مبارك والقضية الفلسطينية ومأساة شعب مصر !!
بقلم : أحمد هريدي محمد ـ صحفي مصري

16:59 27.07.02

   في تصريحات صحفية نشرتها جريدة الجمهورية القاهرية في عددها الصادر بتاريخ 27 يوليو 2002 أشار وزير الخارجية المصري أحمد ماهر إلي أن " الرئيس مبارك يكرس 70 في المائة من وقته للقضية الفلسطينية ويبذل كل الجهود من أجل رفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني وإنهاء الاستعمار "الإسرائيلي" لفلسطين وتحرير الأرض المحتلة منذ الخامس من يونيو عام 1967 وإقامة الدولة الفلسطينية والانسحاب إلي حدود 1967 وردا علي سؤال حول نتائج اتصالاته في واشنطن مع اللجنة الرباعية وحالة التفاؤل التي كانت سائدة لدي الوزراء العرب قال أحمد ماهر إن الموضوع ليس موضوع تفاؤل أو تشاؤم ولكن الموضوع أن هناك جهدا يبذل أحيانا يؤتي ثماره ويجب ألا نخفي هذه الحقيقة".

هكذا انحصرت رؤية مصر للقضية الفلسطينية فيما يسمى بحدود 1967 لتكون هذه الرؤية هي التي تشغل السبعين في المائة من وقت الرئيس مبارك !!

وقد سمعنا مرارا وتكررا عن النسبة المخصصة من وقت الرئيس مبارك للقضية الفلسطينية والتي أسفرت عن نتائج وأوضاع لا تحتاج إلى تعليق ..خاصة في عهد شارون الذي لا يقيم وزنا لما يصدر من تصريحات الشجب والإدانة ولا بيانات الاستجداء والاستنكار ، ولا يعترف بما يجري من مشاورات أو مباحثات !!!

لكن ماذا عن أحوال الشعب المصري من رعايا مبارك الذين يشغلون 30 في المائة من اهتماماته ..؟!!

لن أتحدث هنا من واقع الملفات والمستندات الموجودة بحوزتي كصحفي مصري ولكن سأقرأ معكم عناوين وفقرات مما جاء في الصحف الحكومية المصرية في يوم واحد عن حال مصر والمصريين ، ولنبدأ بمأساة أسرة مصرية نشرتها الأهرام عددها الصادر في 27 يوليو 2002 تحت عنوان : "الموت استهتارا وإهمالا" وهي رسالة في بريد الأهرام للدكتور ‏ محمد شميس الريس قال فيها :

