هيئة الكسب غير المشروع طريق للمجد أو اللحد!!

د. فايز صلاح أبو شمالة


       
ما كنت في ريبٍ أن تكليف السيد إبراهيم أبو النجا، وتحميله أمانة النبش في ماضي وحاضر الكسب غير المشروع، ليعد سابقة فلسطينية على طريق الإصلاح، وخطوة جدية لمحاربة الفساد، بل وملاحقة الفاسدين الفارين الذين ظنوا أن مستقبلهم السلامة، أو الذين اعتقدوا أن زمن الانفلات المالي باقٍ إلى الأزل، والحساب لن يكون حتى يوم الحساب.

        إن قرار التكليف يعكس مصداقية الرئيس أبي مازن في السير قدماً على طريق بناء المجتمع الفلسطيني المتماسك، والواثق، والمؤمن بالمساواة، وتكافؤ الفرص، وتحقيق العدالة كشرط لنزع فتيل الأحقاد، والقادر على تخطي مرحلة يراد لها أن تكون مفصلية في تاريخه.

        ولكن، ورغم أهمية التكليف، وفسحة الصلاحية التي تخول السيد إبراهيم أبو النجا أن يسأل الباشا، والزعيم، والقائد، والرمز: من أين لك هذا؟ إلا أن النجاح يبدو وكأنه في حكم المستحيل، ولاسيما بعد أن استكملت دائرة الأخذ، وبسط الكف على مناطق النفوذ، وصار كل من تكسب أدرى بتبرير ذلك، وأوعى في تصريف أموره، ومن عرف التصريف عرف التغطية على المصدر، وعرف كيفية حفر المسرب، لتصعب بذلك مهمة السيد إبراهيم أبو النجا، الذي سيغدو يبحث عن إبرة وسط كومة قشٍ، في يوم ريح، ولاسيما أن الرجل يقف أمام استحثاث جميع الشرفاء للوصول إلى نتائج سريعة، ولو بسيطة، يتم بها التباهي أمام الشعب ببداية ملاحقة المال المتسيب، والتصحيح.

        قد يقول السيد إبراهيم أبو النجا: نحن لها وإن عَظُمتْ، وسنضع مخافة الله بين أعيننا، ومصلحة الشعب على رؤوسنا، ونتقدم للعمل بعد التوكل على الله، وهذا صحيح، ولكنني أقول لك: ما أقسى المهمة!!، وما أشقى المرحلة التي تطوى وتفتح صفحاتها، ولاسيما أن صح ما يتردد على ألسنه الناس: بأن أحد المشبوهين المسئولين السابقين؛ فدى رقبته بمبلغ كبير من المال، قدمه لمن نسق له الفرار من غزة إلى عمان، فمن ستلاحق بالكسب غير المشروع؟.

        إن ما يهوّن المهمة التي أوكلت إليك هو لذة اكتشاف الحقيقة إن كانت سلباً في حق البعض، أم كانت إيجاباً! ونكهة النجاح في نهاية عمل متقنٍ، وإبداع مسار تحسن صياغة وقائعه!! وهذا ما نتمناه للصديق أبي وائل، وهذا ما يدفعني إلى تقديم نصائح عشر، لا أدعي فيه الفصاحة والنباهة، ولا استعرض فيها طاقة التفكير، والبلاغة، ولا أدعي معها علماً نفسياً واجتماعياً، ولا أتهم فيها غيري بالقصور، وإنما أقدمها من صديق إلى صديقه، متمنياً له النجاح في أدق وأخطر مهمة على أرض فلسطين:

        النصيحة الأولى: ابن وكرك في مكان مرتفع، بحيث تَرى ولا تُرى، وتعمّد السرية في العمل، ولاسيما وأنت تضع يدك في الجحور، وتمد بصرك إلى الثغور، ولا تكن هياباً في اقتحام وجر الثعالب، وما قد يُظن بأنه عرين أسد، فللحق أنياب، وللصدق مخالب، وجرأة التحدي تبنى على الأمانة، ورجفة المسيء تكمن في صدره قبل أن تظهر على وجهه، ووجهتك معرفة الحقيقة التي يتلهف لها الشعب، ولا مصلحة لك في ظلم بريء.

        النصيحة الثانية: لا علاقة للجمهور ببواكير عملك، أكتم معلومتك، ولا تجعلها مجالاً للتداول، ففي ذلك تعزيز لمصدر المعلومات التي تحتاج إليها، وزرعٌ لشتلة الثقة، لذا افتح باب مكتبك لكل من لديه بينه، وعلم موثوق، وشهادة موثقة بالقسم على كل ما يقول، وتأكد أن الشهادة خالية من المصلحة، ولا تهدف إلى تشويه سمعة، وتلطيخ عرض، وأعرض عن كل من يلح بمعرفة نتائج الأعمال، ويكثر من السؤال، فلا أقسى من تسرب نصف معلومة تؤدي إلى تبرئة متهم، أو تشويه سمعة بريء!.

        النصيحة الثالثة: ابدأ بالأشجار الكبيرة التي حجبت الشمس عن الأرض، وحمت ما دونها من رياح التغير، وحالت دون تنقية التربة، ليسهل عليك حصاد الأعشاب الضارة، إن تجريد شجرة واحدة من أوراقها كفيل بأن يكشف لك ظلمة الغابة التي ستجوس عتمتها.

