حوار المعهد الدولي للترجمة مع الأديب د . فـاروق مواسـي

د . فـاروق مواسـي

هل من تعريف سريع بأديبنا الكريم؟

لأوفر عليكم صفحات من هذا الحوار، يمكنكم الرجوع إلى رابط موقعي المنشور في سيرتي الذاتية المرفقة حيث فيه سيرة مختصرة، وقائمة بمؤلفاتي.

ما هي مواهبك، وهل من هوايات لا زلتَ تمارسها حتى الآن؟

أهم هواية هي المطالعة واقتناء الكتب، وما أحبَّ الساعات التي أقضيها في مكتبتي بين آلاف العناوين، أخاطب المؤلفين ويخاطبونني، وأسمع أصواتهم وهم يحاورونني، أعاتبهم أحيانًا على قصور ما، وأندهش كثيرًا لغزارة معرفتهم، فأقول: يا بييّ! متى سأدرك ذلك؟ أما بعضهم فيعاتبني بسبب قصوري عن قراءة كتابه مثنى وثلاث ورباع.

الكتابة ليست هوايتي، بل هي قدري، وأكتب لأني مضطر أن أعبر عن مسألة أو صورة أو جمالية شفافة. وأدعو القارئ لأن يزور موقعي ليقرأ في الصفحة الأولى – لماذا أكتب؟

لكل مبدع تجربته الخاصة والمميزة فهل لنا أن نعرف ما هي ملامح هذه التجربة عندكم؟

أما تجربتي فانطلقت بعد قراءات ومتابعات، وكان النص الشعري أو النقدي ومنذ البدء فيه أناي )ذاتي ( أو ذوبها. كنت أقرأ وألخص ما أقرأ، ثم ما لبثت أن ألفيت نفسي قادرًا على الصولة والجولة ، فأحسست بأن لدي ما أضيف.

ولعل ما شجعني أنني وجدت الناس اتباعًا للمألوف، فإذا قالوا "طه حسين" رددوا كالببغاوات "طه حسين"، وعندها أجد رفضًا حادًا لمجرد معارضته، أو حتى بسبب إبداء رأي مستقل فيه، فمن أنت حتى تنتقد هذا العَلم أو ذاك؟ ثمة خانات محظور عليك أن تمس بها....

ومضت الأيام، فكنت إذا قرأت نصًا لي جديدًا حاول أصدقائي من المتأدبين أن ينزلوه إلى الدرك الأسفل من النقد، فما كان مني بعد أن ثبطوا من عزيمتي، إلا أن قرأت لهم نصًا على أنه للسيد يحيى بن يحيى الليثي (اخترعت هذا الاسم)، وقلت لهم إنه شاعر صوفي راق لي، وقد عاش في العصر العباسي، فكان رد فعلهم إعجاب منقطع النظير، بل أخذ أحدهم ينسخ القصيدة ليحفظها .... فاستأذنت منه، وأخذت ورقته لأثبت اسمي على النص، وقلت له: هذا من شعري ..... فبهت الذي كفر بي. وكنت أشارك في المسابقات الإذاعية التي كانت مثار تنافس ومجالاً أظهر فيه قدرتي، وكانت هذه في مواضيع أدبية مختلفة، وغالبًا ما كنت أفوز، بل كنت أفوز.

قصيدتي الأولى كتبتها مخاطبًا المتنبي، وقد تأثرت به كثيرًا لكثرة ما أحفظ له (لا أقل من ألف بيت، ربما بسبب مسابقة كانت عنه):

يا  أبا  الطيب  أنصتْ      روحك الصغرى تغني
إن  يكن  مجدي سماء      أنت رب  منك  فنـي
لن يكون الشعر شعرًا       دون أن  يرقى  بفـن
إن  شعري  مسكراتٌ       من  دنان الخمر  دنّي
شعبنا  حي   عريـق        ثورة   لم   تستكـنِّ
حب  أوطاني   عظيم        في هواها  لا  تلمني

وجدير بالذكر أن لدي دفتر شعر أسميته "أشعار ليست للنشر" (المكنونات)، وفيها الكثير الكثير من الغزل وبعضه فاحش، ومن السياسة، وبعضه يحبسني مباشرة. وأغلبه ليس بمستوى الشعر الذي أدعو له من حيث المستوى الفني ، فليبق مكنونًا في حياتي.

