كلام الناس عن الانتخابات

د. فايز صلاح أبو شمالة


        في مجالس الناس البسطاء، وفي الأزقة والشوارع والأسواق، وفي الحارات، وفي السيارات العامة، من يرخي أذناً مصغية، ويلتقط التعليقات البسيطة الساذجة البريئة، التي تتناول أهم حدث فلسطيني شغل بال الناس هذا الأسبوع، يكتشف أن بساطة التعليق عن نتائج الانتخابات تعكس عميق الدلالة، ودقة متابعة المتغيرات، وصدق تحليل الواقع، وتوحي بدراية جماهيرية واعية، وفطنة الإلمام بما يدور في دهاليز السياسية، هذه التعليقات عن نتائج الانتخابات تقدم درساً لمن أراد الاستفادة من التجربة، يقول الناس:

1- الذي فاز ليس حماس، وإنما فعل حماس الميداني، لاسيما الاستشهاديين الذين زرعوا دمهم في التراب، والذي سقط في الانتخابات ليس شباب فتح الميدانيين المثابرين المخلصين، الذين شاركوا شباب حماس لذة المقاومة، الذي سقط في الانتخابات هم قادة السلطة، من أعلى رتبة عسكرية كانت تتفرج على شعبنا في المواجهات، ولم تهتز نجمة على أكتافهم، إلى أدني رتبة الزمها القرار السياسي عدم المشاركة في المواجهات مع العدو.

2- لا داعي للانتخابات في خان يونس وغزة وجباليا والنصيرات، سلموها لحماس بالتزكية، ووفروا على الناس تعب ترقب النتائج، وجهد الدعاية الانتخابية!!

3- لو لم تتم إقالة بعض الرتب العسكرية قبل الانتخابات بقليل، لكانت النتائج أسوأ.

4- إذا أرادت فتح الفوز في المرات القادمة، عليها ألا تكتفي بإزالة البقع التي علقت بثوب السلطة، وتأذى من منظرها الناس سنوات، على فتح أن تمسك المبضع لكي تنقي الجسد الفلسطيني من الأدران التي سكنت تحت جلده.

5- بعد ظهور النتائج؛ يتعمد رجال حماس تأدية التحية لرجال فتح بصوت مرتفع، يقولون لهم مع رفع الأيدي: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته!!! فيرد رجال فتح بهدوء، مع حركة من الرأس: طيب...؛ وعليكم السلام!!

6- في أحد البيوت تشاجر الأخوة من فتح مع الأخوة من حماس، بل وضرب الأخ أخيه، فما كان من زوجة المضروب إلا أن تضرب زوجة الضارب.

7- كان اللقاء الذي تم في أريحا بين رؤساء بلديات فلسطينية، وأخرى إسرائيلية، تحت رعاية ومشاركة وزير الحكم المحلي دكتور حسين الأعرج، سبباً من الأسباب التي عادت بالسلب على تنظيم فتح.

8- مقاييس الفوز هي الصدق، والأمانة، والاستقامة، والشرف، والكفاءة للمرشحين، وليست الشعارات التي يرددها المرشحون.

9- الانتخابات غيرت موازين القوى التي ظلت سائدة على الساحة السياسية الفلسطينية عشرات السنين، وحددت قوتين سياسيتين فاعلتين حقيقيتين على الأرض، لقد انتهى زمن التفرد بالقرار، والهيمنة عليه، وجاء زمن القرار الفلسطيني القائم على شراكة بقاء، والباحث عن التحرر، والرجاء.

10- في كل الدنيا يظهر ويتقدم الجيش وقت المعارك، وينسحب ويختفي عند التوقيع على اتفاقات الهدنة، إلا لدى الجيش الفلسطيني، يختفي عند المعركة، ويظهر بعد الاتفاق على الهدنة، كذلك الانتخابات؛ في كل الدنيا تشكو المعارضة من تزوير السلطة للانتخابات، في فلسطين يشكو حزب السلطة من تزوير المعارضة، هذا يؤكد العلاقة بين المقاومة ونتائج الانتخابات.

11- في رد بسيط على بيان وصف الدكتور محمود الزهار بأنه جنرال، قال العارف بالأمور: صدق كاتب البيان، نعم الزهار جنرال!!! رغم أنه طبيب، وبلباس مدني، فقد طاردته الطائرات الإسرائيلية سنوات، واستهدفته المخابرات الإسرائيلية سنوات، وقصفته الطائرات الإسرائيلية بالصواريخ رغم أنه فرد، واستشهد ولده، ودمر بيته، نعم، الزهار جنرال فعلي، بينما الجنرالات الفلسطينيين الحقيقيين الذي يلبسون البزة العسكرية كانوا يتنقلون بسياراتهم آمنين عبر الحواجز الإسرائيلية، وبعضهم له تسهيلات خاصة، لقد صدق البيان!!!

12- أين السيد الطيب عبد الرحيم الذي أعلن النصر بشكل احتفالي بطولي يوم فوز أبي مازن، مرشح الرئاسة الوحيد دون معارضة جدية؟ أين هو اليوم؟ لم لا يقول: إلى الأمام إلى الأمام، يا كتائب القسام!!!

13- أين السيد مصطفى البرغوثي، المرشح المنافس على الرئاسة، الذي أعلن عشية ظهور نتائج انتخابات الرئاسة:أنه قوة المعارضة الأولى على الساحة الفلسطينية، وأنه القوة الميدانية الثانية على الأرض بعد فتح؟؟؟؟ يقول المراقب: أين هو على خريطة الانتخابات وقت النزال الجدي، وتناطح الوعول؟

14- لن تنجح فتح في أي انتخابات قادمة، ولن تنجح كل فلسفة الكلام في تغيير الواقع، ما لم تضغط فتح على السلطة التي حملتها أوزارها، وتقدم عشرات القرابين على مذبح العدالة، وتبدأ في محاكمة أهم الفاسدين المركزيين، ولا تكتفي بإقالة البعض، إن محاسبة ميدانية ـ وضع رأس مدير الشرطة السابق في المرحاض وهو على رأس عمله، وفي قمة غطرسته ـ وإيقاع العقاب العلني، قد يشفي صدور قوم مؤمنين، وقد يعدل من النتيجة في انتخابات قادمة!! ما عدا ذلك فإن الفوز على حماس زجاج وَهْمٍ تكسر!!

15- لقد توقف الفوز في بعض المراكز على عشرات الأصوات فقط، وهذا يؤكد جدية المعركة الانتخابية، وصدق المعايير الأخلاقية، وسلامة العملية الانتخابية، وبالتالي نجاح التجربة الفلسطينية الديمقراطية.

16- صرخ أحد أصحاب حق الاقتراع في وجه مرشح فتح، لا شك أنك الوفي الأمين، ونشهد أنك الصادق العدل، ولكن سيفرح لفوزك اللواء فلان، والقائد فلان، والسياسي فلان، تلك الأسماء التي أذاقتنا سياط المذلة، والقهر، والظلم لسنوات، تلك الأسماء التي زرعت في قلوبنا الحقد المقدس على كل من فرط بالوطن، وباع بالدولار التراب المقدس.
كل ما سبق سمعته من الناس، ولا فضل لي غير الصياغة، واترك التعليق والإضافة للقارئ، فمن المؤكد أن هناك أقوالاً لم أسمعها!!!

* الكاتب حاصل على شهادة الدكتوراه في موضوعة الحرب والسلام في الشعر العربي والشعر العبري على أرض فلسطين
fshamala@yahoo.com

تاريخ النشر : 11/5/2005