لا الجود يفقر، ولا الإقدام قتال، يا جامعة الأقصى

د. فايز صلاح أبو شمالة

        لا الجود يفقر، ولا الإقدام قتال، هكذا؛ بقلب المعنى، اختتم الدكتور نظمي بركة تقديمه لكلمة السيد محمد دحلان وزير الشئون المدنية، الذي وضع حجر الأساس لمبنى جامعة الأقصى في خان يونس.

        رحم الله المتنبي عندما قال بيت الشعر الذي استشهد به الدكتور نظمي بركة، ما كان يقصد ما ذهب إليه المعاصرون، وكانت المناسبة أبعد ما تكون عن توظيف البيت الذي لم يكن مناسباً ذكره، والتقرب به إلى الوزير، فعندما قال المتنبي:

                لولا المشقة ساد الناس كلهم             الجود يفقر و الإقدام قتال

        صدق في حينه، وانطبقت المقال على الحال، ولكن اليوم تبدل الزمن بمسيرة ألف عام يا دكتور نظمي بركة، وما عاد يتناسب وروح العصر مفهوم السيد والعبد اللذان سادا في زمن مضى، وما عاد يتناسب وعصرنا ما فعله حاتم بفرسه، ولا عادت تنطبق صفات الممدوح في الإقدام على الزمن المعاش، ولاسيما أن صندوق الاقتراع بات السحر الذي يحتكم إليه المجتمع الحضاري في تقييم مسلسل الأفعال؟

        لقد اعترف الوزير محمد دحلان في كلمته أنه لم يتبرع بمبلغ نصف مليون دولار، قيل أنه تبرع بها للجامعة ـ لقد نفى عن نفسه أن يكون قد جاد، أو منح ـ ولو حق أن الوزير قد تبرع بهذا المبلغ لوقع تحت طائلة السؤال الشرعي من أبناء الوطن، من أين لك هذا؟ كيف استطعت جمع هذا المبلغ في عشر سنوات، ولكن الوزير وضح الأمر من بداية الكلمة، وقال: أنه ساهم في الاتصال مع شركة المقاولات التي تبرعت بالمبلغ للبدء في بناء الجامعة، وبالتالي لا ينطبق وصف الدكتورـ مقدم الكلمات ـ على الوزير!!

         إنني أسجل هنا على الدكتور الصديق نظمي بركة؛ أنه جامل الوزير مجاملة غير مبررة، وغير متوائمة مع الجو العام للانتخابات، وتسيء في القرن الواحد والعشرين أكثر مما تفيد، وكأن ما قاله الشاعر بن زريق البغدادي ينطبق على الدكتور نظمي بركه؛ حين قال:

        لا  تعذليه  فإن  العذل  يولعه           قد قلت حقاً ولكن ليس يسمعه

        جاوزت في لومه حداً أضر به          من حيث قدرت أن اللوم ينفعه

        وهنا نقول للدكتور نظمي، لقد جاوزت في مدح الوزير حداً أضر به، من حيث قدرت أن المدح ينفعه!! ولو أصغيت للمدوح لقال لك: كفاية!!!

         لقد أصبغت على الوزير ألقاباً، وأوصافاً أجبرت معها الجالسين عن يميني وعن يساري على التعليق السلبي عليها، ولاسيما وأنت تقول في السيد الوزير محمد دحلان بيت الشعر العربي الذي قاله الشاعر أبو تمام:

                إقدامُ عمرٍ، في سماحةِ حاتمٍ            في حلم أحنفَ، في ذكاء إياسِ

        وما السيد محمد دحلان إلا وزيرٌ!! فإذا اجتمعت لديه كل هذه الصفات، فماذا تبقى للآخرين؟ ماذا تبقى للفصائل الوطنية والإسلامية؟ بل ماذا تبقى لرئيس السلطة الفلسطينية؟!

        كان يمكن لكلام الدكتور أن يمر دون تعليق، أو انتباه، ولكنه هو من رفع قيمة العلم والمعرفة في بداية حديثه، وواصل الإشادة بأهل العلم وهو يقدم لكل خطيب اعتلى المنصة، وهو الذي أشار إلى مكانة العلماء، وتقدمهم درجة على غيرهم، ولاسيما أن مقدم الكلمات نفسه يحمل شهادة دكتوراه في الأدب، فكيف غاب عنه علمه، وانزوت شهادته في الركن، ليقع، ويوقع بالوزير الممدوح بين دوامة العيون المستغربة؟!!!

        لقد تنبه الوزير لكلام الدكتور، وقال للحضور: لقد حذرني الرئيس أبو عمار ذات يوم، وقال لي: لا تتورط مع (اثنان) الخطباء والشعراء، ولكن يبدو أن الخطباء قد تورطوا بكيل المديح، وفاتهم التدقيق في خطأ الوزير النحوي، عندما رفع لفظة (اثنان) في الجملة، بينما حقهم عليه الجر (اثنين)، لقد اعترف الوزير أمام الحضور: أنه لم يكمل تخرجه من الجامعة حتى اليوم، ولا بأس لديه في أن يظل طالباً، ومع ذلك لم يتجرأ أحد على تصحيح الخطأ النحوي للوزير، ولاسيما أن مناسبة وضع حجر الأساس لجامعة تستوجب ذلك، ولو فعلها أحد المحتفين، لعاود غالبية الوزراء في الوطن العربي تعلم قواعد اللغة العربية.

        فإذا كان هذا حديث، وتصرف أحد أصحاب الشهادات العليا، وهذا موقفه من المسئولين، فمن سيرفع مظلمة الناس البسطاء، ومن سيمثل أحلامهم، وماذا استبقيت يا دكتور نظمي بركة، لذوي الحاجات، وطالبي المكرمة، والمساعدة في فك ورطة؟؟؟؟

        لا أظن أن في مقدور الوزير إطالة عمر الدكتور نظمي بركة يوماً واحد، ولا أحسب أن الوزير يستطيع أن ينقص من قدر شهادة الدكتور نظمي حرفاً واحداً، فلم لم يقل الدكتور للوزير: أوصيك يا معالي وزير الشئون المدنية في يوم نكبة فلسطين، أن تتذكر قرى ومدن فلسطين المغتصبة سنة 1948، وأن تجعل من حق العودة ترانيم التفاوض مع اليهود، وأوصيك يا وزير ألا يغمض لك جفن ما دام لنا أسرى في السجون الإسرائيلية، وأوصيك يا وزير وأنت تضع حجر الأساس هنا، أن تصر على أن تقتلع بيدك آخر حجر في بيوت المستوطنات الإسرائيلية، وهذا من صميم عمل الوزير!!!

        كانت فكرة الاحتفال بوضع حجر الأساس لجامعة الأقصى رائعةً جداً...

        لولا بعض الثغرات، ومنها؛ غياب كلمة وزير التعليم العالي الذي كان يجب أن يشارك بكلمة في هذه المناسبة التعليمية ـ رغم مشاركة وكيل الوزارة ـ وذلك أضعف الإيمان.



* الكاتب حاصل على شهادة الدكتوراه في موضوعة الحرب والسلام في الشعر العربي والشعر العبري على أرض فلسطين
fshamala@yahoo.com

تاريخ النشر : 17/5/2005