ما هي الكتب التي تجذبك وتطالعها غالبًا؟

كتب اللغة، وكتب النقد الأدبي، وأشعار هنا وهناك تروق لي، فأنا يجذبني النص لا صاحبه، ويمكن أن تذهلني قصيدة لكمال السبتي مثلاً ولا أرى في قصائد معينة لأدونيس أثرًا في نفسي؛ باختصار: أنا مستقل في فكري وفي آرائي، فلو قال مليون واحد إن متشائل إميل حبيبي رواية لتحصنت برأيي، وقلت: هي ليست رواية وإنما نص جميل. ولي آراء في "عمالقة" الأدب واحدًا واحدًا، وليس لدي قدسية لأحد، وما أكثر ما آخذ على إدوار سعيد مثلاً، بيد أنهم يعدون له ملفًا تلو الملف. من هنا فإن الكتاب الجدد المتميزين يعرفونني بتشجيعي لهم كتابة وتعريفًا وتقديمًا (لاحظ: مؤلفاتي في موقعي الخاص، وانظر كم عرّفت وأحببت من الأدب الجديد الواعد!)

هل لديكم مشاريع مستقبلية وهل يمكن للمترجم أن يتقاعد؟

ما أكثر ما أنوي إصداره:

  • مجموعة أبحاث ودراسات،
  • مجموعة مقالات بعنوان ( تمرة وجمرة ) وهي ناجزة للطباعة،
  • مجموعة شعرية مترجمة للعبرية وربما تكون مشتركة مع الإنجليزية،
  • المجلدان الأول والثاني لأعمالي الشعرية الكاملة (قريبًا جدًا، وسيُعرض في معرض فرانكفورت – كما أخبرني الناشر)،
  • *قصائد لشعراء عبريين من ترجمتي بعد اختياري ....وووو

القسم الثاني من السؤال منقطع عن قسمه الأول: وأجيب، عافيتي تحدد توجهي وحماستي واستمراري وابتكاراتي المتواصلة، ونشاطي المعهود، ولكن .... ثمة من يعطي هذه العافية، فله الحمد أولاً وقبلاً.

ما هو تعريفُكَ للمترجِم؟

هو الذي يسبر غور النص الأول فيعايشه، فيحب المترجم أن ينقله للآخر، لعل فيه فائدة له أو تعريفًا بما يحب هذا المترجم أن يرسله، أو أداء وظيفي يحاول أن ينقل نصًا من غير إخلال، حيث أن المترجم يعرف في قرارة نفسه أن الإبداع في الترجمة فن يجب عليه أن يستحصله حتى يُعجِب ويُرضي، وهي قدرة ومهارة وتذوق معًا.

هل تعتقد أن المبدعين العرب من أمثالك قد نالوا حقهم من الأضواء أو الانتشار؟ ولماذا؟

الله وكيلك، لا !!
والسبب أننا حُجبنا بظهور أسماء "عمالقة"، فمن فاروق مواسي؟ ومن فلان هذا. حتى يتطاول عليهم؟!!

وعزائي لنفسي أنني لا أقرأ لكثير منهم خمس جمل بدون أخطاء في اللغة، ومن يخطئ في اللغة دون معرفة أولا بأصولها فهو لا يعني شيئًا في حسابي المرصود للغة الفصيحة، ويمكن أن أقرأ شعره -مثلاً- وكأنه مكتوب بالعامية، وأنا أحب أن أقرأ شعر العامية كذلك، فأحب جمالية النص برغم ذلك أو معها !!!

وعزائي ثانية أنه لا يصح إلا الصحيح، والأمور بخواتيمها.

هل من الضروري تعليم المترجم وتدريبه على أن يكون حياديًا في الترجمة؟

نعم، فالترجمة أمانة لا خيانة، ولا بد أن نعلم أوليات الترجمة، ولا بد من دورات مكثفة، وجهد، ومتابعة، فالتعلم يتم فقط بالمتابعة والتمرس. والترجمة مسؤولية، وقد تكون كلمة ذات مفعول سحري أو مفعول غضَبيّ، فقد ترجمت ذات مرة كلمة إلى العبرية، ولم أُوفق في اختيار الكلمة العبرية الدقيقة، فكاد أن يقع خلاف في الجلسة، لولا أنني تداركت نفسي، فصححت خطئي، وبفضل الكلمة التي "شرفت" في اللحظة الحرجة - بقيت الجلسة مفتوحة.