        النصيحة الرابعة: لا تفتح جرحاً وتتركه في الهواء، تخشى عليه التلوث، وتخشى على من معك العدوى، وتخشي كثرة التقول، والتداخلات، سارع إلى تقطيب الجرح، لئلا ينز صديده بلا نهاية، وكما لا تدع الأمور تنتظر، لا تدعها تفلت منك، وتسح على الزمان والمكان قبل أن تسدل عليها الستار، وتكتم من حولها الأخبار.

        النصيحة الخامسة: أنت قوى بالقانون، وبالشعب الذي يتطلع إلى نجاحك، ويقول لك:  لا تهادن، ولا تضعف، ولا تأخذك بالحق لائمة لائم، افتح الأدراج المغلقة، وتسلق الأسوار العالية، واقتحم الأسيجة المنيعة، تشعل الجمر المتقد في نفوس المرافقين، وتحض الموظفين الباحثين عن الرزق الحلال، ولاسيما إذا أظهرت لهم المصداقية والجدة، وطاقة الفعل.

        النصيحة السادسة: وثّق، وأحفظ كل معلومة تتعلق بالشأن المراد ملاحقته، ولا تأخذ بما ليس معتمد، ولا يعتد به، وتجنب التشتيت الذي سيتعمده البعض، فلا تحتفظ بما لا يفيد في الشأن المعني، واستنفذ التمحيص، فمعظم القضايا مترابطة ببعضها، وإذا كان الشرفاء يجمعهم عملاً تنظيماً فدائياً واحداً، وللشهداء قسم الوفاء، فإن للفساد رابطة واحد، وله رأس، وأطراف، وعملك يفتح حساباً مطلقاً لمعلومات طاهرة عن المال العفن، ويثقب خزان الأخلاق الموكوسة، فألزم النزاهة والصرامة كي تتدفق عليك المعرفة، وتتدافع عليك الدلائل، وتنهمر عليك البينة.

        النصيحة السابعة: أنت نجم المرحلة، جميع المشبوهين في حاجة إلى التودد إليك، وجميع الشرفاء في حاجة لمد يدهم إليك، فتبصر بغاية كل يد ممدودة، فرُبَّ مترقرقٍ لك من خلفه خشونة، ورُبَّ مترفقٍ بك يحمل البغضاء، ترقرق كالندى، وترفق كالحنان، وارتفع بالجميع، حتى تبلغ غايتك، التي لا تلويك عنها تلهية، فأنت الشهد الذي يدّعى كل النحل جمع رحيقه، ونجاحك غاية، وفشلك في نفس الحين غاية، فتخير سبل النجاح، وواصل الكفاح.

        النصيحة الثامنة: رغم أن مشوارك صعب، وطريقك محفوف بالمخاطر، وتدوس على حقل ألغام، وتعبر بحر الشوك والنار، إلا أنك لو ترددت، وتوانيت، وتساهلت فلن تُرحم، ولو تعثرت وخانتك الحوافر فلن تُرجم، وفي كلا الحالتين فليس لك إلا العبور، في انتظارك جنة الاحترام وتقدير الناس على الأرض، إذا نجحت، وفي انتظارك جنة السماء، إذا استقمت.

        النصيحة التاسعة: سيهددونك من جهة، ويُمنّونكَ من جهة أخرى، وسيتوعدونك، وسيعدونك، وإن عجزوا عن الوصول إليك من الباب، سيحرصون على أن يطلوا عليك بالتلفيق والتزوير من الشباك، أنت في حصنك آمنٍ ما دام أصغر موظفيك مقتنع بما يقوم به، وما برح أكبر موظفيك قد اقتنع بمشقة العمل الذي يقدم عليه، وآمن بأهميته، وصحته الاجتماعية وسلامته السياسية، ومداه النفسي، وأثرة الوطني، لتكن القناعة سيد العمل، وليكن أجر الآخرة يفوق أجر الدنيا الذي يجب أن يكون متميزاً لمن معك، مميزاً لهم.

        النصيحة العاشرة: تخير الرفقاء، وتجنب المشبوهين، بعض القضايا سيندفع عليك أصحابها بأهل الأرض كي تستر، وكي تخفي، وكي تعفي، وبعضها سيدفع لك أصحابها ما جمعوه كي ترحم، وكي تكتم، أنت بين يدي الله قبل كل شيء، وأنت محور الإصلاح، وكعبة التنقية والطهارة، وقد واتتك الفرصة كي تأتلق بالحق، وتزهو بالقانون، وتنطق بالحكمة.، فلا تفرط بما أوتيت من صلاحية بشيء، فليس في هذا الوطن من شخصية كبيرة سوى القانون، والحق، والعدل، والشعب الذي سيحملك على أكتاف المجد، أو يطيح بك إلى جحيم اللحد.

 

        أخيراً: لك أشقى مهمة، في أشق فترة، ولك أشفق مشاعر.


د. فايز صلاح أبو شمالة
fshamala@yahoo.com

تاريخ النشر : 15/06/2005