لابد من رقابة دولية على الانتخابات المصرية !!
بقلم : أحمد هريدي محمد *


يتحدث الكثيرون عن الإشراف القضائي الكامل على الانتخابات المصرية وكأنه الضمان الأكبر لنزاهة الانتخابات في مصر، وجاء توقيت حديث القضاة عن هذا الموضوع متزامناً مع الأحداث السابقة على الانتخابات التكميلية لمجلس الشورى بالدائرة الأولى بأسيوط والتي جرت يوم السابع والعشرين من أبريل الماضي وكنت أحد المرشحين في هذه الانتخابات وتجرعت مرارة التزوير ، وأصبحت لا أطيق سماع الحديث حول الإشراف القضائي كضمان لنزاهة الانتخابات في ظل سيطرة السلطة التنفيذية ممثلة في وزارة العدل على السلطة القضائية، فالذي ساهم فيما حدث لي قاض بدرجة مستشار!!
(لدي تسجيل صوتي لكلمات هذا المستشار وتسجيل مرئي لحالة لجنة الفرز).
وكان التزوير هو النهاية أما البداية فقد كانت بكل أساليب التلاعب وقبل أن أتقدم بأوراق ترشيحي ..
ولنأت للحكاية من البداية:
يوم 28 مارس 2005 توجهت الى مديرية أمن أسيوط للسؤال عن الأوراق المطلوبة للترشيح - قلت ربما هناك تغييرات لا أعلمها - وأثناء تبادل أطراف الحديث مع أحد موظفي قسم الانتخابات بمديرية أمن أسيوط أخطأت وقلت: " سأستخرج بطاقة انتخابية بدل فاقد لضمها لأوراق الترشيح" ، وبسبب هذا الخطأ أدرك عدد من موظفي قسم الانتخابات أنني لا أملك بطاقة انتخابية ، وقبل أن أتوجه لقسم شرطة ثان أسيوط للحصول على بطاقة جديدة كانت التعليمات قد سبقتني وتم شطب اسمي من جداول الناخبين وبذلك أفقد شرطاً من شروط الترشيح ، ولم أستطع إعادة اسمي للجداول إلا بإقامة دعوى أمام محكمة القضاء الإداري باسيوط لوقف الانتخابات لحين اعادة اسمي لكشوف الناخبين ، وبعد وصول الإعلان لمديرية الأمن اتصل بي موظف مدني بقسم شرطة ثان أسيوط يخبرني بالعثور على اسمي في جداول الناخبين "وكانت غلطة" وتم استخراج بطاقة بدل فاقد!!
وما إن تقدمت بأوراق ترشيحي إلا وبدأت المقابلات والمفاوضات لاقناعي بالانسحاب والتنازل عن الترشيح ، وإلا : "إنت ساقط ساقط حتى ولو حصلت على أصوات الدائرة كلها !!" ، أما وإنني لم أمتثل لمثل هذه التهديدات وواصلت مشوار الترشيح فقد حق على الويل والثبور وعظائم الأمور خاصة بعد أن نجحت التهديدات في منع خمسة من أبناء أسيوط من الترشيح ، وأفلحت ضغوط أخرى في إكراه أحد المرشحين على التنازل بعد تقديم أوراق ترشيحه، وبذلك انحصرت المنافسة بين مرشح الحزب الوطني عبد الحافظ محمد عبد الحافظ وكاتب هذه السطور .
وبدأت المتاعب .. تمزيق لافتات الدعاية الإنتخابية وإزالة الملصقات الخاصة بي ، وفي المقابل لافتات مرشح الحزب الوطني تملأ شوارع أسيوط وتم تسخير كل الإمكانيات له بما فيها سيارات الوحدات المحلية التي كانت تحمل مكبرات الصوت للدعاية له !!
وبعد إغلاق باب الطعون بدأت رحلة متاعب من نوع جديد مع الموظفين المدنيين في قسم الانتخابات بمديرية أمن أسيوط للحصول على نسخة من كشوف الناخبين وهي حق كفله القانون للمرشح ، لكن الموظفين في قسم الانتخابات بمديرية أمن أسيوط لهم رأي آخر في تفسير هذا القانون لصالح مرشح الحزب الوطني فقط ، فقد كان اللواء سعد زغلول محمد مساعد مدير أمن أسيوط يصدر تعليماته بتسليم النسخة لكن الموظفين المدنيين لهم مبررات أخرى مثل الأعطال التي تصيب ماكينة التصوير ، والموظف الذي ذهب لشراء ساندويتش وغاب لعدة ساعات ، وتكررت حكاية الأعطال والساندويتشات كل يوم بسيناريو مختلف ، وكنت قد اقترحت على مديرية الأمن حلاً للمشكلة باعطائي نسخة على سي دي لكنهم قالوا أن السيد مدير الأمن رفض هذا الإقتراح !!
