فهو أيضا المرشح الأوحد، فهو يحاول بالخداع اللفظي والصوتي وغيرها من ألاعيب الجلا جلا، مع شريكه الجديد شارون، في عرضهما السلمي، يحاول أن يظهر متمسكا متماسكا في وجه تحديات شريكه المتمثلة باللاءات التي أطلقها(لا للعودة، لا لإزالة المستوطنات ولا لتقسيم القدس)، والمتفق عليها من أجل إنجاح العرض، فيرد الحاوي الأوحد وبطريقة ساحرة سحرية أنه متمسك بالثوابت، لكن ينمق كلامه بشكل يفهم بأنه تمسك رغم أن ما قاله لا يعدوا كونه تمسك بالتفاوض ورفض لاءات شريكه من باب أنها مناقشة لأمور يجب أن تناقش في المرحلة النهائية، لكن وبألاعيب الحواة المهرة وذوي الخبرة يقنع الجوقة والأبواق الإعلامية أن ما عناه هو التمسك بالثوابت، إنه حاوي من الدرجة الأولى!

  •     فقرة المهرج من الفقرات الثابتة في السيرك السلطوي ولم يخلو أي عرض منها طوال العقود الأربعة الماضية، لكن لنحزر جميعا من هو المهرج هذه المرة، مفاجأة إنه أيضا المرشح الأوحد، الذي يصر على إضحاك الجميع علينا وأن يجعلنا مثارا للسخرية، معتذرا دون تفويض عن ذنوب وأفعال لم يقترفها شعبنا، بل كانت نتاج لممارسات زمرة الفساد والإفساد، ليزيد من محاولات ضحكه على الذقون ليعلن أن من أولوياته وقف فوضى السلاح، متناسيا عن عمد وبإبتسامة المهرج الفاشل أن الفوضى كانت ولا زالت من "زعرنات" من يتزعمهم ومن يروجون له الآن، وبمساندة مساعده الأمني الأنيق المصفف الشعر الذي قد يقرر تحريك الأمور "الأمنية" ليثبت أن رئيسه المهرج على حق في دعوته، رغم ما تثيره دعوته من ضحك – على الذقون.

  •     ترى من سيكون مروض الكائنات الأليفة في هذا العرض المميز؟ نعم إنه المرشح الأوحد، ومع الإعتذار عن التشبيه لأن الله سبحانه وتعالى كرم الإنسان عن باقي المخلوقات، لكن في السيرك الحقيقي تكون الكائنات المشاركة من النوع المحبوب القريب على القلب والتي عادة ما تعمل بصمت كالخيول ، وهو ما ينطبق على غالبية شعبنا من الطبقة الفقيرة والمتوسطة التي تعمل بجد وإجتهاد وصمت، والتي يحاول المروّض أن يسيّرها كما يشاء مسلوبة الإرادة والرأي، لتدور في حلقة وعوده الفارغة (التي ثبت كذبها على مدار سنوات أوسلو)، تماما كحلقة السيرك، ولتستجيب لحركاته وأوامره وليحصل على أصواتها في الإنتخابات.

  •     أما مروض السباع والأسود، أو كما يظن نفسه، فهو وياللعجب المرشح الأوحد، ولكن في هذا العرض يشاركه ويساعده خبراء كثر، من دول عدة، وبلغات شتى، وبخطط توضع تفاصيلها في الخارج، كيف لا وأسود وسباع شعبنا صعبة المراس ولا يمكن ترويضها، حتى لو حاول أمثال هذا المروّض الفاشل ومعه خبراء الأرض أن ينصبوا أسوارهم وأقفاصهم، كما هو الحال في السيرك، وحتى لو إستعملوا أسلحتهم من سياط ونيران، وحتى لو منعوا عن أسودنا وسباعنا الماء والغذاء، كما يفعل مروضوا السيرك، لأنه وببساطة سباع وأسود شعبنا ليسوا طرفا في سيرك وعروض المرشح الأوحد، لكنهم في ساحات الوغى للدفاع عن شرف أمة بأكملها.