اكتب هذه الرسالة بعد عودتي من تشييع جثمان شقيق زوجتي المهندس‏/‏ عبد الله الريس المدير العام بالمقاولين العرب ومعه حفيدتان من أحفاده إحداهما‏(‏ فيروز‏)‏ التي هي حفيدتي أيضا ـ وعمرها‏8‏ سنوات ـ بالإضافة لحفيدته الأخرى ‏(‏ آية‏)‏ ـ وعمرها عامان ـ وذلك بعد أن مات الجميع حرقا شهداء في حريق شب في السيارة البيجو التي كانوا يستقلونها‏,‏ إثر حادث اصطدام سيارة مرسيدس يقودها فتي أرعن مستهتر بسرعة جنونية بسيارتهم من الخلف قرب منتصف الليل‏..‏ فاشتعل تانك البنزين في السيارة البيجو وانفجر فورا ليحول السيارة إلي كتلة من اللهب‏..‏ وكانت الأم‏(‏ ابنة المهندس عبد الله)‏ تجلس بجوار والدها وقذفت بابنتها(‏ آية‏)‏ من الشباك بعد أن اشتعلت النيران في الجميع‏..‏ وبكل شهامة هرع رجال الجيش الذين في المنطقة التي تحيط بمكان الحادث لإنقاذ ركاب السيارة المشتعلة‏..‏ وأخرجوا المهندس‏(‏ عبد الله‏)‏ وابنته‏(‏ جيهان‏)‏ من الشبابيك‏..‏ ولم يفطن أحد لوجود حفيدتي وحفيدته الغالية‏(‏ فيروز‏)‏ في المقعد الخلفي‏..‏ وبرغم اشتعال النيران في ملابس المهندس‏/‏ عبد الله من الخلف بعد إخراجه من السيارة‏..‏ إلا أنه هجم علي السيارة المشتعلة مرة أخري ناحية المقعد الخلفي وقذف بنفسه في النيران يبحث عن‏(‏ فيروز‏)‏ وسط النيران‏..‏ فاشتعلت النار في ملابسه من الأمام‏..‏ وجذبه الناس مرة ثانية أبعدوه عن النيران‏..‏ ولكن بعد أن أصابته النار بإصابات بالغة في وجهه ويديه‏..‏ ولم يفطن أحد لوجود طفلة تحترق في المقعد الخلفي وسط الضجيج في مكان الحادث‏..‏ وإلي أن حضرت المطافئ والإسعاف بناء علي استدعاء الجيش لهما‏..‏ كانت‏(‏ فيروز‏)‏ قد تفحمت تماما داخل السيارة‏..‏ واستدعي رجال الجيش أقاربي عن طريق أرقام التليفونات المسجلة علي الموبايل الخاص بالمهندس عبد الله‏..‏ وسري الخبر بيننا‏..‏ وهرعنا جميعا إلي مكان الحادث بعد أن ذهبت الإسعاف بالمصابين لإدخالهم لأقرب مستشفي حكومي به قسم للحروق‏,‏ وهو مستشفي‏(‏ منشية البكري‏)..‏ وحضرت سيارة نقل الموتى التي استدعتها الشرطة‏..‏ وقمت بسحب جثة حبيبتي‏(‏ فيروز‏)‏ الغالية من السيارة‏..‏ وكانت متفحمة تماما‏..‏ وأخذت أنظر إليها في الظلام الدامس‏,‏ وأقول في حسرة‏:(‏ هل هذه هي فيروز الجميلة التي كانت تداعبني وتملأ علي حياتي؟‏!)..‏ وحملت مع رجال الإسعاف النقالة التي عليها رفاتها‏..‏ وذهبنا معهم لإيداعها في مشرحة زينهم حسب التعليمات الصادرة من الشرطة‏..‏ ثم ذهبنا جميعا لمستشفي منشية البكري‏..‏ وشاهدنا أقاربنا المصابين بحروق مفجعة‏..‏ وفجعنا اكثر عندما رأينا هذا الإهمال الجسيم والتخلف الإداري والفني في هذا المستشفي‏..‏ وكان المهندس‏/‏ عبد الله وابنته جيهان في غرفة واحدة بقسم الحروق‏..‏ غرفة شبيهة بالسجن‏..‏ والتكييف معطل‏..‏ والمريض المحروق لا يستطيع خدمة نفسه‏..‏ وبرغم ذلك فإن المصابين العزيزين راحا يناديان علي الممرضات ويصرخان ويستنجدان بأحد‏..‏ دون أن يستجيب لهما أحد‏..‏ والغرفة مملوءة بالنمل الذي غطي الجسد المحروق‏..‏ فقام المهندس عبد الله بعد الفجر من شدة الألم‏..‏ قام من علي سريره يريد الفرار خارج هذا السجن إلا أن قدميه ارتطمتا(‏ بكراكيب‏)‏ في الغرفة‏..‏ وهو شبه مخدر من الحقن التي أعطوها له‏..‏ فوقع علي الأرض وارتطمت رأسه بقوة في تلك الكراكيب وبالأرض‏..‏ فمات علي الفور‏..‏ هكذا قالت ابنته الراقدة في سرير بجواره‏..‏ وجاءت الممرضات علي صوت الارتطام‏..‏ وعندما وجدوه ميتا‏..‏ تركوه علي حاله علي الأرض وغطوه بملاءة سرير حتى جاءت النوبتجية الصباحية‏..‏ فحملوه إلي ثلاجة المستشفي‏..‏ أما حفيدته‏(‏ آية‏)‏ فقد أسلمت الروح من شدة الحروق بها‏..‏ وذلك في قسم‏(‏ الرعاية المركزة‏)‏ بالمستشفي‏,‏ وذلك بعد ساعات قليلة من وصولها‏..‏ ولم يفطن أحد من الممرضات لوفاتها إلا بعد أن أخبرتهم إحدى قريباتي بذلك والتي ذهبت في الصباح لرؤيتها‏..‏ وعندما ذهب زوج ابنتي والد‏(‏ فيروز‏)‏ وابن المهندس‏/‏ عبد الله للاطمئنان علي المصابين في الصباح‏..‏ وجد النمل يملأ جسد شقيقته‏(‏ جيهان‏)‏ فتشاجر مع الممرضة وأعطاها عشرة جنيهات لترعي شقيقته‏..‏ فأخذتها وأحضرت فورا علبة بيروسول وقامت برش أرضية الغرفة حول السرير لقتل النمل‏(‏ أين كان هذا البيروسول قبل دفع الرشوة‏)‏؟‏..‏ فقام الجميع باتصالاتهم حتى نقلوا هذه المصابة الوحيدة التي لاتزال علي قيد الحياة إلي مستشفي الحلمية العسكري بقسم الحروق‏,‏ حيث هناك فرق شاسع بين أسلوب رعاية المرضي فيه و مستشفي منشية البكري‏..‏ حتى وفاها الأجل المحتوم بعد بضعة أيام‏,‏ وفي النهاية أقول‏:‏ أهكذا يكون مصير‏(‏ إنسان‏)‏ في احدى المستشفيات الكبرى التي حكمت الظروف أن يدخله‏.‏

