أتذكرين ليلة قالوا
فادي عاصلة ـ فلسطين

أتذكرين ليلة قالوا ...
أن عبد الرحمن مزق أوراقه
في طريق السوق ...
ومسح زجاج النوافذ بقصائده ...
ونعت كل الشعراء ... ؟
ضحكت بعض صبايا الحي ...
ولم يحاكيه انسان ...
حينما مزق جسده معلناً زوال الفواصل
بين القوافي والدم ...
أتذكرين ليلة قالوا ...
أن عبد الرحمن يحتضر ...
أحد في القرية لم يهتم ...
أتذكرين ليلة قالوا أن عبد الرحمن قد مات ...
بكت عليه كل أم
كيف لا تذكرين ؟
وكل منا قد صب قطرة من فنجان السم ...

للحب والثورة ...
لعيون الصبايا ...
ووحل الأزقة ...
وسنابل القمح في جبهة الفجر ...
وانحاء المنعطف على كتف الحزن ...
لعيون العمال المتعبة على صمت البراكين ...
لصراخ الاطفال الخارجة من نوافذ الفجر ...
للكراريس المركونة على حافة الندى ...
للأسواق العتيقة ...
للأغاني العتيقة ...
سكبت الكلمات كما الحزن في فنجان شاي ساخن ...
الآن نبحث عن نعناع القوافي
في الدمعة المحفورة على صمتنا ...
أخاف يا عبد الرحمن أن يبرد الشاي قبل ...
لا يا عبد الرحمن ...
أخاف من برودنا ...

عند تلك التلال التي تستجدي الشمس
كي تعود ...
حفرنا بعض القبور ...
للضمير المتبقي في صدورنا ...
فغمست بغداد أغنيتها الأخيرة بوحل العراق ...
وما انحنت ...
وبقيت السواقي ، الجبال ، الأناشيد ، الصباح ...
كل شيء حفر فوق مساحته العراق ...
من عينيك تبدأ الثورة ...
تصهر كل سلاسل الذل ...
وتمتزج بأصوات العابرين منفى الحلم
صوب الحقول عساهم يحصدون
خيرات صمتهم ...
فمن جد بعد الآن همد ...

تتصاعد أناشيد المناجل ...
مع مطارق العمال
الممزوجة بالعرق المتصبب كجروحنا ...
وأصوات الباعة المتجولين
تحمي بعض أوراقي من القنوط ...
ورائحة السوق العتيقة ...
تنبعث من جدران صدري مئات الحكايا ...
كلما انتفض لحن في ناي ...
وصرخ الحبر من أنين المحابر ...
أدوس فوق الجمر ...
وأزرع عيوني في السماء مكابر ...
فأرى الشهداء تبكي ...
وأرى على الأرض ضمائرنا أعقاب سجائر ...

الآن أعريكم
من الدعوات ، المسابح ، المنابر ...
من الصلوات الزائفة ...
ما فائدة الحج إن زاره مليار ؟
ما فائدة الحج ...
إن كان البيت الأبيض في زاوية الديار المقدسة ؟
ما فائدة الحج ...
إن كانت كل بلاد النفط
وكل بلاد الاسلام مدنسة ...

زرعت الكلمات ...
على رصيف إنتهائنا ...
لك دوي الرصاص في ليلنا ...
لك لغة المنافي على قبورنا ...
لك البصمات ، الذكريات ، البقايا ...
خلقت فينا الثورة ...
ورميناك في زاوية الأدب ...
فكنت صخراً في نبرة الجرف ...
وكنا في هدير النار عيدان حطب ...

أتذكرين ليلة قالوا ...
أن عبد الرحمن قد جائهم في الحلم ؟
يجر رداءاً أبيضاً ، ويحمل بعض القصائد
في إبريق الوضوء ...
أتذكرين ليلة قالوا ...
أن عبد الرحمن
يأتي كل مساء ...
يغمس يديه بتراب الجليل ...
ويدفن وجهه في السنابل ويمضي إلى حيث الغيوم ...
أتذكرين ليلة قالو أن عبد الرحمن ...
نجمة تتكأ على حافة الأفق
وتسهر في سمائنا ...
أتذكرين ...
ليلة قالو أن عبد الرحمن ما مات ...
بل خلق مرة أخرى في دمائنا ...

فادي عاصلة / عرابة / الجليل / فلسطين