وأذكر أنني كنت أضيف تفسيرًا ما بسبب حماستي لموقف فلسطيني مثلاُ، حتى لاحظ أحد الإسرائيليين ذلك، فقال: هذا رأيك أم رأيهم؟؟!! كنت تود أن يقولوا ذلك!!!!
الحيادية أمانة، ولكن هل هذي تتيسر دائمًا؟؟!! (أنا) الإنسان متواصلة مع تجليات نصوصه، واللبيب اللبيب من كبح جماح هواه، وظل إلى الموضوعية أقرب.

مَن في رأيك مهمته أصعب: المترجم الفوري (الترجمان) أم المترجم التحريري؟

الفورية أصعب، فأنت ملزم بمتابعة جمل هذا الذي يطيل عليك، (في تجربتي القليلة هنا كنت أطلب منه أن يتوقف حتى أستوعب، لأنني أحيانًا أسرح، وخاصة إذا لم يعجبني المتحدث)، ثم أنت مراقَب لغويًا ، خاصة وأنت تدعو ليل نهار إلى الحفاظ على اللغة.
في التحريري ثمة تنقيح ومراجعة ومساءلة لصاحب النص هاتفيًا -إذا أمكن-، وكثيرًا ما فعلت ذلك -من باب- قال بلى، ولكن، ليطمئن قلبي.

هل تعتقد أن اللهجات العامية واللغات الأجنبية في الإعلام والإعلان والإشهار تشكّل خطرًا على اللغة العربية؟

إلى حد بعيد، وقد كنت أظن أن المشكلة هي لدى عربنا في الجليل والمثلث الذين يطبعون لافتاتهم بالعبرية الفصحى، ولكني وجدت العواصم العربية التي أتيحت لي زيارتها لا أقل كرمًا منا في التخلي عن عربيتها، ثم، أليس هناك خطر حقيقي على عربيتنا ما دامت الرسائل للمسؤولين، وللجامعات، وللمؤسسات ليست باللغة العربية، وإذا كانت بالعربية فهي ليست الية من اللحن والهمزات العجيبة .... أم تراني أغالي؟؟؟ أؤكد لكم أننا نكتب في الداخل بالعبرية أكثر من لغتنا، وفي المغرب العربي بالفرنسية، وفي ...بالإنجليزية، ونحن لا نكاد نذكر لواء آخر - بلغة تُفرض عليه فرضًا هذه المرة.
إلى متى سيبقى تأليف المعجم العربي عملاً فرديًا في حين أصبحنا اليوم نعرف أن التأليف المعجمي صار صناعة تعتمد على فرق في الجمع والمتابعة والمراجعة والتنقيح والتجديد؟

حتى تكون ميزانيات مخصصة للدارسين؛ فأعطني ميزانيات أعطك برامج!!! والعمل الجماعي يظل أفضل حتى لو تحفظت بعد قليل -فيما يلي-.

هل يمكن ترجمة الشعر -حصرًا- هل يمكن أن تحقق الترجمة نفس التأثير في الثقافة واللغة المترجم إليها؟

يقول المثل الإيطالي (الترجمة خيانة) – traditorre traditorre وأرجو أن أكون قد كتبت إملاءها صحيحًا- كما أملاها علي أستاذ إيطالي، وقد وضع على الحرف الأخير إشارة فوقية ليس السبيل إليها في حاسوبي، ولفظ جناسها أمامي. فقد قالوا ذلك، لأنهم يعرفون أن نقل التجربة تمامًا مستحيل، ولكن ما العمل؟ أنكتفي بنقل الحضارة الأوروأمريكية مثلا بتجلياتها العلمية، ونتخلى عن أدبياتها فـ (رائحة الجوز ولا عدمه) كما يقول المثل الفلسطيني.

ثم إننا معنيون أن يتعرفوا إلينا، فيدرسوا في أي فلك نحن نسبح، لأن اللقاء الثقافي لا مندوحة عنه، فهو يهيئ اللقاء الفكري، ويجعلنا نسبح مع موجة واحدة، وبالتالي نفسح أبوابًا إنسانية، ونفتح المؤصدة منها.

ترجمة الشعر هي الأصعب، لأن في الشعر رموزًا وأبعادًا وظلالاً للفظة، ولها معان مركزية ومعان هامشية، وتلبس الاستعارات حللاً فيها شفافية أحيانًا وفيها غموض أحيانًا، وفي كلتا الحالتين "يعلَق" المترجم.

