الإنتخابات اللبنانية ... فيلم أميركي طويل
بقلم : د. محمـد احمـد النـابلسي *


      تتوالى مشاهد الفيلم الأميركي الطويل بتوالي مراحل الإنتخابات اللبنانية وإعلان التحالفات واللوائح. وبذلك تسللت الوصاية الأميركية الى البلد عبر الفصول التلية:
1. تدخل دول الوصاية في فرض توقيت الإنتخابات. فصحيح أنها تجري في مهلتها الدستورية إلا أنها تجري بعد قائمة من الزلازل الموجبة لتأجيلها. بدءاً بإغتيال الحريري وصولاً إلى مظاهر الإنقسام الداخلي مروراً بالإنسحاب السوري. ونحن معشر الأطباء إعتدنا تأجيل العملية الجراحية إذا إعترضت المريض أية إنتكاسة صحية.
2. التدخل الأميركي والفرنسي في إعادة تنظيم الأجهزة العسكرية والأمنية اللبنانية. وذلك قبل إغتيال الصحفي سمير قصير. الأمر الذي يطرح السؤال حول جدوى هذه التدخلات أو حتى أسئلة أخرى...
3. فوز لائحة زوار باريس وواشنطن بما يشبه التزكية.
4. قدرة تدخل الوصاية لدعم مرشحين هامشيين على حساب إلغاء قوى سياسية أساسية على الساحة اللبنانية السياسية.
5. السيطرة الأمنية الأميركية على وسائل الإعلام المتعاطية بالشأن اللبناني. وتوظيفها لإعادة شحن إصطفاف 14 آذار بعد تفكك أركانه وإنفجار تناقضاته.
6. تحويل قضية إغتيال الحريري الى حائط مبكى لإطلاق أفكار الوصاية وهي عبارة عن مجموعة شعارات ودعوات تتحدى التراث الفكري والديني لقطاعات واسعة من اللبنانيين.
7. تكريس التواطوء على إبدال إتفاق الطائف بالقرار 1559 وطرح بنوده للتنفيذ.
8. إطلاق حلف بغداد جديد من بيروت. عبر إعلانات اميركية تلبس قناع المعارضة اللبنانية التي لم نعد نعرف لها دلالة أو تعريفاً بعد تسلم المعارضين للسلطة وتدخل الأميركيين والفرنسيين في سياستنا وأجهزتنا الأمنية.
9. إطلاق تصنيف أميركي جديد للتوريث السياسي. حيث وجدت فئة ترث السياسة بدعم المخابرات الأميركية. وعلى طالبي الإرث أن يراجعوا شروط هذه الوراثة وشروط دعمها أميركياً.
10. الإستخفاف بعقول الناس بإعتبار إنتخابات بيروت ديمقراطية. فلو صحت هذه الديمقراطية لأمكن الإستغناء عن نصف سكان بيروت وتهجيرهم منها. فنتائج لائحة سعد تجاهلت أكثر من نصف سكان بيروت. وهو ما تؤكده نسبة الإقتراع وتطبيق نظام النسبية على نتائج انتخابات بيروت. وهذا التطبيق يؤكد خرق اللائحة بثلاثة مقاعد على الأقل.
11. كاريكاتورية التحالفات الإنتخابية التي تجاوزت التناقضات السياسية والتاريخية والمعيشة. كما تجاوزت تصنيف 14 آذار حتى بدت اللوائح وكأنها نكات مضحكة أو مفارقات مفروضة رغم لاواقعيتها.

