الأباريق المهشمة .. وسلطة اللصوص
بقلم : د . مـحمود عـوض

تاريخ النشر : 14:08 2005-03-04


رحل عرفات وترك خلفه كومة من الزبالة والعفن والأباريق المهشمة .. هذه الكومة يمكن إختزالها في عبارة واحدة هي ، "السلطة الفلسطينية" ، علماً بأن هذا المولود المسخ المسمى زوراً بالسلطة الوطنية الفلسطينية ، ليس فيه من سمات الوطنية أي ملمح ولا هو فلسطيني المنبت والأصول ، وإنما هو مجرد تنظيم لحثالة ترعرعت في ظل مناخ جمهورية الفاكهاني وعلى تراث ، هو أشبه ما يكون بتراث سكان الأدغال الذين يقيمون حلقات الرقص فرحاً باصطياد أحدهم للآخر ، تمهيداً لقطع رأسه من أجل استخدام جمجمته في تزيين واجهة خيمته ، كذلك هي حلقات الدبكة التي يقيمها أفراد الحثالة الأسلوية ، بهدف أن ينال كل من يتقن الرقص على وتر مزمار الرمز المروض ، نصيبه من لحم الضحية المتمثلة في الشعب الفلسطيني وأرضه وسمعته .

هكذا رحل رمز ليترك للرمز الجديد جيشا عرمرا من الراقصين الذين جاءوا من الخارج وآخرين ممن تعلموا مهنة الرقص وتم انجابهم في الداخل ليشكلوا معا أكبر مافيا سياسية في التاريخ الحديث .

هذه المافيا خلقت وهماً على الصعيد السياسي بأنها أسست سلطة ، أو على الأقل برعم سيتفتح ليكون مشروع دولة وبهذا أضفت على نفسها هالة "الكفة المقابلة" للكفة "الإسرائيلية" في الميزان وأنها طرف يقابل طرفا وندا مقابل ند ، بينما الحقيقة على أرض الواقع تقول ، بأن أزلام اوسلو ليسوا سوى أباريق مهشمة في مراحيض "إسرائيل" العامة ..

كل هذا الذي سردته لا جديد فيه فهو معروف للقاصي والداني داخل فلسطين ولكنه غير معروف لدى الكثير من فلسطينيي الشتات واولئك الذي يعيشون خارج فلسطين ، فهؤلاء يسمعون بـ "الحبة فيظنونها قبة" وهذا هو ما يلحق ضرراً سياسياً جسيماً بالفلسطينيين أولا وبالعرب عامة .

فالعرب من خارج فلسطين حين يسمعون بهذه الزوبعة حول تشكيل وزاره ، تذهب بهم الظنون بأن في داخل فلسطين حراك سياسي ناتج عن حيوية لوجود سلطة على الأرض وهنا لا يصح سوى ضرب المثل القائل ((اللي بعرف بعرف واللي ما بعرف بقول الكف عدس)) ، من حيث أن ما يظنه الناس حراكاً سياسياً هنا أو أزمة هناك ما هي إلا صرخات يعبر من خلالها اللصوص ، عن فرحتهم بقرب موعد تقاسم الغنائم ، وها هم ومع اقتراب انسحاب "إسرائيل" من مستوطنات قطاع غزة ، قد بدأوا بالفعل ، بإطلاق صرخات الفرحة المعهودة .. أما فيما يتعلق بصراخ المعارضين منهم ، فهو لا يتعدى كونه صراخ الشاعر بظلم الشريك الذي لم يمنحه حصته من الغنيمة .. فيما المؤيدون ، فهم من نالهم موقع يوفر لهم فرصة أكبر لمزيد من النهب والسلب والإنغماس في الدعارة .

فهذا الرجل الإسمنتي الذي أوكلت إليه مهمة تشكيل الوزارة ، احمد قريع ، هو شخص مفضوح ومكشوف في طول فلسطين وعرضها وحكايات خالته (صالحة) ، تتداولها الألسنة في مدينة بيت جالا ، ناهيك عن عقود توريد الباطون للمستوطنات .

