ناصر القدوة؛ عاقلٌ نطقَ، ومنطق طفقَ

د. فايز صلاح أبو شمالة

        لم يكن غريباً أن يثير تصريح وزير الخارجية الفلسطيني حفيظة الإسرائيليين، وأن يغيظ القائم بأعمال رئيس الوزراء يهود أولمرت، وآخرون لا يرحموننا، وذلك لسببين؛ الأول: ما لاقاه تصريح الوزير الفلسطيني من استحسان لدى الشعب العربي الفلسطيني، والثاني؛ لأن تصريح وزير الخارجية لم يأت بجديد يغاير الواقع، وينافي الحقيقة التي أملت عليه ما قاله، إن هذا التفكير السليم المنطقي بحد ذاته لهو مصدر قلق للإسرائيليين الذين سعوا، ويطمحون إلى وجود من يردد أحلامهم بيننا، ويسوّق لأفكارهم، التي بات لها منظرون، ومدافعون عن وجهة النظر التي لم تكتف بتهجيرنا عن فلسطين وطردنا من بيوتنا، وإنما تهدف إلى طردنا من ذاكرتنا، ومن نفوسنا الأبية التي ترفض التسليم بالإرادة اليهودية، وأولها تحريم حق العودة إلى فلسطين على الفلسطينيين، وفتح الباب لاستجلاب اليهود إليها.

        إن في تصريح وزير الخارجية ناصر القدوة تأكيد على أن الاحتلال ما زال قائماً، وأن وهم التحرير الذي يسعى البعض إلى تسويقه علينا، ما هو إلا أكذوبة يجب التنبه لها، وأن المقاومة مشروعة دولياً وفلسطينياً ما دام الاحتلال قائماً، وبالتالي فأي مساس لبندقية الثائر التي تسهم نسبياً في ضبط الإيقاع التفاوضي، هو إخلال بقواعد الانتماء للوطن.

        إن في تصريح السيد ناصر القدوة إلغاء تام، وعاقل لعشرات التصريحات الفجة التي صدرت عن مسئولين أمنيين فلسطينيين، طالبت بنزع سلاح المقاومة، بل وتململ بعضهم، وهدد بجمع سلاح المقاومة بالقوة، كل ذلك من خاطر الطرف الآخر، وفي سبيل كسب مرضاته، رغم تذرع البعض، وتدثره بلحاف المصلحة الوطنية العليا.

        إن في تصريحات ناصر القدوة اعتراف بالواقع الفلسطيني الجديد، الذي يفرض على الجميع التسليم بأن بندقية المقاومة عصية على الكسر، ويصعب تطويعها، ويستحيل تطويقها، ويعجز عن تذليلها أحد لا ينسجم تفكيره مع استراتيجية المقاومة.

        إن في تصريحات وزير الخارجية إشادة خفية بسلاح المقاومة، وتوصية حكيمة تؤخذ بعين الاعتبار، مفادها يقول: أيها المقاومون، لا تلقوا بسلاح المقاومة في أتون المصالح الحزبية والفردية الضيقة، سلاح المقاومة تشرف بحمل هذا الاسم لأنه ظل منضبطاً، ومقاوماً فقط، ومنزهاً عن خدمة أغراض فئوية، وعائلية، وهذه أمنية كل الشعب الذي وثق بسلاح المقاومة، وأسلم مصيره، ومستقبل أولاده بأيدي يجب أن تظل أمنية ونقية وطاهرة.

        لقد طفق بتصريح الوزير منطق فلسطيني جديد في التعامل مع الإملاء الإسرائيلي، بدايته تتمثل في فرض منطق الند الذي يجب أن يسود، وأن تتعود إسرائيل عليه في التعامل مع الفلسطينيين الذين باتوا يمتلكون سلاح المقاومة.



د. فايز صلاح أبو شمالة
fshamala@yahoo.com

تاريخ النشر : 14/06/2005