في مليون "داهية"
بقلم : د . مـحمود عـوض

تاريخ النشر : 13-10-2004


وفق كل معطيات ما بعد اوسلو عموما وفي هذه الأيام خصوصا فإن عرفات وبطانته وضعوا أنفسهم في بوتقة القول المعروف (نحن أو الطوفان) وعلى ذلك إختطفوا الشعب والأرض كرهينة في أيديهم وأخضعوها لحساب إختزال بائس وقح وهو (الرمز والقائد وشرعيته التاريخية) وما إلى ذلك من إضفاء هالات القدسية والتبعية لرجل قاعد ومقعد معتزل ومعزول إسمه ياسر عرفات .

ومن حول هذا العجوز المرتعش أقامت بطانته ساحة للدبكة وتقديم القرابين وإطلاق البخور أسموها وأطلقوا عليها السلطة ووزعوا فيها ضمن مراسم من الشعوذة السياسية الألقاب والمناصب فهذا وزير مفاوضات وذاك وزير إتصالات وفلان مستشار وعلان وكيل أو جنرال وأما الرعية أو الشعب فحدث ولا حرج ..

وضع كارثي لم يسبق أن تكرر في تاريخ أي شعب .. وهزيمة تحدق من كل جانب بينما هؤلاء وعلى رأسهم عرفات ما زالوا يتقيؤون التصريحات ويمتطون الشعارات ويحدثون الناس عن صولاتهم وجولاتهم .. بل ولا يشعرون بالخجل أو أدنى درجة منه فيطلعون يوميا على الفضائيات ببزاتهم الأنيقة وربطات أعناقهم المستورده ليزيدوا من حجم القرف منهم ومن رمزهم ومن ماضيهم وحاضرهم .

وفق كل تنظيراتهم هذه الأيام فإن الخوف يتملكهم من أن يحقق شارون هدفه في القضاء على (السلطة) وهي حسب ما نستشف من أطروحاتهم (أساس البناء لما يطلقون عليه المشروع الوطني) وحين يتمعن المرؤ في هذه المقولة فسرعان ما يستلقي على ظهره من شدة الضحك ذلك أن شارون أحرص منهم على إبقاء هذا المسمى (السلطة) فهي ورقة التوت التي يستر بها عورته السياسية وهي الورقه التي ترتسم فوقها صورة عرفات بأنه المطلوب الأول لشارون مع أنها في متناول عورته وعلى مسافة أصابعه بقدر مسافة أي يد عن مؤخرة وأعضاء تناسل صاحبها ولكن شارون يقبض أصابعه عن إنتزاع ورقة التوت مكتفيا دوما بالإشارة إليها لتجسيد الوهم بأن السلطة هي سلطة أي أنها طرف يقارع طرفا آخر ومن هنا يحصل شارون على شرعية القتال والعربدة .

إن الطريق للخروج من المأزق الكارثي سهل وميسور وهو طريق يعبر عنه الشعب الفلسطيني منذ فترة عبر الهمس الجماعي بأن (الإحتلال أفضل من هذا الإختلال المسمى بالسلطة) وبأن عرفات الزمن الماضي أصبح أثرا بعد عين وبأن بطانة عرفات هي مافيا عاثت وتعيث فسادا في الأرض وفي العرض بالطول وبالعرض .

إنهاء أو حل السلطة هو اليوم أساس الخروج من عتمة النفق وهو بات مطلبا مصيريا ملحا وتحرص اسرائيل ومعها الولايات المتحدة على إقصاء هذه الفكرة (حل السلطة) عن الذهنية السياسية الفلسطينية وربما كان وما زال من أكبر أخطاء حماس والجهاد وغيرهما من المنظمات غض الطرف عن بقاء السلطة بل والذهاب أحيانا إلى مغازلتها وأحيانا إلى إعنبارها أداة وطنية بينما هي في الواقع إنجاز سلبي بكل معنى الكلمة .

يقولون أن حل السلطة سيفقدنا مكاسب الشرعية الدولية المتمثلة في فتات أوسلو ولذا فإن نبيل شعث سيفقد لقب وزير الخارجيه وأن نبيل أبو ردينه سيفقد لقب المستشار وأن نبيل عمرو يكفيه أنه فقد ساقه فهل المطلوب أن يفقد أيضا تمويل جريدته ودلع سكرتيراته وأين سيذهب العقيدان الرجوب ودحلان . وماذا سيكون مصير شركة باطون احمد قريع ؟

لا شك أن حل السلطة سيلحق الأذى ببطانة السوء ولذا كان لا بد من البحث عن طريق ثالث على طريقة (لا يموت الديب ولا تفنى الغنم) وهذا الطريق هو نوع من الإجتهاد يتوجب منا التمعن فيه وهو أكل الكعكة مع الحرص على بقائها وذلك يوصلنا إلى هذا الإجتهاد أو الإقتراح .

الإعلان عن تجميد السلطة في الداخل ونقلها لتكون (سلطة في المنفى) يتم إيكال أمرها لأي جهة فلسطينية في الشتات ويتزامن مع ذلك الإعلان عن تجميد إتفاقات اوسلو هكذا نصل إلى سياسة (الثلاجة) أي التجميد وهو أمر سيضع اسرائيل في حيص بيص ويكشف عورة شارون والإحتلال وتظهر الصورة على حقيقتها وهي أن الإحتلال شمولي يطبق على الأرض والشعب وهو ما سيعيد الأمور إلى نصابها الواقعي والصحيح وحينها تكون اسرائيل ملزمه بما يتوجب عليها وفق معاهدة جنيف كدولة تحتل شعبا آخر وليس كطرف يقاتل طرفا آخر .

طبعا هذا الإقتراح لن يلقى القبول من أصحاب المعالي الوزراء في السلطة قهم سرعان ما سيقولون (ونحن أين سنذهب والرئيس ماذا يكون مصيره وسهى في باريس كيف يتم تمويلها وياسر عبد ربه أين يجد منبرا للتشدق ونبيل عمرو ألا يفقد حينها مهرجانات تعد وتحضر لعودته من المشفى وغسان الخطيب لمن سيدلي بتصريحاته .

والكارثة الكبرى هي جميل الطريفي كيف يكون حاله حين لا يسمح شلومو له بالتوقيع نيابة عنه .

لهؤلاء يكون الجواب مختصرا ومفيدا (أين ستذهبون .. في مليون داهية) .

د . مـحمود عـوض

الدكتور محمود عوض مع التحيات