ما رأيك بإنشاء الجمعية الدولية للمترجمين العرب؟

من يهتم بجمعية هنا أو جمعية هناك؟ - مع إجلالي لجهودكم - فالباحث عن مترجم يعرف لمن سيتوجه في الميدان الذي يخوضه، وما يهمه هو الكسب المادي المتاح من وراء هذه الترجمة، وما يهم المترجم هو أن يكسب مبلغًا معقولاً لقاء جهده، فهل الجمعية يمكنها أصلاً أن تحقق مبتغى هذا أو ذاك ؟؟؟ أم تستطيع الجمعية حفظ حقوق المترجم في عصر السرقات وأكل الحقوق؟؟!!

هل نطمع من أستاذنا بأن يحكي لنا عن موقف طريف قابله أثناء عمله كمترجم؟

ترجمتي هي قليلة، وتتركز في الشعر العبري، لكني أراجع ترجمات عن العبرية في ميادين مختلفة، فأفحص دقة الترجمة، وأنقح اللغة، ويظهر اسمي على أغلب الكتب الدراسية الصادرة لدينا – تلك التي تُرجمت عن العبرية. وثمة طرائف كثيرة تجابهني: فأحدهم يترجم عن العبرية (شجوياس محمود) بمعنى أن محمودًا جُنّد، فإذا بالمترجم يجعلها (بأن جويس محمود) -ربما بتأثير جيمس جويس- ظانًا أن الفعل هو اسم شخص. وقد ترجم أحدهمprehistoric وهي بالعبرية مأخوذة تمامًا بحرفيتها - التي تعني قبتأريخي فقال لا فُض فوه (بقرة تاريخية) لماذا؟ لأن (بارا) بالعبرية تعني بقرة.

ومن البلاء أن بعضهم يترجم الكنايات حرفيًا فـ "صدره واسع" مثلا تصبح معنى حرفيًا لقياس الصدر، و"يده طويلة" مثلها، وكذلك "قلبه أبيض" و "لسانه قصير" ومثل ذلك كثير، وخاصة في الأمثال التي يحتاج المترجم إلى بحث عن مثل مطابق في اللغة التي ينقل إليها، لا أن يُترجم ترجمة حرفية.

ومن المترجمين من لا يتروى، فيعرف هل المقصود في (ذكر) مثلا هو المذكر، أم عضو التذكير، أم مجرد ذكر الشيء وعدم نسيانه، أم أنه فعل أمر يطالب بالتذكير، أم أنه طقس من طقوس الصوفية، ومنهم من لا يفحص معنى الكلمة فـ ( عسعس الليل ) هي في ترجمته طال، والموشح هو (البالاد) و (بريّتي) هي بئري و (المعلّقات) هي التي كانت معلقة ربما بحبال أو مرتبطات بسبب من الأسباب ....وقد جمعت مئات من هذي الأخطاء.

هل ترجمت لك أشعار ؟ من ترجمها :؟

نعم، لي ديوان بالعبرية بعنوان (الأحزان التي لم تُفهم)، وقد ترجمت أشعاري أولاً بنفسي، لكني عندما أطلعت أحد الأدباء العبريين ممن يتقنون اللغتين رفض ترجمتي، واقترح علي أن يقوم هو بالترجمة لقاء مبلغ زهيد، فوافقت، وليتني لم أفعل -ليس بسبب المبلغ- بل لأنه كان يبتعد عن المعنى الأصلي بسبب قصوره عن معناه، فمثلا:

طار طير نحو أيك
نحو مغنى
ليس يفنى

فقد أردت من وراء كلمة (مغنى) وطن، منازل بدليل قول الشاعر:
مغاني الشعب طيبًا بالمغاني كمنزلة الربيع من الزمان
فجاء المترجم (واسمه روجيه تابور) وجعلها بمعنى الغناء (فأين السارح من الرائح ؟؟؟)

وقس على ذلك الكثير، وعذرًا يا روجيه على هذه الفضيحة!

ما هي المشكلة الأولى التي تجابه المترجم إلى العربية ؟

اللغة، فاللغات الأخرى الحية تتجدد وتتفاعل وتتقبل كلمات وتعابير كما هي من لغات عالمية وغير عالمية، دون أن يطرف لها جفن. أما نحن فنتردد، ونركن إلى مجامع لغوية تسوّق لنا أكثر من لفظة للمصطلح الواحد، فتضيع هذي كلها في معمعة التنافس مع التعبير الأجنبي، وتبقى (فيديو) أقوى من كل بديل، ويحار المترجم مع تعابير مثل (مودولاري)، (موروتوريوم)، رومانتي (حتى الخلاف يكون في كتابتها: رومانسي، رومانطيقي، رومانتيكي ...) وقس على ذلك الكثير الكثير!!

