يا حيف رؤساء بلديات فلسطين، ويا ويل الوطن!!

د. فايز صلاح أبو شمالة

 

        قبل أن تبرد نار الجرح الفلسطيني الملتهب، وقبل أن يتحرر أي أسير أسلم أيام شبابه عشباً أخضر يتزين به رؤساء البلديات، وقبل أن ينطفئ بريق الدم الذي يستصرخ قاتله، ويحرق بنادقه الراجفة، وقبل أن يهدهد ابن الشهيد رأسه على وسادة الصبر، وقبل أن تمسح أم الشهيد دمعتها الحزينة، وقبل أن ينهار جدار الفصل العنصري الذي مزق الضفة الغربية، وقبل أن يشهق أنفاسه شجر الزيتون المنكسر تحت جنازير الدبابة، وقبل أن يبرد دم الضحية التي تآمر عليها نفر من أهلها قبل أعدائها، وقبل أن يتنهد المقتول، وتبتلع صرخات روحه السماء، وقبل أن يتهم أحد أوروبا بخيانة شعب فلسطين، وقبل أن يدير حكام العرب الظهر، ونتهم الجيوش بأنها ولت الأدبار، أعلن رؤساء بلديات فلسطينية عن (صلحه مع اليهود) في مهرجان الرقص الخجول على مسرح الدم العربي النازف في أريحا ! وأعلنوا في المدينة التاريخية بدء مراسم الصلح بـ (عطوة عشائرية) تهدف الوصول إلى السلام بين المدن الفلسطينية والإسرائيلية قبل أن يتحقق السلام الرسمي، لقد ابتلعت جماعة البلديات طعم التسميات التي تتفتح عنها العقلية اليهودية، وهي تبيع العرب سلاماً على الورق، وتشتري منهم الوطن بالتقسيط المريح، وبالشيكات البنكية فاقدة الرصيد.

        نعم!! تحت مسمى عطوة عشائرية تباع كرامة الوطن، ويبدأ سوق النخاسة للدم الفلسطيني، وتصبح التنازلات المجانية وجهة نظر سياسية، ويصير التفريط بالحقوق الثابتة مبادرة سلام الشجعان!!!!

        كان يجب على رؤساء البلديات أن يعرفوا جيداً أن كل عطوة عشائرية يسبقها (فراش عطوة) وفق العرف والعادة، وهذا الفراش يتسع ويضيق بحجم الضرر الذي ألحقه الطرف المعتدي على المعتدى عليه، فإذا كانت إسرائيل هي من أغتصب فلسطين سنة 1948 فأين فراش عطوة ضياع فلسطين، يا رؤساء بلديات (خُمس) فلسطين؟

        إن ما قدمه رؤساء البلديات الإسرائيلية من بيان لا يساوي حصيرة عطوة، أو حتى مفرش؛ لأنهم أعربوا عن أسفهم "لمعاناة العرب تحت الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة، وإراقة الدماء على مدار أربع سنوات ونصف من القتال".

        أتعرفون يا رؤساء البلديات الفلسطينية أين الخطأ القاتل في الاعتراف السابق:

1- إن في تحديد أربع سنوات ونصف من إراقة الدماء، تم تحديد حق شعبنا السياسي، أي أن ما سبق لهذا التاريخ كان وئام واتفاق بين الشعبين، وكان الحال فيه على ما يرام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وهذا الصيغة التي أفرحتكم هي مكسب سياسي إسرائيلي!

2- أن اليهود يأسفون لإراقة الدماء بشكل عام، وليس لدماء الفلسطينيين التي تعمدتها الطائرة والدبابة الإسرائيلية، والاحتلال الإسرائيلي!!

        إن في كلمة رئيس بلدية (سدروت ) السيد (مويال) من حزب الليكود، ورئيس الوفد ما يؤكد ذلك، فقد "ألقى اللوم على المتطرفين من كلا الجانبين في الفشل في صنع السلام. وقتل اكثر من 3300 فلسطيني و970 اسرائيليا منذ عام 2000.

        أي أن حكومة المجرم أرئيل شارون بريئة من دم الفلسطينيين، وجيش إسرائيل بريء من دم الأطفال، ولا تهمة تلحق به، وبكل وسائل التدمير التي شاب لها شعر رأس العالم وهو يراقبها، وأن المقاومين الفلسطينيين للاحتلال هم المسئولون عن ذلك مع المتطرفين اليهود!!!

لقد وافقتم جهلاً أم علماً على وضع أبناؤكم المقاومون الشرفاء، والأسرى، والشهداء في سلة واحدة مع القتلة المجرمين من اليهود الغاصبين!!

        كان يجدر بأن يعترف رئيس بلدية حيفا، وبئر السبع اليهوديان ـ اللذان شاركا في اللقاء ـ وهي مدن كانت قائمة قبل وصول اليهود إليها، بأن المدن التي يترأسون مجالسها البلدية لها صاحب غائب، مطرود من بيته، محروم من مائه، محاصر في الشتات!!  