وبمثل هذه المبررات تسلمت كشوف الناخبين بالتقسيط الممل قبل بدء عملية التصويت بحوالي 48 ساعة وبعد فحص الكشوف تبين أنها ناقصة العديد من الشياخات ، أما بيان توزيع اللجان ومقارها فلم أتسلمه نهائياً وكان علي البحث عن المقار الجديدة للجان في دائرة مترامية الأطراف تضم مركز منفلوط ومركز أسيوط وقسم أول أسيوط وقسم ثان أسيوط بما يتبعهم من عشرات القرى والوحدات التابعة ، وهكذا استمرت العراقيل وابتكار العديد من الأساليب لإهدار وقتي وجهدي في التعامل مع قسم الانتخابات ، هذا القسم كما قلتها بأعلى صوتي داخل مديرية الأمن :"هذا القسم يتبع الحزب الوطني ولا يتبع مديرية الأمن إلا في الأجور التي يتقاضاها موظفوه !!"
ولم تقتصر سيطرة الحزب الوطني على مديرية الأمن فقد امتدت الى الشهر العقاري حيث كان من المقرر أن يتم توثيق التوكيلات الخاصة بوكلائي أمام اللجان العامة والفرعية ولجنة الفرز ، وبشق الأنفس تم توثيق 8 توكيلات من إجمالي 50 توكيلاً عاماً كان يجب توثيقهم لمتابعة 409 لجنة ، وقد فعلت السيدة / نعيمة رئيسة المكتب ومن حولها من موظفين كل ما لديها من أساليب لإهدار وقتي وجهدي ، حتى اقتربت الساعة من الثالثة يوم الثلاثاء 26 أبريل ، عندها أصرت السيدة نعيمة على توثيق 11 توكيلاً فقط ولأن التصويت كان يتبقى عليه أقل من نصف يوم قبلنا بأحد عشر توكيلاً ، والمضحك أن موظف يدعى إبراهيم .. رفض تنفيذ تأشيرة السيدة /نعيمة بتوثيق 3 توكيلات بدعوى عدم ورود تعليمات بأن هناك انتخابات لمجلس الشورى وأنها معفاة من الرسوم ، والتوكيلات موجودة بين أيدنا مختومة بختم الميكروفيلم ومؤشر عليها من السيدة نعيمة لكنها غير مستكملة التوثيق !!
ووسط التعنت الذي يحدث في مكتب التوثيق اتصل بي مسئول أمني وابلغني أن هناك فرصة لي لتوثيق عدد من التوكيلات لا يتجاوز 34 توكيلاً في قسم الشرطة التابع لمحل اقامتي ، وانتهزت فرصة الاستراحة في مكتب التوثيق ، وسارعت الى قسم شرطة ثان أسيوط حيث استطعت توثيق 5 توكيلات في اللحظات الأخيرة قبل انصراف الموظفين المدنيين بالقسم ولم تكن هناك فرصة لتوثيق المزيد ، ولم يكن أمامي سوى التفكير في حل بديل كان يتعين أن نستعد له منذ السابعة من صباح يوم الاقتراع الأربعاء 27 لأبريل 2005م ، حيث قمت بالدفع بأكبر عدد من أنصاري ليتواجدوا أمام اللجان ويكونوا أول من يدخل للتصويت فيعرض عليهم القاضي أن يكون كل منهم مندوبا قام القاضي بتعيينه بمعرفته وخير دليل على ذلك أن شقيقتي ليلى هريدي تم تعيينها مندوبة بمعرفة رئيس لجنة السيدات بمدرسة النهضة بالوليدية ، وهذا الأسلوب نجح في العديد من اللجان لكن فشل في لجان أخرى وبقيت لجان مغلقة وعددها 24 لجنة !!
ومن المؤسف أن عدد من رؤساء اللجان الفرعية قبل التعامل مع وكلاء من الحزب الوطني دخلوا اللجان بتوكيلات عامة مختومة بختم الحزب الوطني دون توثيق بالمخالفة لأحكام القانون ولدينا صور من هذه التوكيلات.