أننا نرجو من السيد النائب العام إصدار قراره بمنع الجاني الذي ثبت أنه كان يسير بسرعة‏180‏ كيلو مترا من الهرب خارج مصر بعد أن تم الإفراج عنه‏..‏ وذلك حتى ينال جزاءه لقتله أسرة كاملة لم يتبق منها غير زوجة مكلومة مصابة في صمام القلب‏..‏ وابنتي الملتاعة بعد تفحم ابنتها الغالية والوحيدة داخل السيارة‏..‏

التوقيع د‏.‏ محمد شميس الريس

والقارئ للرسالة يجد أن الضحايا هم أسرة مدير عام لكنه لا ينتمي إلى النخبة الحاكمة أو الطبقة الرأسمالية المتحكمة في مقدرات شعب مصر لهذا حدث لهم ما حدث من إهمال فماذا لو كانت هذه الأسرة من فئات معدومي الدخل في مصر الذين يتجرعون مرارة الإهمال يوميا في مواقع متعددة !!

وإذا واصلنا تقليب صفحات صحف يوم واحد في مصر فسنجد على صدر صفحات جريدة الجمهورية بذات التاريخ -27 يوليو - قضية من قضايا الفساد الذي تساقطت الأوراق الصفراء من شجرته بينما بقيت الأغصان والأفرع والبنيان القوي لتلك الشجرة التي تضرب بجذور قوية وظلال تتحكم في كل شئ تقريبا وتسللت إلى قطاعات عديدة حتى أنها لم تترك صرح القضاء آخر الحصون التي تترك أملا لشعب مصر .

ولنقرأ معا الخبر التالي :

"الأشغال 5 سنوات لوكيل النيابة المرتشي! طلب شقتين وسيارة من رئيس جهاز مدينة العبور مقابل التغاضي عن المخالفات المالية والإدارية!!

كتب عبد النبي الشحات:

قضت محكمة جنايات بنها بمعاقبة رأفت عبد العزيز سلامة وكيل نيابة إدارة بشبرا الخيمة بالاشغال الشاقة لمدة خمس سنوات.. لاتهامه بتقاضي رشوة من رئيس جهاز مدينة العبور.. الخ ".

هذا الخبر من ملامح الفساد الذي تسلل إلى ساحة القضاء المصري وكان من عناوين أخباره القاضي المتهم برشوة عبارة عن تليفون محمول ومعاشرة جنسية لسيدة عربية تبغي الحصول على حكم لصالحها ، والقضاة الثلاثة المحكوم عليهم في قضية رشوة إحدى مفرداتها طاقم أدوات مائدة , وهناك حالات لا مجال لحصرها .

أما صحيفة أخبار اليوم فسنجد على صفحاتها بذات التاريخ عدة أخبار عن حالات الفساد ومنها :
" البحث عن متهم خامس في قضية الرشوة الكبرى بالتليفزيون!
تبحث الأجهزة الرقابية حاليا عن متهم خامس يضاف إلي المتهمين الأربعة في قضية الرشوة الكبرى بقطاع الأخبار وهو طبيب تكرر ظهوره في برنامج 'صباح الخير يا مصر' خلال شهر يونيو الماضي أكثر من 4 مرات وكان يتم تقديمه علي انه استشاري أمراض جلدية وتجميل.. وقد وردت معلومات لأعضاء الرقابة الإدارية تؤكد أن الطبيب كان يدفع ثلاثة آلاف جنيه مقابل استضافته لمدة 10 دقائق في برنامج 'صباح الخير يا مصر' ليتحدث عن جراحات التجميل مثل تصغير الأنف وتكبير الثدي وشفط الدهون. ويجري حاليا تحديد اسم المعد الذي كان يستضيفه. "

وكان هذا الخبر يتحدث عن فضيحة الرشوة المتهم فيها محمد الوكيل رئيس قطاع الأخبار بالتليفزيوني المصري ، ورئيس قطاع الأخبار هو المتحكم في كل ما تم حشوه من أخبار في أدمغة الشعب المصري الذي لاتعلم أغلبيته أي الأخبار كان إعلانيا وأيها كان إعلاميا وأي الضيوف الذي اخترقوا بيوت المشاهدين في أنحاء العالم عبر الشاشة المصرية دخلوها إعلاما أم بأموالهم فرضوا أنفسهم علينا ؟!.