وهل ثمة إمكانية حقًا لتوحيد أي مصطلح ؟

لا أظن. نقطة!

ومن يشك فليسأل مصطلح (التضمين) كم يشمل من معانٍ؟ فهو نقل حرف جر إلى آخر، وهو الجريان في الشعر (وبعضهم يسميه التتميم)، وهو الاقتباس من الشعر والنصوص، وهو ... هل أتابع؟

نحن بحاجة إلى احترام أنفسنا أولا، فنحترم لغتنا ثانيًا، فنحترم لغويينا ودارسينا ثالثًا، فنحترم جهودهم رابعًا، فنتبناهم وكأنهم جزء لا يتجزّا منا، ولا يجري ذلك إلا بعد أن يتحلى كل منا بالحديث الشريف "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" وأضيف: "وعن لغته" - التي هي هويته، ومعنى وجوده.

ألديك محاولات لابتكار ترجمات ، وأنت عضو مجمع اللغة العربية في حيفا؟

نعم، ومن ترجماتي لمن همspecial care pupils المُستَرعَــون - أي الذين يحتاجون إلى رعاية منا، فالترجمة (معوّقون) هي حادة ولئيمة. وترجمتupdated مُحَـتَّـن (منحوتة من لفظتي: حتى الآن)، وقد نجحت، رغم أن بعض أصدقائي أحب أن يستأثرها لنفسه، فأضاف لامًا بدون ضرورة ذوقية حتى على أسلة اللسان، فقال: مُحـَتْـلَـن ، ومما "قهرني" أن واضع القاموس العبري الجديد استخدم الأخيرة .. ويا تعبي ...!!!

أما الأماكن التي أعمل بها والكتب التي أراجعها فتسوّق كلمتي، وهذا نصف عزاء.
ومن ترجماتي (مَشْرى) للمجمع التجاري، و(الموجِّه) للريموت كونترول، و(المَعْـشَـب) للمسطح الأخضر .. وغيرها مئات مما ابتكرته أو مما أدعو له من اقتراحات سُبقت فيها، وأعكف أنا والأستاذ جميل غنايم - وهو مترجم عن العبرية أثق به - على إصدار كتيب فيه ألفاظ مما لليس مثبتًا في المعاجم.

نرى أن لديك جرأة في وضع الكلمات وابتكار التعابير ، هل لذلك تأثر ما - مما سُبقت فيه ؟

نعم، فأنا معجب بجرأة منير البعلبكي منذ أن أخذت أفتح معجمه (المورد) في ترجمة التعابير الإنجليزية، فله ابتكارات أبدع فيها على غرار: (تحأرضي، بيمِهَـني، دو وعيي، الفوبنفسجي، سمرئيات، مدَوْلَـب ....إلخ) وجرأتي تأتت – كذلك - ربما بسبب ملاحظتي الدقيقة لتطور اللغة العبرية الدينامية بصورة تبعث على الإبهار، هذه العبرية لها تأثير في الشارع العربي في الداخل، فنجد مزجًا عجيبًا بين اللغتين في الجملة الواحدة، حتى سميتُ اللغة المستجدة بين ظهرانَينا (اللغة العِـرْبـِيّـة – أرجو قراءة مقالي عن هذي اللغة في مادة "من الأدب" في موقعي، فهناك أؤكد لكم أنكم ستستمتعون من المقال الساخر).

هل أصدر أعضاء المجمع لديكم بعض الترجمات أو المعاجم ؟

لم يصدر المجمع إلا أعمال مؤتمره الأول، ولكن الأعضاء فيه كانوا أعضاء اللجنة العليا لشؤون اللغة العربية، وهذه توقفت في زمن حكم الليكود، وقد أصدرت اللجنة العليا كراسين تحت عنوان (المنهل) ضما مئات التعابير واقتراحات لترجمتها من العبرية إلى العربية، فهنا تكمن المشكلة الكأداء، وهي التي تجابهنا، ففي كل يوم لديهم تعابير عبرية يسوّقونها، وتنجح غالبيتها، لأن لهم وزارة ثقافة واحدة، ومجمع لغوي واحد، وصحافة تتبنى قرارات هذا المجمع، ومدارس ومؤسسات تصل إليها هذه القرارات.