تزوير عيني عينك

ولأننا لا نملك وكلاء لتغطية كل اللجان بدأ التزوير عيني عينك لكن هناك من القضاة من رفض بكل قوة أي تهاون أو تجاوزات داخل اللجان ومنهم المستشار وائل مصطفى الرئيس بمحكمة سوهاج ورئيس لجنة 190 ومقرها المدرسة الثانوية المشتركة بمنقباد والذي قدم بلاغاً الى الشرطة ضد أحد عناصر الحزب الوطني الذي تم ضبطه وهو يقوم بالتزوير باستخدام توكيل مزور وتحرر عن ذلك المحضر رقم 2041 لسنة 2005 إداري مركز أسيوط وتم الإفراج عن المتهم بقرار من النيابة بعد سداد كفالة مقدارها مائة جنيه .
وحاولنا قدر المستطاع متابعة اللجان عن طريق أنصاري دون أن يكون لهم حق دخول اللجان ، وحتى هؤلاء تمت مواجهتهم بعدة وسائل فأحد أصدقائي كان يمر على اللجان بسيارته الخاصة التي تحمل صوري ودعايتي الإنتخابية واثناء انشغاله عن سيارته قام أحدهم بثقب الإطارات الأربعة لنفقد سيارة من السيارات القليلة التي كانت تحت تصرفنا.ورغم كل ما فعلوه إلا أن عملية التصويت كانت تسير لصالحنا في الكثير من اللجان .

سلاطة الفرز

وجاء توقيت الفرز في مسرح تابع لجمعية الشبان المسلمين ، كانت الصناديق في ذات السيارات التي نقلت رؤساء اللجان الفرعية، وما إن وصلت هذه السيارات الى ميدان المجذوب بمدينة أسيوط بالقرب من قاعة الفرز إلا وكانت هناك حالة من الزحام والفوضى التي يستعصي معها متابعة أي شئ .. صناديق تدخل وقضاه خلفها وصناديق تدخل بدون قضاة تخلفوا في الزحام وصناديق تخرج نجري ورائها فيقولون لنا انها صناديق فارغة ، كانت المعلومات التي بين أيدنا تقول إن الدخول مسموح للمرشح ووكيل واحد للفرز وأن مهمة الشرطة تنتهي عند باب قاعة الفرز ، وإذا بنا نجد أن الباب مفتوح على مصراعيه و المئات من الحزب الوطني يدخلون الى قاعة الفرز ، وفي لحظة دهشة وجدت الشرطة تسمح بدخول كاميرا فيديو وأجهزة أخرى تبين لي أثرها مساء يوم الفرز عندما أرسل لي أحد الناخبين سي دي عليها تسجيل صوتي لبعض ما دار في قاعة الفرز وصور تم التقاطها وستكون هذه الصور مفاجأة أثناء التحقيقات التي ستجري في الطعون المقدمة مني لكشف حقيقة ما حدث في هذه الانتخابات !!
المفاجأة الحقيقية كانت في المهملات التي كشفت عن أكبر عملية تلاعب تمت في الزحام وربما تمت قبل وصولنا الى قاعة الفرز ، فلا توجد جريمة كاملة فالمتلاعبين تركوا مخلفاتهم وراءهم وكأنهم يخرجون ألسنتهم لنا ..
وفي هذه الفوضى كانت محاضر اللجان الفرعية للانتخاب (نموذج 51 ش . ر) ملقاه في المهملات نسخة أصلية موقعه من رئيس وأعضاء كل لجنة ، وهذه المحاضر تحرر من نسختين يتم ختمهم بالجمع الأحمر ويتم تسليم نسخة الى مديرية أمن أسيوط ونسخة أخرى الى رئيس اللجنة العامة ، كما عثرنا على مظاريف رقم 3 ف / أ ومظاريف 3 ف / ب محررة ببيانات اللجان ومظاريف فارغة ، ومن المفترض أن تكون هذه الأوراق والمظاريف عهده تحت تصرف مديرية أمن اسيوط حيث تتم طباعتها بكميات محددة وببيانات مثبتة في سجلات رسمية .
وقد حاولت إثبات العديد من التجاوزات لكن رئيس اللجنة العامة للفرز رفض اثبات ذلك في محاضر اللجنة وطلب مني التوجه الى رئيس اللجنة العامة المشرفة على الانتخابات (رئيس محكمة أسيوط الابتدائية المستشار أحمد السمان) لتقديم شكوى وبدوره رفض رئيس اللجنة العامة اثبات أية طلبات .. (ولدينا التسجيل الصوتي لكلمات رئيس لجنة الفرز).
وتثبت الصور التي تم تصويرها داخل قاعة الفرز أن صناديق الانتخاب كانت تحت سيطرة غير القضاة وأن تواجد قوة تأمين الصناديق تجاوز مهمة توصيلها الى مقر الفرز الى التواجد في قاعة الفرز وبرز للجميع حضور رجال الشرطة وأفراد الأمن وأعضاء في الحزب الوطني داخل قاعة الفرز دون أن يكون لهم حق حضور عملية الفرز .
كما تثبت الصور أن أشخاص من غير القضاة كانوا يعبثون بالأوراق الرسمية الخاصة بعملية الانتخاب والفرز وأنه لم تكن السيطرة كاملة للقضاة على صناديق الانتخاب داخل قاعة الفرز ، بل وهناك صناديق قام أمناء اللجان بفرزها وحصر وتجميع الأصوات .
و اختفت محاضر اللجنتين الفرعيتين 370 و 400 وبشهادة الشهود كان رئيس لجنة الفرز ينادي بمكبرات الصوت على الموظف المكلف بالتواجد مع رئيس اللجنتين للبحث عنه وقيل انه انصرف ومعه المحاضر وبعد البحث تبين أن المحاضر ملقاة وسط أكوام أخرى من الأوراق .

