"اسخريوطي" الكاتب عدلي صادق

د. فايز صلاح أبو شمالة


        من الكُتّاب من يستنهض القارئ في تحليله، ويحرق شكه بالبراهين، ولا يتركه مستقراً على الرماد، ومن المقالات ما يستنفر ردة فعل القارئ، إما بالصراخ والدعاء إلى الله بأن لا يبقي لمن ورد ذكرهم حجراً على حجر، وأن لا يحفظ لهم في فلسطين ذكراً طيباً ولا أثر، أو أن يضيف تعليقا منسجماً مع جو المقال العام الذي ذاب في هم الوطن، وهذا ما حصل لي بعد قراءة مقال الكاتب الصديق عدلي صادق عن (الاسخريوطي المعاصر) حيث اجتهد الكاتب في توفير الدليل على أن التاريخ يعيد نفسه، مرة على هيئة اسخريوطي خائن للمسيح بن مريم، وأخرى على هيئة اسخرخوري ساقط، نذل، ذليل، يبيع كل شيء؛

        ولكن البيع هذه المرة لا يتم لأجل الفضة، وإنما من أجل مصلحة عليا يمثلها هو، ويعمل لها بكد وجد، بعد أن كلف بها لهدف ما، والدليل على ذلك؛ أنه ما زال يتقلد أرفع المناصب، بل أُغدق عليه في الفترة الأخيرة منصباً جديداً له علاقة بالمال العام، خارج فلسطين، كي يظل بمنأى عن الملاحقة، ويظل التساؤل يتفجر في رأس الشعب، هل الإسخربوطي فرد واحد؟ أم هم شبكة إسخريوط، تتعاون فيما بينها، تعرف ما تريد، تنظم أمرها، تغطي عورة من انكشف منهم، وتبعد من اقترب منهم عن الفضيحة، وتقرب من ابتعد منهم عن التأثير؟.

        يؤكد الأخ عدلي صادق ـ وهو فرد أعزل ـ أنه يمتلك أدلة على إدانة الاسخريوطي، فكيف بصاحب القرار السياسي؟ كيف بالمؤسسة؟ أما من ألف دليل لديها يستحثها على محاكمة الاسخريوطي، وأمثاله، وتقديم لحمهم شهياً على نار الحق؟

        من حق المواطن الفلسطيني أن يظل متشككاً بكل ما يشاع عن إصلاح وتغيير، وتطهير، ما دامت شبكة الاسخريوط تعمل بشكل متزن، ومتكامل، ومنسق، وقادرة على فعل السوء بقضيتنا الوطنية بشكل أخطر مما فعل شلومو، ويتسحاق، وأرئيل، وشمعون!! فإذا كان مناحيم، وشاؤول ورفائيل قد اغتصبوا الأرض فلسطين عشرات السنين، فقد ظلت روح الإنسان العربي الفلسطيني في منأى عن الاغتصاب، إلى أن جاءت جماعة اسخريوط، وراحت تمارس دور الرذيلة والفاحشة والفساد الذي عجز الغاصب عن القيام به، وخجل!!

        لقد فعل ما فعل بنا الاسخريوطي علناً، دون أدنى خجل أو حياء، لقد ذلّ من شاء من الشرفاء، وطرد من شاء من الأوفياء، وقرب من هوى من أهل الهوى، كل ذلك تحت سمع وبصر المئات من القيادات العسكرية والسياسية، والميدانية الفاعلة النشيطة، بل كان الاسخريوطي يغدق على بعضهم، ليكسب صمتهم، وليغطي على فاحش فعلة أكثر خطورة، ذلك على الرغم من تهامس جميع الشرفاء في مجالسهم الخاصة، وصراخ بعضهم في اللقاء العام، وكلها تؤكد خطر وخطورة هذا الاسخريوطي الذي يمسك بحنفية الأنفاس للمرحوم الرئيس الراحل أبي عمار، ويعد حبات التمر التي تقدم له، ويحاسب حبات المطر التي تلامسه!! وهذا ما يفجر التساؤل الثاني: كيف صار كذلك؟ من أين استمد اللعين قوته؟ وكيف وصل هذا الاسخريوطي المعاصر إلى أعلى مستوى من التأثير الساحر على مجمل مناحي الحياة الفلسطينية؟ ولماذا صار آمراً، وما زال ناهياً، وما انفك يغطي بشرشف الصمت عورة السلطة، ويفضح ببقائه حالة الشعب المقهور في الأسواق المحلية والعربية الدولية؟

        لقد نجح الاسخريوطي في تكوين جيش مهانة يتغلغل في عروق الكرامة، وبات الفصل بين الخبيث والطيب يحتاج إلى تشريح للجسد، لاسيما بعد أن أسس الاسخريوط الأكبر منظمة سرية داخلية لها نواتها الصلبة، ولقاءاتها السرية، ولها قبضتها الفتاكة، ومالها المؤجر، وفكرها المسخر، إن اقتلاع شبكة الاسخريوط ستكلف مجتمعنا العربي الفلسطيني دماً زكياً، ما لم يسوّد العدل والقانون الذي سيفكك تنظيمهم، ويحاسبهم بلا رحمة!!!

        فمتى سيصدر بحق الاسخريوط وجماعته قرار إحالة إلى القضاء، كي يقتحم شباب فتح الشرفاء انتخاباتهم القادمة، وفي يدهم راية الطهارة والبراءة؟.


* الكاتب حاصل على شهادة الدكتوراه في موضوعة الحرب والسلام في الشعر العربي والشعر العبري على أرض فلسطين
fshamala@yahoo.com

تاريخ النشر : 13/5/2005