  •     السيرك عادة ما يبلغ ذروته في الفقرة الرئيسية، التي تختلف من سيرك لآخر حسب اللاعبين، وهي هنا فقرة الإنتخابات الوهمية لسلطة لا سيادة لها، تحت حراب الإحتلال، يراد منها تشريع اللاشرعي وليكون بطلها الأوحد وعارضها الأوحد، ورئيسها الأوحد هو المرشح الأوحد، وفي هذه الفقرة يجمع كل لاعبي وعارضي السيرك في مشهد مثير يظهر وكأن الجميع أسرة واحدة، وهي هنا أسرة أو زمرة أوسلو ذات المصالح الشخصية المشتركة والبعيدة عن مصالح وهموم وحقوق الشعب.

  •     تحتاج الفقرة الأخيرة لإنجاحها لكثير من النظام والحراسة والمراقبة لمنع أي تشكيك بنزاهة العروض البهلوانية، التهريجية، الترويضية، الخداعية، ولهذا السبب وفي سيركنا الفلسطيني سيتم الإستعانة بمراقبين رسميين بالمئات من كل دول العالم، وربما الآلاف إذا أضفنا المراقبين المستقلين، حتى أن أحدهم تندر بقوله أنه في يوم الإنتخابات سيكون عدد المراقبين أكبر من عدد الناخبين.

  •     المراقبين هؤلاء سيظهروا في الفقرة الأخيرة فقط وفي المشهد الرئيسي، وبغض النظر عما جرى ويجري وراء الكواليس، وفي حالتنا لمدة لا تتجاوز 72 ساعة وهي الفترة التي ستنسحب فيها قوات الإحتلال، ليخرج هؤلاء جميعا بتقرير مطول جميل يؤكد أن سيركنا كان نظاميا وشرعيا، مطابقا لمعايير الإنتخابات الدولية، ديمقراطي وحر ونزيه، وقبل أن يسدل الستار يبدأ الجمهور المحلي والأجنبي بالتصفيق الحار والهتاف تأييدا لأبطال هذا السيرك، عفوا أعني بطلنا الأوحد صاحب كل العروض، ولينفض السيرك الديمقراطي بتتويج بطله رئيسا، وليعود كل إلى منزله في إنتظار السيرك والعرض القادم.

  • هذا هو سيركنا الإنتخابي الفلسطيني، من بطولة المرشح الأوحد ومساعديه، ومن تأليف وإخراج الكثيرون داخل وخارج الوطن، وبنصائح خبراء داخل وخارج الوطن!

    بقي شيء واحد هام في المعادلة السيركية، وهي أن الجمهور وحده يستطيع إنجاح أو إفشال السيرك بعروضه المصممة خصيصا على أيدي الخبراء، وهو الذي يدفع ثمن دخوله إلى الحلبة، وهو من يملك القرار الأول والأخير مهما عظمت الدعاية وفخّمت العروض، ومهما كان عدد المراقبين، ومهما كانت الوعود وألاعيب الجلا جلا، لأنه لن تكون هناك عروض أصلا بدون مشاهدين ومشاركين.

    هل نرضى أن نكون شهود زور على عروض كاذبة مخادعة تهريجية تجميلية للمرشح الأوحد ومن يقف معه ووراؤه، لنصفق ونهتف؟ أم نرفض أن نكون طرفا في التهريج، وألاعيب الحاوي، وحركات وقفزات البهلوان، ومحاولات المروّض؟

    هل يكون ثمن حضور العرض والمشاركة فيه تضحيات شعب مستمرة، وإنجازات تحققت؟

    العرض بدأ لكن الجمهور/الشعب لم يقرر بعد.

    لن أزيد!

    د. إبراهيم حمامي

    DrHamami@Hotmail.com

    18-12-2004