ومن توابع قضية الرشوة الكبرى في التليفزيون نقرأ في أخبار اليوم أيضا : توابع قضية الرشوة الكبرى بماسبيرو
إيقاف 15 مندوبا عن العمل والرقابة الإدارية تفحص ملفاتهم

كتب محمد حسن :

بدأت الشئون القانونية باتحاد الإذاعة والتليفزيون إجراء تحقيقات موسعة مع 15 مندوبا بقطاع الأخبار من بين 27 مندوبا تضمهم إدارة المندوبين وذلك عقب صدور قرار حسن حامد رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون بوقفهم عن العمل بناء علي تقارير الرقابة الإدارية التي أشارت إلى تورطهم في تقاضي عمولات ورشاوى من الوزارات والهيئات الموفدين إليها مقابل تغطيتهم الإخبارية لأنشطة هذه الجهات..الخ ".

ومن الفساد الإعلامي الذي انتشرت فيه الرشوة بكافة أنواعها ومنها الرشوة الجنسية التي تتم محاكمة مخرج تليفزيوني متهم بها إلى فساد من نوع آخر , ونقرأ في جريدة الجمهورية متابعات لقضية رئيس قسم طب الأسنان بجامعة القاهرة المتهم بهتك عرض بعض المترددات على عيادته وجاءت هذه العناوين :

مواجهة ساخنة..بين طبيب الأسنان الذئب..وضحاياه
الدكتور طلب إحضار "بنت سوداء"..مهما كان الثمن!!
آية ورباب وإيمان وزيزي .. وصفن العلامات المميزة .. في جسده
مفاجأة الطب الشرعي :آية..عذراء!!
يبدأ بنظرات الحب.. ثم يغرقنا في الجنس الجماعي !
المجلات وشرائط الفيديو لجذب الفتيات وفجأة يظهر "عارياً"!
د.أيوب : أنا ضحية مؤامرة..من أعدائي !!
ولم يترك الفساد الوسط الرياضي بعيدا فطالعتنا الجمهورية بقضية أخرى تحت عنوان :
" اتحاد الكرة يتهرب من فضيحة رومانيا
إبراهيم يوسف يدافع.. فواز يهدد.. شوبير يطالب بـ "الحل"

كتب ـ جمال المكاوي

كلف اتحاد الكرة أحمد شاكر عضو مجلس الإدارة والموجود حالياً في رومانيا رئيساً لبعثة المنتخب الوطني الأول بإعداد ملف كامل من التحقيقات الرسمية التي يجريها اتحاد الكرة الروماني حالياً في فضيحة التزوير واللعب مع فريق من الدرجة الثانية هناك مباراتين أمام منتخبنا الأوليمبي مرتدياً الزي الرسمي للمنتخب الروماني باسم المنتخب الروماني الأوليمبي.".

هذه العناوين والسطور التي طالعناها كانت عينة مما تنشره صحف الدولة عن الفساد الذي تسبب في تدمير المجتمع المصري وأرهق كاهل أبناء مصر .

ورغم أن ما يتم ضبطه والإعلان عنه من قضايا فساد هو جزء من وقائع يتم التعامل معها بشكل انتقائي فإن الواقع المصري متخم بالكثير من الأوجاع والأمراض المزمنة التي لا يكفيها نسبة الـ 30 في المائة من وقت رئيس مصر الأمر الذي يدفعنا إلى المطالبة لشعب مصر - بسكانه الذين اقتربوا من السبعين مليونا - بنصيب أوفر من وقت الرئيس مبارك حتى لو كان بقسمة العدل بين مصر وفلسطين ، حتى لا تصدق في أحوال مصر مقولة القائل في مفاوضات السلام ( يا خوفي ترجع سينا وتخرب مصر) !!

أحمد هريدي محمد ـ صحفي مصري
عنوان الكاتب ahmedharidy2@hotmail.com