جاليتنا...أسرى الحرية والدراجات الهوائية
بقلم : د. إبراهيم حمامي *

د. إبراهيم حمامي

عنوان غريب، لكنه أول ما خطر ببالي يوم الجمعة 27/08/2004 عندما توجهت للمشاركة في إعتصام بمدينة لندن تضامنا ودعما لأسرى الحرية - أسرانا الأبطال الذين يخوضون معركة الأمعاء الخاوية ضد سلطات السجون القمعية- وكانت صدمتي عندما لم أجد سوى عشرات فقط، نعم عشرات نصفهم من البريطانيين المتعاطفين مع قضيتنا والنصف الآخر خليط من العرب والفلسطينيين أغلبهم من الشباب تحت سن العشرين.

حينها تذكرت وبغصة كبيرة وشعور ممزوج بالغضب والحنق التواجد والحضور المكثف للمشاركة في حملة إنطلاق مسيرة الدراجات الهوائية التي نظمها ناشطون أوروبيون دعما لـ "عملية السلام" في الشرق الأوسط تحت شعار The Peace Cycle قبل أسبوعين والتي كان حجم المشاركة الفلسطينية "الرسمية" فيها ملفتا للإنتباه ناهيك عن الجهد والوقت والمال المبذول في دعم تلك الحملة !

لن أسترسل طويلا في موضوع الدراجات الهوائية ولكن سأطرح مجموعة من التساؤلات التي أتمنى صادقا أن أجد لها جوابا شافيا وهي بالمناسبة مبنية على حقائق ووقائع وليست تهما أو إتهاما لشخص بعينه وإن كان من حق أي فرد من أبناء الجالية مساءلة من يدعون أنهم يمثلونهم :

  • أين كان أعضاء اللجنة التنفيذية لرابطة الجالية الفلسطينية بالمملكة المتحدة؟ وهي بالمناسبة من ضمن المؤسسات التي دعت للإعتصام يوم الجمعة 27/08/2004 وتخلف جميع أفرادها دون إستثناء، تخيلوا ولا حتى فرد واحد وهذا ليس إدعاء أو مبالغة بل حقيقة موثقة بالصوت والصورة. هذه الرابطة التي أخذ رئيسها - الذي تربطني به علاقة جيدة رغم الإختلاف في أسلوب العمل- على عاتقه دعم حملة مسيرة الدراجات الهوائية فطار إلى النمسا وإسبانيا وألمانيا لحشد الدعم لتلك الحملة وبذل جهد خارق وملحوظ وأنفق من ماله الخاص ووقته - وهو ما لايستطيع أحد إنكاره- في سبيل إنجاح الحملة وهو ما يجرني إلى السؤال التالي :

  • ما الذي إستفاده أبناء الجالية الفلسطينية في بريطانيا من تلك الحملة وما هو مردوده على أبناء شعبنا في الداخل؟ قد يأتي الرد أنها حملة إعلامية للتذكير بمعاناتنا، ولكن حتى الإعلام تغافل تماما عن ذكر أي دور للرابطة في الحملة اللهم إلا إسم رئيسها كأحد أعضاء اللجنة المشرفة على الحملة وبصفته الشخصية رغم إستخدامه بريد الرابطة الإلكتروني للإتصال. مرة أخرى هذا ليس إدعاء أو إتهام بل حقيقة واقعة وما عليكم إلا زيارة موقع الحملة الرسمي على للتأكد من ذلك.

  • لماذا قامت الرابطة بالدعوة للإعتصام مع المؤسسات الأخرى إن كانت غير مقتنعة بالنشاط أساسا وكانت النية مقاطعته؟ ما هو التفسير لهذه التصرفات المتناقضة ؟

  • أين كان "سفير دولة فلسطين" - الإسم الرسمي هو المفوض العام في المملكة المتحدة والفاتيكان- واقول سفير مجازا لأن هذا هو الإسم المفضل لدى الكثيرين، تماما كباقي أسماء سلطة أوسلو ومناصبها، ألا يوجد عندنا رئيس ورئيس وزراء وحكومة ولكن دون وجود دولة؟ على العموم أين سعادته عن هكذا نشاط؟ وإن كانت مشاغله لاتسمح فقد كان بالإمكان إرسال أحد مستشاريه السياسيين المعينيين لديه لينوب عنه! لماذا لم يشارك الأسرى صمودهم حتى ولو بالوقوف ساعتين من الزمن هي مدة الإعتصام وهو من ظهر على شاشات التلفزة مؤيدا وداعما ومهنئا دراجي حملة الدراجات الهوائية ؟

  • أين الموقف الرسمي "للسفارة"؟ - الإسم الرسمي بالمناسبة هو المفوضية الفلسطينية العامة في المملكة المتحدة ومكتب ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في الفاتيكان أي Palestinian General delegation to The UK and Office of Representation of the P.L.O to the Holy See - بعبارة أخرى لا توجد سفارة ولا هم يحزنون !