الغريب العجيب ، أن رموز الفساد القدامى ، صاروا يستغلون معمعة التناحر الحالي ، للخروج على الشعب بتنظيرات حول إصلاح مزعوم ، ولكي يهضم المواطن بأسنانه المكسرة ، وجبات خداع هؤلاء ، تراهم يروجون لأكاذيب مفادها ، أنهم لم يكونوا راضين عما كان يجري في السابق ، مثل نبيل عمرو الذي فتح دكانة "الحياة الجديدة" وسخرها لخدمة أسياده في عمان ولتمجيد كل جهة تمنحه حقيبة مالية أو وزارية ، أما إذا تم حرمانه فساعتها تقوم القيامة ويخرج شاهرا سيفه بزعم تقويم السلطة .

خذوا مثلا آخر ، الطيب عبد الرحيم ، فهو نادرا ما يستفيق من السكر والعربدة لكن في بعض حالات وعيه يعتلي المنابر واعظا ومرشدا .

ورفيق النتشة الذي وصف السلطة في زمن عرفات بأنها سلطة (جلا جلا) بل وقال إن عرفات هو المسؤول عن الفساد .. نفس هذا التنظير قاله بعد عودته بموجب اتفاق اوسلو فتساءل ذات يوم (أي رئيس هذا الذي يتنقل بتصريح) ولكن رفيق بعد أن قذفه عرفات بحقيبة وزارية هدأ واستكان وقبل بالذل والهوان وها هو يعيد تكرار ماضيه ، وكأن شيئاً ما كان .

هؤلاء هم مجرد نماذج من قائمة طويلة لرموز الفساد والنفاق وهم جميعا إما أعضاء في لجنة مركزية أو ثورية أو غير ذلك من مسميات جمهورية الفاكهاني وشاليهات الشط في تونس .

شعب فلسطين اليوم ، أمام معضلة عويصة ، لا ينفع معها سوى إستئصال الورم الخبيث من جذوره والورم الخبيث هو (السلطة ذاتها) فحل السلطة بكل ما أفرزته من وزراء وأعضاء نشريعي هو بداية الطريق لمنجزات حقيقية .

اليوم ، وإذا صح القول بأن غالبية وزراء "حكومة" قريع ، ليسوا من مخلفات عهد الفساد السابق ، فهذا لا يعني بتاتا أن اللصوص تابوا واهتدوا بل هي مناورة تسبق إنتخابات البلديات والمجلس التشريعي ، فهم ، أي لصوص اوسلو ، تنبهوا إلى حقيقة أن الشعب سئمهم وكرههم حتى العظم ، وأن أملهم بالفوز في أية إنتخابات قادمة هو كأمل إبليس في الجنة ، فخرجوا الآن للمزايدة سلفا ، يتقدمهم صائب عريقات الذي يظهر زهدا في المنصب الوزاري مع أنه لا يتورع عن شغل منصب جرسون في أي ملهى ليلي بتل أبيب .. عجبا لهذا الزهد ، وأين كان ولماذا لم نلمسه من صائب ، حين كان يسرق عشرة صاغ مصري من جيوب زملائه ، أثناء دراسته في القاهرة ؟؟!!

شعب فلسطين اليوم ، أمام فصول مسرحية نصب واحتيال جديدة ، وهذه تتمثل في تظاهر "المستوزرين" بالعفة والزعم بإيكال الأمور إلى التونكراط من باب القول (أعطي الخبز للخباز) ولكن غاب عن هؤلاء أنه لا يوجد في الأصل لا خبز ولا خباز ولا حطب ولا فرن .

يقال نقلا عن مستشفيات الولادة في فلسطين أن كثيرا من المواليد الجدد الإناث أطلق عليهم آباؤهم إسم (كفاية) ... أجل كفاية ..

د . مـحمود عـوض