هل تظن أن المؤتمرات التي تعقد لتدارس الترجمة هي ذات جدوى ؟

أظن أنها مهمة جدًا، بحيث تكون هناك ورشات عمل، ومتابعات، وموازنات، فلو أحضرنا مثلا نصوص الترجمات الأربع (القط، عوض، جبرا، وعبد المقصود) لفصل من فصول هاملت -مثلا- سنجد أن جبرا (في رأيي، ومع أني أحبه) لم يكن دقيقًا، وإنما كان يحفز ذاته الشاعرة، فيحذف ويضيف.

بالمناسبة، لدي هواية نسيت أن أذكرها في مكانها أعلاه، وهي أنني أحب متابعة الترجمات الفورية والكتابية، فكم من مرة كنت أراقب المترجم عن الألمانية أو الإنجليزية أو العبرية، وأضع السماعة بشكل يفسح لي مجالاً لسماع الأصل -المتحدث من جهة، وأسمع من السماعة الترجمة من جهة أخرى، فأتعلم غالبًا، وأنقد أحيانًا. وهكذا فعلت مع هاملت بترجمة جبرا، وغير ذلك لا يعد.

ألديك موقف أو وجهة نظر أو آراء تتعلق بالترجمة وهي جُماع رأيك ؟
  • • أرى أن نقبل الألفاظ العلمية العالمية، وبدون فلسفة، فقد قبلنا قديمًا وحديثًا، فلنبق مورفولوجيا وأبستمولوجيا كما أبقينا كهرباء وفيتامين، وإذا أمكن أن نجد تخريجًا لـ (أيملت) فهو أفضل من "أرسلت رسالة بالبريد الألكتروني"، فأنا أقبل (إيميل) معتبرًا إياها مختصرة من الأحرف الأولى لـ ( إيصال معلومة يتسلمها المتلقي) وعلى ذكر الاختصارات -إننا بحاجة لها، فقد كانت في تراثنا بعض منها، ولكننا اليوم نرتدع عن صياغات جديدة، فذلك أشبه بالكفر.
  • • يعرف زملائي في اللجنة العليا أو في مجمع اللغة أنني أحب أن أختار أحيانًا بديلا من الدخيل، فأبحث عن كلمة ليس لها معنى منافس (مصيبتنا هي المشتركات، وتشاركنا لغات أخرى في العالم، لكن اللغة العلمية المحددة تأبى ذلك) فمثلا أحب أن نترجمvirtual استيهامي (أفضل من افتراضي أو وهمي أو عملي أو خيالي ....إلخ) فمن يستخدم (استيهام ؟) المأخوذة من وهم؟ فلماذا لا نتفق عليها فقط.

ومثل آخر ترجمةexperiment التي تتعلق بما يمر فيه الإنسان من تجارب شعورية متباينة، فهي تُترجم إلى: تجربة، اختبار، تجريب، وفي رأيي أن لفظة (عَيْشِــيَّة) لو اتفقنا عليها هي الأجزى، و(نعايش) كذا وكذا بدلاً من أن نمر في هذه التجربة، واللفظة الثانية مستخدمة بالطبع. وما أكثر ما لدي من اقتراحات، وكم أحب من القارئ أن يوافيني بما يقترحه إذا كان لديه بعض المصطلحات التي يرى أنها الأوفق!

  • وعندي أن المختص في مجاله هو أحق بوضع المصطلح ما دام يعرف العربية ويعرف اشتقاقاتها.
ماذا تنصح ؟ ماذا تضيف ؟

أود لو تكثر الترجمات عن العبرية، فبالله عليكم هل يجوز أن يمر بيالك أكبر شاعر عبري ويمر تشيرنخوفسكي وراحيل ووووو دون ترجمة جدية إلى العربية (بل ما الذي تُرجم؟ وهل كانت هناك مراجعة لأي كتاب صدرت ترجمته من قبل أن ينشر؟ هل هناك معاهد دراسات؟ مكاتب توثيق لما يصدر في إسرائيل؟

أم أبقى ساكتًا؟ فرحم الله من قال خيرًا فغنم أو سكت فسلم.

تاريخ النشر : 11.10.2004

الرئيسية
سيرة إجمالية
مراسلة
الموقع
صفحة الكاتب