3- كيف يا رؤساء بلديات فلسطين تقبلون اعتذار عن ممارسة العنف اليهودي ما بعد 1967، وتسلمون ببساطة بحقوق خمسة ملايين لاجئ في فلسطين 1948 ، للعلم يا رؤساء البلديات، بعض المؤرخين اليهود مثل (موريس) وبعض السياسيين لا ينكر ذلك، فكيف تعطون عطوة عشائرية لقاتل الأرض والإنسان والتاريخ قبل أن تأخذوا منه فراش العطوة، أم أن الكرم العربي يا ذرية حاتم الطائي قد أذن لكم ذلك، إن حاتم الطائي قد ذبح فرسه هو، فرس حاتم ولم يذبح فرس أخيه أو جاره!!!! ولا أظن سكان نابلس، ومخيم بلاطة، والأمعري، وجباليا، والوحدات، وعين الحلوة، واليرموك، ورفح، وجنين الشهداء قد فوضوكم لإعطاء عطوة عشائرية على دماء أبنائهم، ودمار أرضهم وبيوتهم التي ما زالت مغتصبة أمام عيونهم، وتصرخ في آذانهم، وأنتم تعلمون يا أهل (العطوة) ويا رجال الجاهة، أن أول عوامل انشقاق القبائل عن بعضها هو مثل هكذا تصرف لا يحفظ كرامة القبيلة، وحقوقها في الماء، والكلأ!!!

        بأي وجه يا رؤساء البلديات المعينين سنطالب الدول العربية بوقف التطبيع مع إسرائيل، وكيف نعتب عليهم، وكيف نلومهم؟ وبأي حق نتهم بعض الأنظمة العربية بخيانة القضية الفلسطينية ونفض يدهم منها، إن أي رئيس أو ملك عربي سيلام من شعبه على التطبيع مع إسرائيل، سيقول لهم، لن أكون فلسطيني أكثر من الفلسطينيين، وسيردد قول الشاعر المتنبي:

        من يهن يسهل الهوان عليه              ما لجرح بميت إيلام

       

        إن توالي صمت القيادة الفلسطينية عن مثل هكذا لقاء ليمثل الطامة الكبرى، وهو مؤشر خطير لا يسهم في إيجاد حل عادل للصراع الدموي؛ لأن مثل هكذا لقاء يسحب من تحت أقدام السلطة الفلسطينية بساط المناورة و القدرة على التفاوض!!!

        لذا فإن دواعي الوحدة الوطنية للشعب الفلسطيني تحتم على رئيس السلطة الفلسطينية، أو رئيس الوزراء تحمل المسئولية عن هذا الخطأ التاريخي، ومحاسبة المسئول عنه، ومحاسبة من دعا إليه ونظر له فكرياً وسياسياً، يجب أن تطال المحاسبة من أعطى الضوء الأخضر لرؤساء البلديات للقاء الإسرائيليين، فأنا أعرف بعضهم جيداً، وأعرف أنهم لا ينطقون عن الهوى، وإنما هم وحي بالسلوك يوحى إليه، وإن من حق شعبنا على قيادته السياسية كشف كل من تآمر لإنجاح هذا اللقاء، وأن لا توفر الغطاء السياسي له.

 

        وإلى أن يحدد الرئيس موقفاً من اللقاء، أقول أن الشعب العربي الفلسطيني قد حدد موقفة مسبقاً، وسيعطي الجواب في الانتخابات القادمة، في صناديق الاقتراع في 5/5/ 2005 التي ستكون نتائجها ثمار اللقاء الذي شارك فيه رؤساء البلديات، ستعطي الجماهير ردها الذي يجب أن يلتزم به الجميع، وإلا؛ فإن الوطن أكبر من الأفراد مهما كانت ميولهم وأهوائهم، ولتراقب السلطة الفلسطينية نتائج الانتخابات جيداً، وتحترم مشيئة شعبنا، وقراره، إن ما فعله رؤساء البلديات الذين التقوا مع اليهود لهو أقرب إلى من يقلع عينه بإصبعه، ويأتي فرحاً لحصوله على نظارة طبية.

 

        في إسرائيل يقولون:

يا حيف على رؤساء بلديات إسرائيل؛ لقد نظم لهم اللقاء مع الفلسطينيين مستورد الماشية اليهودي (ايال أرليخ) الذي أعرب عن خيبة أمله من العدد الذي هو اقل مما كان يأمل، حيث أحضر لهم عدد 10 رئيس بلدية فلسطيني بدلا من خمسين.


* الكاتب حاصل على شهادة الدكتوراه في موضوعة الحرب والسلام في الشعر العربي والشعر العبري على أرض فلسطين
fshamala@yahoo.com

تاريخ النشر : 16/04/2005