  • لماذا لم يصدر سعادة سفير دولة فلسطين بيانا عاما يوضح فيه معاناة الأسرى الأبطال داخل سجون ومعتقلات ومراكز الإحتلال؟ ألم يصدر سيادته بيانا صحفيا باللغة الإنجليزية يعلن فيه تأييده وضم إسمه وتوقيعه على بيان ال 70 الذي دعا لوأد الإنتفاضة وساوى بين الضحية والجلاد مختتما بعبارة Enough is enough بتاريخ 29/03/2004 ؟ أم أن معركة الأمعاء الخاوية ينطبق عليها نص البيان المذكور كنوع من العنف والعسكرة يستخدم فيه الأسرى الأمعاء وما بين الضلوع لمواجهة الدبابات والدروع ؟

  • أين هم من يدعون أنهم النخبة وخلاصة الشعب الصافية من الطبقة المخملية الفوقية التي لا نراها إلا في فنادق الخمس نجوم كدورشيستر وهوليداي إن وهيلتون وغيرها وفي مناسبات تناول الطعام وإحتساء الأقداح؟ أليست آخر مناسبة شارك فيها هؤلاء كانت يوم 25/06/2004 في فندق دورشيستر ؟

  • ألم يغب هؤلاء جميعا عن كل مناسبات شعبنا وقضاياه لشهور طويلة؟ ماذا فعلوا يوم التضامن العالمي ضد الجدار العنصري في شهر شباط/فبراير الماضي أو في ذكرى يوم الأرض في شهر آذار/مارس أو بعد قرار محكمة العدل الدولية أو خلال إجتياح رفح ثم بيت حانون والآن لدعم الأسرى في معركتهم؟ تمر المناسبات والمآسي وتتكرر دون وجود لا من قريب ولا من بعيد لهؤلاء جميعا، فلا نسمع لهم صوتا ولا نراهم في أية نشاط!!

  • بالفعل هو أمر يثير الدهشة أحيانا والإشمئزاز أحياتا أخرى، آلاف الأسرى يخوضون معركة شريفة ونبيلة ويتهددهم الموت للحصول على أبسط حقوقهم المكفولة دوليا أما نحن فلنا أن نزاود وندعي الوطنية ولكن شريطة أن تكون أمام العدسات وفي المناسبات الإحتفالية الإحتفائية أما عندما يتعلق الأمر بمسألة مبدأ أو وقفة عز وفخار فالأمر فيه قولان!! ربما كان الإعتصام لدعم الأسرى لا يليق بمقام البعض لأنه للغوغاء فقط كما علق أحدهم يوما.

    لم أتوقع من هؤلاء الكثير فهم إمتداد طبيعي لسلطة أوسلو البغيضة وهمهم هو إرضاء من يقبع في رام الله وإثبات الولاء والطاعة بغض النظر عن هموم ومشاكل أبناء الجالية أو أبناء الشعب في فلسطيننا الحبيبة.

    رغم ذلك لابد أن أذكّر أن غالبية من شارك في الإعتصام من عرب وفلسطينيين كانوا شبابا ممن تربى وترعرع في الشتات لكنهم كانوا كالإعصار في هتافاتهم وتأييدهم لأهلهم الأسرى في سجون الإحتلال وهو ما يبقي الأمل في النفوس أن هؤلاء الذين لم يتلوثوا بفساد وإفساد أوسلو سيحملوا القضية في قلوبهم وعقولهم حتى وإن كانت فلسطين تبعد عنهم آلاف الأميال وهم بالفعل جيل المستقبل الذي سيبقى على العهد حتى التحرير والعودة وليؤكد أننا شعب واحد مهما فرقت بيننا المسافات. ومهما كانت الإدعاءات.

    أما من يدعون أنهم قادة الشعب ونخبته وممثليه فهنيئا لهم مناصبهم وحفلاتهم وعدسات الكاميرات ولكن عليهم أن يتذكروا دائما أن أحدا لن يذكرهم!

    للموضوع بقية...

    د. إبراهيم حمامي
    طبيب وناشط فلسطيني

    لمراسلة د. إبراهيم حمامي

    تاريخ النشر : 21:49 28.08.04