بعد كل هذه المعطيات هل لنا ببعض العقلانية لمناقشتها؟. وهل تمكن إعادة طرح بعض الأسئلة البديهية لمجرد التوجه نحو موضوعية فكرية تنبهنا الى شرور بقية مشاهد الفيلم الأميركي الطويل في لبنان؟. من هذه الأسئلة نذكر التالية:
1. هل كان المرحوم الحريري يحظى بإجماع الجمهور اللبناني؟. بل هل كان يحظى بمثل هذا الإجماع داخل طائفته على الأقل؟.
2. هل خسر تيار الحريري انتخابات بلدية صيدا (مسقط رأس الحريري)؟.
3. كيف نفسر الرواتب والشيكات التي كان يدفعها الحريري لأقطاب سياسيين لبنانيين وفي مقدمتهم وليد جنبلاط ولا يزال؟.
4. هل إعترف الحريري تكراراً وأمام عشرات الشهود ب " عقدته الطرابلسية ". لغاية فشله في إيجاد شخصية طرابلسية مقبولة تتعاون معه؟.
5. هل سحب الحريري مرشحه الطرابلسي للعام 2000 ليعود فيتحدى طرابلس ( التي رفضته نائباً ) بتنصيبه وزيراً. وذلك إنطلاقاً من العقدة الطرابلسية - الحريرية إياها؟.
6. هل تفجرت العقدة الطرابلسية عند الحريري الوريث بإعلانه عن مناطق شمالية لم يكن مسموحاً لوالده بزيارتها؟. وهل تراه يريد الإنتقام لوالده من العقدة الطرابلسية؟.
7. هل يراجع الأستاذ سعد الحريري نسبة الهامشيين والنفعيين والمرتزقة والإنتهازيين في تيار والده الموروث؟.
8. هل يراجع الأستاذ سعد الحريري السرقات التي رافقت جنازة والده من داخل وخارج التيار وقياداته الإفتراضية؟.
9. هل يملك سعد القدرة على تحمل الضغوط التي كان والده يحتملها؟.
10. هل من الصحي أن يستمر سعد في سياسات والده بعد إغتيال الحريري؟!. وما هو مقدار التهور بإعتماد الوريث لمواجهات كان الراحل يتجنبها؟!.
11. هل بات الشعب اللبناني مقسماً الى موال لتيار الحريري ومخالف له!؟. وفي القسم الموالي هنالك قدامى التيار والمؤمنون الجدد الداخلون عبر تظاهرة 14 آذار!.

بعد هذه الأسئلة هل يمكن إلقاء نظرة على المشهد السياسي اللبناني خلال هذه الإنتخابات؟. حيث يتبدى لنا هذا المشهد ملبداً بغيوم طائفية ماطرة مخيفة. إذ اعربت أكثر من طائفة لبنانية عن غضبها من الواقع الذي تتكشف عنه هذه الإنتخابات حيث نلحظ التالي:
1. الطائفة المارونية: التي أعلنت على لسان البطريرك صفير رفضها لمشاهد عديدة من الفيلم ومنها: إنتخاب النواب المسيحيين من قبل غير المسيحيين وتحديداً تحكم الحريري بمقاعد بيروت المسيحية. وتشكيل لوائح الجبل في قريطم. والمساس بمقام الرئاسة الأولى... الخ من الإعتراضات التي يتحملها الأستاذ سعد ويحمل وزرها للسنة بإيحاءات جنبلاطية. وتجلت هذه الإعتراضات بالمقاطعة المسيحية لإنتخابات بيروت وكذلك في إنتخابات الحنوب.
2. الطائفة الأرمنية: سئل الأستاذ سعد عن سبب إقصاء حزب الطاشناق ،وهو الذي يمثل 95 % من أرمن بيروت، عن انتخابات بيروت فأجاب: " وهل أشرك معي من لم يشارك في مظاهرة 14 آذار؟! ". فهل أصبحت المشاركة في التظاهرة معياراً لدخول البرلمان ولإقصاء طائفة بأكملها!؟.
3. الطائفة الشيعية : بدت مظاهرات عقب اغتيال الحريري ( بتدبير أمني أجنبي) وكأنها إصطفاف سني – درزي – مسيحي في مواجهة الشيعة. وكانت مظاهرة حزب الله مواجهة لهذا الإصطفاف. ثم جاء التحالف المفاجيء بين الحريري وحزب الله ليزيد إرباك العلاقات السنية – الشيعية. حيث بدا التحالف وكأنه التفاف على الزعامات السنية الفاعلة.
4. الطائفة الدرزية: حيث لا يمكن الإطمئنان الى التقلبات الجنبلاطية. وحيث الفرع الارسلاني معارض حاد للتدخل الحريري.
5. الطائفة السنية: حيث لا يمكن تجاهل تعاطف السنة مع الإغتيال الدرامي لأحد أهم شخصيات الطائفة. لكن هذا التعاطف لا يبرر جملة إعتراضات سنية على تفاصيل سلوك آل الحريري ما بعد الإغتيال. وهي اعتراضات بلغت حدود عزوف رموز الطائفة عن الترشيح لهذه الإنتخابات. وهذه الرموز غير مرشحة للإلغاء بمظاهرة من هنا وتظاهرة من هناك. وأعتقد أن السذاجة السياسية لا يمكنها أن تصل الى حدود التفكير بإحتكار تمثيل الطائفة بتوجيهات جنبلاط – جوني عبده والمخابرات الأميركية من ورائهما. ولنراجع في ذلك العقدة الطرابلسية – الحريرية المتجلية بمرشحي الحريري في طرابلس الذين لا تكفيهم هستيريا الفولارات والتظاهرات ومعها المال الإنتخابي للحصول على القبول الطرابلسي. أما عن الإعتراضات السنية على سلوك الوريث وجهابذة تياره فهي التالية:

- رفض الطائفة التخلي عن زعاماتها العريقة لغاية إبعادها عن جنازة السني الحريري ومحاربتها بالمال الإنتخابي وتحالفات عوكر حتى دفعها للعزوف عن الترشيح.
- رفض الطائفة دفع فواتير غضب الطوائف الأخرى بسبب محاولة قريطم إختراق هذه الطوائف والمس بزعاماتها على غرار المس بالزعامات السنية. فما لاتقبله الطائفة لنفسها لاتقبله لغيرها.
- رفض الطائفة تمثيلها وإختصارها بمن حضر من شخصيات غير واقعية التمثيل لكنها متوافرة في تيار الحريري.
- رفض الطائفة لتصنيف 14 آذار الذي يحاول الوريث إدخاله الى صفوف الطائفة. فمقاطعة تلك التظاهرة ،رغم تسويقها الهيستيري، لاتقتصر على معارضي السياسة الحريرية بل تضم فئات سنية غير راضية عن الممارسات حول الضريح والتي لا تريح سنياً في مرقده.
- رفض الطائفة الدخول في المشروع الأميركي للمنطقة. بدليل إستمرار تعاطفها مع مقاومي هذا المشروع في العراق وغيره.
- بعد المعتقدات السنية عن مبدأ المنفعة والانتهازية الذي يسوقه الأستاذ سعد.
- حاجة الطائفة الى زعامات ناضجة ومؤهلة. وهي حاجة متنامية بعد فقدها للحريري. وهي لا تحتمل جرعة المراهقة السياسية التي تدمغ سلوك سعد وتصريحاته المتعجلة والمندرجة في إطار هفوات الكلام.
- ترفض الطائفة تحالفات الحريري المخالفة للطبيعة بمبرر توسيع كتلته النيابية وزيادة حظوظ مرشيحه.
- ترفض الطائفة شهادات الزور التي سيدلي بها البرلمان القادم. وهي شهادات داعمة لإنخراط لبنان في المشروع الأميركي. وعليه فان الطائفة تريد حصتها في المجلس ولا تسعى لتصدره كما يسعى الأستاذ سعد.
- إن الطائفة لا تشعر بأي عرفان للمتاجرين بدم الحريري والمشاركين في 14 آذار لتحقيق مآرب ومطالب خاصة بهم. وهو عرفان يبدو راسخاً لدى سعد.

* الدكتور محمد احمد النابلسي
رئيس المركز العربي للدراسات المستقبلية

07/06/2005