فساد جداول الناخبين

وكانت مصيبة المصائب في العملية الإنتخابية هي نماذج 44 ش . ر ، ونماذج 38 ش . ر (جداول الناخبين ، النماذج المتاحة للمرشحين والناخبين والنماذج الخاصة باللجنة المشرفة على الانتخابات) هذه النماذج مكتظة بالكثير من الأخطاء الفادحة التي أفسدت جداول الناخبين وجعلتها غير معبرة عن جمعية الانتخاب ومن ذلك:
** استبعاد ناخبين مقيدين في الجداول ويحملون شهادة انتخاب صادرة بتاريخ حديث فيما بعد بداية نوفمبر 2004 وبالتالي تم الحيلولة بين هؤلاء والمشاركة في اختيار مرشحهم وكثير من هؤلاء من أهالي الوليدية حيث أهلي وأنصاري.
** ضمت الجداول أسماء المئات من الوفيات رغم الادعاء بتنقيتها (لدينا صور شهادات الوفاة).
** تكررت أسماء المئات من الناخبين ومنهم من تكرر ثلاث مرات حتى الاسم الرباعي في أرقام متتالية .
** ضمت الجداول آلاف من الناخبين بدون محل اقامة وناخبين محل اقامتهم مدن جامعية واستراحات طلاب مما يعني أنهم من المغتربين المقيمن في أسيوط اقامة مؤقتة مثل طلاب الجامعة ولا يجوز قيدهم في الجداول.
** تم تسجيل ناخبين من شياخات بها موطن اقامتهم الى شياخات أخرى في مناطق بعيدة عن محل اقامتهم ** تم استثناء أسيوط من قرار القيد التلقائي لمواليد من عام 1982 وحتى مواليد 1986 وتم قصر تطبيق القرار على السنوات من 1984 وحتى سنة 1986 مما حرم آلاف الشباب من المشاركة في الانتخابات ومنهم أقاربي من الدرجة الأولى.
وهكذا كانت انتخابات الشورى التي يفصل بينها وبين انتخابات رئاسة الجمهورية شهور أربعة فقط وستجري بنفس النظام وستكون أسيوط إحدى دوائر هذه الانتخابات بذات الجداول الانتخابية الفاسدة وربما باشراف رئيس اللجنة القضائية التي أشرفت على انتخابات الشورى ، فماذا نفعل لكي نضمن انتخابات رئاسية نزيهة ؟!!
الحل من وجهة نظري هو في طلب رقابة دولية على الإنتخابات ، ومن يرفض مثل هذه الرقابة يضمر في نفسه شيئاً آخر !!
____________

أحمد هريدي محمد
رئيس تحرير الميثاق العربي الإلكترونية

www.almethaqalaraby.net
www.almethaq.8m.net
almethaq2004@yahoo.com
12/5/2005