إغتيال الطائفة السنية في لبنان
بقلم : د. محمـد احمـد النـابلسي *


      يباهي السنة في لبنان بعدم تورطهم في الحرب الاهلية على مدى سنواتها السبعة عشر. وتباهي المعارضة بتنظيمها لمظاهرة بدون مشاكل. ويرفض السنة اسقاط حقهم في اغتيال شهيدهم رشيد كرامي في حين ارتكبت المعارضة مجزرة صبرا وشاتيلا واوقعت آلاف القتلى انتقاما لاغتيال بشير الجميل.

خسارة السنة من مظاهرات استغلال اغتيال الحريري كبيرة. فاذا كان صحيحا غياب العنف الجسدي عن تلك المظاهرات فان العنف العنصري كان حاضراً بصور متطرفة اهمها التالية:

1. العنصرية ضد الشعب السوري: حيث يمكن لاميركا احتلال سوريا على طريقة العراق وتنصيب بريمير عليها دون ان ينسى الشعب السوري هذه العنصرية الجارحة ضده. والتي اطلقت في جنازة رئيس من الطائفة السنية. وهي الطائفة الاكثر تضرراً من الغضبة الشعبية السورية. كون سوريا العمق الاستراتيجي لهذه الطائفة بغض النظر عن طريقة حكمها. أما الطوائف الاخرى فان لها خيارات بعيدة عن سوريا. بل هي تتمتع بحدوث مثل هذا الشقاق مع الشعب السوري.

2. عنصرية النوعية: التي اطلقها النائب بيار الجميل معتبراً ان المسيحيين متفوقين نوعياً على المسلمين. وهو إعتبار لم يمنع تيار الحريري من التحالف معه ومع القوات اللبنانية التي اغتالت رشيد كرامي وارتكبت مجازر صبرا وشاتيلا وغيرها من المجازر. بل أن تيار الحريري يدخل على خط الوساطة لاسقاط حق آل كرامي واطلاق جعجع قاتل كرامي. ويتبع هذه الوساطة بالتحالف والمشاركة في مهرجانات القوات اللبنانية بهتافاتها العنصرية.

3. العنصرية المذهبية: جهدت المعارضة لاستغلال جنازة الحريري كمظهر لتحالف سني مسيحي ودرزي ضد الشيعة. وهذا التحالف لا يفتقد فقط للحقيقة وانما للواقعية. فمراجعة تاريخ الطوائف اللبنانية يبين احقاداً تاريخية تنفي قيام مثل هذا الحلف. وهذا ما اظهره الوقت حيث تفتتت المعارضة الى فتات داخل المذهب الواحد.

4. عنصرية التوحد بالمعتدي: استمدت فئة من المتظاهرين عنصريتها من عنصرية الاجانب المتدخلين في تنسيق التحركات السياسية للمعارضة. حيث تمت السخرية بالعرب والعروبة وحتى بالديانات وبطقوس الجنازة وحرمة الضريح.

      بعد كل ذلك تجد من يجادل في كون هذه التظاهرات حضارية ومسالمة. مع ان العنصرية الممارسة فيها كانت وحشية وكفيلة باعادة الشحن الطائفي وتهيئة الاجواء لحرب اهلية جديدة قد يكون من الصعب تجنبها لو استمرت الامور على حالها. خاصة لجهة الخنوع للأوامر الأميركية وللمندوب السامي الاميركي فيلتمان والفرنسي ايمييه. وهؤلاء وجدوا في رغبة وراثة الحريري والتزاحم عليها فرصة لتنصيب الورثة قادة للطائفة السنية. وهو توظيف يعادل اغتيال الطائفة. وهو إغتيال مر بالمراحل التالية والتي لم يعد يمكن للطائفة التغاضي عنها:

1. وضعية مفتي الجمهورية اللبنانية: فالمفتي هو موظف لدى الدولة اللبنانية فهل تعجز الطائفة عن تأمين راتب المفتي لتتركه موظفاً خاضعاً لشروط الوظيفة؟. وهل لاقى الرئيس الحريري صعوبة مالية في تأمين راتب المفتي رغم المليارات المصروفة؟. أم أن وراء الأكمة ما وراءها مما لايجوز نقاشه علانية؟. ألم يطالب الرئيس كرامي ومنذ العام 1992 بإعفاء المفتي من حرج الوظيفة؟. ولماذا تجاهلوا هذا الطلب؟. والى متى تقبل الطائفة استمرار هذا الوضع المذري لمفتي الجمهورية وبقية مفتي المحافظات؟.

