الحوار الفلسطيني في القاهرة

لا نخاف شارون، ولكن يهاب بعضنا بعضاً

د. فايز صلاح أبو شمالة


        من السهل جداً أن تجد في مدينة فلسطينية _ مثل خان يونس مثلاً _ عشرة ألاف استشهادي، جاهز للتمنطق بالحزام الناسف، دون تردد، والتطاير نتف موت في شارع (ديزنكوف) في تل أبيب، ولكن من الصعب أن تجد فلسطينياً شريفاً واحداً مقتنعاً بالضغط على زناد بندقية مصوبة إلى رؤوس الناس في مخيم جباليا، إنها ثقافة المقاومة التي حرثت أرضها الدبابات الإسرائيلية، وبذرت حبها رصاصات اليهود وقذائفهم، ونمت تحت دوي الطائرات الإسرائيلية، وهي ترش الموت بالتساوي على الضابط الفلسطيني الذي حاول انتزاع السلاح المقاوم ذات يوم، حباً بالسلام والحرية، وعلى أولئك الذين ظلوا مصرين على التمسك بسلاح المقاومة، حباً بالسلام والكرامة.

        لقد سادت ثقافة المقاومة داخل الشارع الفلسطيني منذ اللحظة الأولى لانتفاضة الأقصى، وبالتالي اندحرت ثقافة الانتفاع الشخصي من العمل السياسي، والالتفاف بمواربة على الجماهير، ولفت الأنظار بتصفية الخصوم، والكسب السريع من العمل الشكلي، والتآمر الحزبي، واللهث إلى ترأس مواقع قيادية ميدانية وهمية، فقد بات الموقع يكلف صاحبه حياته لدى بعض القوى السياسية والعسكرية الفاعلة بجدية، أو يكلف صاحبه فقدان احترامه بين الناس، وفقدان الثقة به، كما لدى بعض القوى السياسية الأخرى التي اكتفت بالتصريحات اللفظية، وعجزت عن مجاراة الغضب الشعبي.

        إن هذا الواقع الميداني الجديد يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار لا من جانب الصديق في حوار القاهرة، وإنما من قبل شارون الذي لجأ إلى الضغط على السلطة الفلسطينية في مؤتمر الحوار، وأعلن بشكل مسبق أن المطلوب تصفية سلاح المقاومة، وليس المطلوب هدنة مع رجال المقاومة، أي أن شارون يشترط استمرار التعامل مع السلطة مقابل رأس المقاومة الفلسطينية التي عجزت الطائرات الإسرائيلية بما أوتيت من بطش عن النيل منه!!

        فهل ينجح شارون الغائب عن طاولة الحوار في القاهرة، بالحضور من خلال التهديد، والعمل على بث الرعب في نفوس الفلسطينيين، والتأثير على المتحاورين؟

        إن تجربة أربعه أعوام خلت، منذ مارس 2001، عندما طلب شارون مئة يومٍ ليقضي بها على الانتفاضة، ومارس خلالها أقصى ما يمكنه من تدمير وقتل، وقلع، وهدم، وردم، إلى أن أسقط في يد شارون، الذي لم يبق موتاً إلا وجربه في أوساط الفلسطينيين، ليصل بذلك إلى الحد الأقصى من نفاذ صلاحية تهديده، ليبدأ بالتراجع والانسحاب من طرف واحد، بالتالي لن يجد تهديده الآن آذان صاغية لدى جيل الانتفاضة الذي استعذب الحياة من أحشاء الموت، وأفرز واقعاً حياتياً، وعقلياً، واجتماعياً، وسياسياً، وتنظيمياً جديداً.

