بل هي الخيانة العظمى....ولا أقل
بقلم : د. إبراهيم حمامي *

د. إبراهيم حمامي

في لقاء مع إحدى الصحف يوم 15/06/2004 صرح روحي فتوح رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني الحالي أن قضية الأسمنت هي قضية فساد بحت وليست قضية خيانة عظمى وأنها تعرضت للتهويل لأسباب سياسية مستسخفا ما يدور حولها من جدل معتبرا أنها مبالغة مقصودة).

نسي فتوح أو تناسى أن القضية برمتها أصبحت قضية رأي عام لمحاكمة رموز أوسلو في محاسبة مفتوحة فالمتورطين فيها يتربعون على رأس هرم أوسلو المتهالك من قريع إلى الطريفي إلى خالد سلام وشركاؤهم وصولا إلى عرفات نفسه الذي قام بخطوات مكشوفة لطي ملف هذه الجريمة بدءا ب"تطنيش" التقارير المرفوعة إليه والإيعاز بتغيير رئيس المجلس التشريعي السابق رفيق النتشة (الذي أمضى أشهرا معدودات في منصبه) لتشكيله لجنة لتقصي الحقائق وإخيرا ترقية صغار المتورطين إلى وكلاء وزارات مما يجعله شريكا أساسيا ومسؤولا مباشرا عما حدث ويحدث! هذه ليست إتهامات جوفاء أو تطاولا أو تجريحا كما يحلو للبعض تسميته فالشهود كثر وينطبق عليهم "وشهد شاهد من أهله":

حسن خريشة رئيس لجنة الرقابة في المجلس التشريعي أعلن على الملأ يوم 10/06/2004 أي بعد يوم واحد فقط من مداولات المجلس للقضية أن المجلس يتعرض لضغوطات قوية وتتم عرقلة أعماله بشكل مباشر من "القيادة" لإنهاء التحقيق في الموضوع وهو ما أكده أيضا نائب رئيس المجلس ناهض منير الريس في لقائه مع صحيفة البيان واصفا المتورطين ب"عصابات الفساد" وكان آخر من خرج عن صمته النائب عبد الجواد صالح الذي أقر بأنه طرد من مداولات المجلس داعيا الشعب للتمرد والخروج في مظاهرات سلمية لتغيير هذه السلطة (20/06/2004).

الموضوع الجريمة ليس قضية فساد فردية يمكن حلها في محكمة الصلح لكنها جريمة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، فإضافة لتدمير الإقتصاد الوطني بتفريغ الأسواق المحلية من مادة هو بأمس الحاجة لها لإعادة إعمار ما تهدم وإضافة للتهرب من دفع ملايين الدولارات كضرائب مستحقة كان من الممكن أن تساهم في الإعمار فإن المأساة تطال كل مواطن وكل فرد من الشعب وأقتبس هنا بعضا مما ذكره الكاتب سمير الدقران في مقاله عن "اللصوص" يوم 20/06/2004:

"نوضح للقارىء بعض من حجم المأساة من وراء هذه الصفقة وهو الأتي :-

1- تعطيل العمل في البناء أو توقفه تماما .
2- ضياع العديد من فرص العمل حيث ان الشعب الفلسطيني يعاني من تفشي البطالة
3- تخفيض معدل الواردات للخزانة العامة.
4- تقليل معدلات دوران الأموال وما ينتج عنه من تقليل معدل دخل الخزانة العامة.
5- تعطيل العديد من المرافق التي لها علاقة مباشرة بمواد البناء والغير مباشرة مثل تقليل حركة السير لعدم خروج العمال إلى أماكن عملهم وتوقف الآليات عن الحركة ويسبب ذلك بتقليل معدل استهلاك البترول الذي يعد من أهم موارد الخزانة العامة .
6- زيادة معدل الخلافات و القضايا أمام المحاكم وذلك بسبب التأخير في إنجاز العقود المبرمة بين أصحاب العمل والمقاولين وما يصحبها من شروط جزائية .
7- زيادة معدل الجريمة في المجتمع الفلسطيني" .................... (إنتهى الإقتباس)

أطرح هنا تساؤلا بسيطا: ماذا كان يطلق على المتاجر مع "الكامبات الإنجليزية" في مصر القرن الماضي؟ وماذا كان يطلق على كل من تعامل مع الإحتلال الفرنسي في الجزائر؟ أو من تعامل مع الألمان من الفرنسيين في الحرب العالمية الثانية ؟ سأترك لكم الإجابة... إلى حين.

ما يحدث في فلسطين أخطر من ذلك كله فهو جريمة بكل معنى الكلمة وهو إفساد وتدمير مدروس بكل المقاييس إذ كيف سيتنسنى لنا أن نقنع العالم بعدم مشروعية الجدار العنصري إذا كنا نساهم في بنائه؟ وكيف لنا أن نقلب الدنيا ولا نقعدها ضد المستوطنات ونحن نساهم في تشييدها ؟

لقد وصل المآل بأزلام أوسلو إلى الحضيض السياسي الذي لن يجد معه الإصلاح والتغيير نفعا.

الإجابة على ما سبق لاتكون بتقليد النعامة ودفن رؤسنا في التراب أو بالحرص على عدم تجاوز الخطوط التي رسمها أزلام أوسلو لنا فذلك تجريح وذاك تهجم شخصي وغيره خروجا عن الإجماع وشق للصف الوطني، كلمات أصبحت فارغة وبلا معني والوطن ينهب ويباع أمام أعين الجميع على طريقة "على عينك يا تاجر".

إجابتي هي التعريف الذي لايختلف عليه إثنان: كل من يساعد العدو/الإحتلال ويعمل ضد مصلحة شعبه لايمكن أن يحاسب بتهمة الفساد البحت كما أتحفنا روحي فتوح ومن وراؤه بل هي الخيانة العظمى.... ولا أقل.

* د. إبراهيم حمامي : طبيب وناشط فلسطيني
DrHamami@Hotmail.com
تاريخ النشر : 08:19 28.07.04