2. تصفية الزعامات السنية: وذلك على مدى اثني عشر عاماً من حكم الحريري. وذلك بدءاً بابعاد الرئيس الحص وبالانقلاب المقاصدي على تمام سلام وبالوقيعة بين كرامي وسوريا. وهو مسلسل يتابعه الخلف بتحدي زعامات الطائفة وصولاً لامتناعها عن الترشيح. مع تثبيت السيدة بهية الحريري في مقعد صيدا انسجاماً مع مباديء حقوق المرأة على النمط الأميركي. عداك عن تحكم السيدة نازك بالانفاق على فقراء الطائفة ومعوزيها وأذلائها.

3. التنازل عن حقوق الطائفة: وهنا نقع على سلسلة من التنازلات يصعب حصرها ومن أهمها نذكر: رئاسة رئيس الجمهورية الدائمة لمجلس الوزراء وسكوت الحريري على ذلك لتمرير مصالحه الشخصية ومصالح شركائه اللبنانييين والعرب. وهو ما لم يقبله كرامي في حكومة الثلاث أشهر.
-   تورط الحريري في علاقات تجارية وسياسية مع الأمنيين السوريين (راجع مقالة حسن صبرا في الشراع حول تفاهم الحريري – غازي كنعان على لائحة بيروت في انتخابات العام 2000). في حين رفض الرئيس كرامي أن تكون علاقته مع غير الرئيس السوري نفسه. فمن يرشح لتهمة العمالة لسوريا بينهما؟. إذا جازت هذه التهمة بعد نتوء فيلتمان وإيمييه.
-   إبراز الحريري للهامشيين من الطائفة ولحثالتها ودفعها لمنافسة زعاماتها. بما يبرر امتناع هذه الزعامات عن المشاركة في الانتخابات. خاصة مع ممارسة الاميركيين لهوايتهم في تبني الهامشيين. ونخجل من عرض الهنات الاخلاقية والسياسية لخيارات الحريري وتياره قبل وبعد الاغتيال.
-   تركيز الحريري على العاصمة وهي الميدان الطبيعي لاعماله. واهتمامه بالترشح عنها وتمثيلها بما يقتضي تخصيص سكانها بهباته وجلهم من السنة. الذين استند اليهم لاحقاً في انتخاباته. ومع ذلك رفض هؤلاء الطقوس والممارسات المرتكبة حول الضريح. وهي على أية حال لاتريح سنياً في قبره.
-   لجوء الحريري الى سياسة الشيكات والسكوت على مافيات الفساد حتى وصلنا الى هذه المديونية. وباتت الحقوق المكتسبة للطائفة مشروطة بدفع الاتاوات والشيكات. وعدم ملكية كرامي للشيكات هي التي اسقطت حكومته. فلو هو ملكها لملك معها غالبية المعارضين. وهم استبدلوا الشيكات الحريرية بعد الاغتيال بشيكات اميركية (تحداهم نجاح واكيم في برنامج تلفزيوني بنفي ذلك ولم ينفه واحد منهم).
-   تسليم العائلة قيادها وقياد الطائفة الافتراضي الى السيد وليد جنبلاط الدرزي المذهب. الذي يكاد يكرس زعيماً للسنة الحريريين دون غيرهم من السنة الرافضين لكل هذه التنازلات.
-   إنطلاقة الشيخ سعد السياسية من باريس وواشنطن بصحبة الأمير عبد الله. ومن بعدها عبر السفارات وموفديها. وهي إنطلاقة كان الأب ينفيها ويرفضها؟. بل هو كان يوحي بأن شيراك موظف في فريقه ومتلق للرشاوي الحريرية. وهو عكس ما أظهره الإبن.
-   البذاءات الصادرة عن الموظفين السياسيين المنضوين في تيار المستقبل. ومراجعتها تستفز الحليم. ومثلها كلمة السيدة بهية الحريري في جلسة الثقة وهي ممكنة المراجعة لمن نسيها. وبالمناسبة فهي الكلمة التي دفعت بالعريق المهذب عمر كرامي لتقديم استقالته. فاذا ما عذرها البعض بوصفها أخت مكلومة فهل سمعتم تصريحات السيدة غنوى جلول؟.