        أن أروع ما في حوار القاهرة أنه فلسطيني بحت، ولو كان تحت رعاية القاهرة، وبالتالي فهو استجابة لحاجة فلسطينية، وهو رسالة إلى العالم أجمع على قدرة الفلسطيني على نسل خيط حرير التفاهم من وسط ركام الشوك الإسرائيلي، وعليه فلتسقط كل أشكال الضغوط عن ظهر المتحاورين، وكل أشكال الابتزاز السياسي، ولتٌغلَّبْ مصلحة الوطن العليا، فبالقدر الذي لا نخاف فيه نحن الفلسطينيين شارون، فإننا نهاب بعضنا بعضاً بشكل وافر، ونحترم وطاقات، وصلاحيات، وإمكانيات، وقدرات بعضنا بعضاً التي نعرفها نحن أكثر غيرنا، إن مفهوم المهابة هنا يعني التقدير الصحيح للمصالح الفلسطينية المشتركة التي تقوم على وحدة الحال، ووحدة المصير، والتطلع المشترك إلى غدٍ أفضل، وما عدا ذلك فهو التخبط، والتجديف عكس رغبة الجماهير الفلسطينية التي تتمنى على المتحاورين التالي:

أولاً: لما كان الجميع شريك بالحرب، ولا يمتلك وطناً بديلاً عن هذا الوطن، فإن الإقرار المسبق من جميع المتحاورين في القاهرة على أننا في مركب واحد، وإن وحدتنا عنوان قوتنا، ولذا لا يجوز التفرد من طرف واحد مهما كان بالقرار المصيري دون الرجوع إلى لجنة فلسطينية عليا تضم كل الأطر والقوى الفلسطينية العاملة على الأرض، ولو أدى الأمر إلى تواصل الحوار حتى موعد انتخابات المجلس التشريعي التي ستعطي كل طرف قدره الحقيقي، وتوزن الجميع بميزان الحضور الدقيق على الأرض، وفي وجدان الجماهير.

ثانياً:  ضرورة إجماع المتحاورين على التمسك بالثوابت الفلسطينية التي تشكل عصب الصراع مع إسرائيل، وعدم جواز التفريط بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى مدنهم وقراهم، وفق قرار الأمم المتحدة 191، واعتبار ذلك من بديهيات الاتفاق، ولا معنى لحوار ومتحاورين يتجاوز العمق الروحي للصراع.

ثالثاً: الإقرار بأن السلام والحرب قرار جماعي فلسطيني، فمثلما لا يصح التوقيع على اتفاق مع الإسرائيليين من طرف واحد دون إجماع وطني، فلا يصح خرق التهدئة من طرف واحد دون إجماع وطني على ذلك.

رابعاً:  تشكل لجنة قيادية عليا مؤقتة من كافة الفصائل والقوى العسكرية والسياسية العاملة في الميدان، والتي لها حضور فاعل، على أن تشرف على كل خطوة سياسية لها علاقة باستراتيجية العمل السياسي مع إسرائيل، مع ترك يد السلطة الفلسطينية للعمل بحرية في تصريف شئون الحياة اليومية للفلسطينيين، بما يضمن الأمن للمواطنين، والاستقرار.

الخامسة: التأكيد على الموعد المحدد لانتخابات المجلس التشريعي، واعتبار نتائج الانتخابات التشريعية الفلسطينية مقياساً للحضور، وتقريراً للقبول، واعتبار نتائج الانتخابات دليل تحديد قوة، ومستوى التمثيل الحزبي في مؤسسات م. ت. ف. التي يتوجب إعادة ترتيبها بما يتواءم والتطورات السياسية والميدانية.

السادسة: استمرار العلم بالتهدئة، والالتزام بها حتى موعد الاحتكام للشعب العربي الفلسطيني في الأراضي المحتلة، موعد انتخابات المجلس التشريعي في يوليو 2005، ومن المؤكد أن نتائج الانتخابات كفيلة بأن تعطي القرار الجازم في هذا الشأن؛ إما باستمرار التهدئة، أو تطويرها إلى هدنة، أو وقف نهائي لإطلاق النار، والمدى الزمني لكل حيثية مما سبق.

        نتمنى للمتحاورين التوفيق والنجاح ضمن قواعد وأسس التقدم والصلاح.

* الكاتب حاصل على شهادة الدكتوراه في موضوعة الحرب والسلام في الشعر العربي والشعر العبري على أرض فلسطين
fshamala@yahoo.com

تاريخ النشر : 17-03-2005