4. أوهام السيطرة السنية: وهم لائحة بيروت الحريرية يكاد يتحول الى هذيان عظمة سني – حريري. فهل يعتقد الشيخ سعد أن السيدة صولانج وجبران تويني ونواب الأرمن وغيرهم يقعون تحت سيطرته السياسية؟!. ولماذا هو يحمل الطائفة وزر هذه السيطرة الموهومة؟.

5. نسوية الزعامة السنية: للطائفة حساسيتها الخاصة أمام تزعم النساء. ويبدو أن السيدات بهية ونازك وغنوى يقتسمن زعامة الطائفة ويدعمن الترشيحات في بيروت وخارجها؟!.

6. الحرب بالوكالة: ما هي الفائدة التي جنتها الطائفة من تجميع كل المارقين على العروبة في جنازة الحريري؟. وما هي فائدة الطائفة من تحويل الجنازة الى مناسبة لإستبعاد أهل البيت وإستبدالهم بحملة المطالب والشعارات والدعوات العنصرية؟. حتى أعلنت الصحافة اللبنانية ،الممولة أميركياً، عن حلف سني مع الطوائف اللبنانية الأخرى ضد الطائفة الشيعية. فهل مطلوب من الطائفة أن تخوض الحرب ضد الطائفة الشيعية بالوكالة عن اميركا وفرنسا؟. وهل سيقود السنة معركة نزع سلاح حزب الله بعد الإنتخابات إستناداً الى وهم السيطرة السنية؟!.

7. دم رشيد كرامي: أمام هيستيريا الفولارات يحق لنا العتب على المرشحين الحريريين وحلفائهم لمشاركتهم في مهرجانات مطالبة باطلاق جعجع. وذلك سعياً وراء حفنة من الأصوات التي أكسبها قانون ال 2000 قوة ظالمة. وموقف هؤلاء السنة مهين وهم يستجدون هذه الأصوات على حساب دم أكبر زعماء السنة.

8. إقصاء الزعامات السنية: ما أشبه هذه الإنتخابات بإنتخابات العام 1957 التي أجراها كميل شمعون بحضور الأسطول الأميركي السادس ولحساب حلف بغداد. لكن الإقصاء هذه المرة يكاد ينحصر بإقصاء الزعامات السنية. ونحن لا نفهم فعلاً كيف يتسع صدر الشيخ سعد للتحالف مع صولانج الجميل ولا يتسع لمشاركة سليم الحص وتمام سلام وغيرهم من الزعماء السنة!؟. بل كيف يتخطى حكمة والده بعدم التجروء على الرئيس كرامي وسحبه مرشح تيار المستقبل العام 2000 في حين يتجرأ سعد ليس بمرشح ال 2000 المنسحب لوحده بل وبرفقته سلسلة من الهامشيين النابتين على ضفاف مستنقع المال السياسي الحريري.

      هذه النقاط تشكل الأساس لإغتيال الطائفة السنية وتحويلها الى فريسة سهلة لذئاب السياسة اللبنانية. وننصح الشيخ سعد بالتنبه الى هذه الذئاب وإدراك انها ليست جدته وانما هي الذئب الذي يتحضر لإفتراسه بعد إغتياله الزعامات السنية. كما أننا قد ننصحه ومعه الرئيس ميقاتي بقراءة مصير سامي الصلح أيام كميل شمعون.

* الدكتور محمد احمد النابلسي / رئيس المركز العربي للدراسات المستقبلية
23/05/2005