مـحمد رمضـان

بوش و بلير بين "الفشل" و "لعنة" العراق
بقلم : محمد رمضان


لعل المتتبع لأحداث الحرب على العراق و لتاريخ هذا البلد و حضارته التي تضرب عميقا في هذه الأرض المباركة, أرض أبي الأنبياء "إبراهيم" عليه السلام, يجد أن هذه الأرض تصب جام غضبها على كل من يريد أن يغير "دينها", حتى "إبراهيم" قامت ارض العراق تحرقه بالنار لولا أن جعلها الله عليه بردا و سلاما, فهل ينجو بوش و بلير من نار شعب متجذر و هما يحاولان تغيير "الدين" في العراق؟؟

في أرض الكنانة لعنة يطلقون عليها "لعنة الفراعنة" و هي تصيب بالرعب كل من أراد الاقتراب منها, فهل هناك في العراق "لعنة" مماثلة؟؟

بعد حرب الخليج الأولى أصيب الكثير من جنود التحالف الغربي بمرض غريب أسموه حينها "مرض حرب الخليج" و هو مرض ذو أعراض جديدة, و يجمع العديد من أعراض مجموعة من الأمراض. و قد حاولت المؤسستان العسكريتان الأمريكية و الإنجليزية إخفاء هذا المرض عن شعبيهما, فلم تنشر عنه تفاصيل كثيرة, و ذلك بهدف التغطية عن الرأي العام للمحافظة على منجزات سياسية و انتخابية و بالتأكيد إقليمية و عالمية في ذلك الوقت. و لا يزال الكثير ممن أصيبوا بهذا المرض على قيد الحياة لكن تحت رقابة شديدة من خلال إبعاد وسائل الإعلام عنهم. و تم في ذلك الوقت عزو المرض إلى العديد من الأسباب المحتملة, أهمها, استخدام أسلحة كيماوية أو جرثومية من قبل العراق, أو جرعات التطعيم التي أعطيت لهؤلاء الجنود للوقاية من أسلحة الدمار الشامل, و سبب ثالث يعزى إلى استخدام دول التحالف لقذائف اليورانيوم المنضب, و مهما كان السبب إلا أن السبب الحقيقي لم يتم الإعلان عنه حتى اليوم.

و لعنات الحرب الأخيرة كثيرة, ظهر بعضها و ما يخفيه الغيب هو بالتأكيد أكثر, فقد ظهرت لعنة "الكذب" الامريكية-الانجليزية و ذلك بخصوص امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل حيث أثبتت تقارير متعددة و لجان مختلفة بطلان هذا الادعاء و عدم صحته على الإطلاق. هذه الكذبة سيدفع زعيما هذه الحرب الثمن غاليا لها و ذلك من احتمالية فقدانهما للكرسي في الانتخابات القادمة.

و اللعنة الثانية هي لعنة "التعذيب" اللاأخلاقي و اللاإنساني في سجون العراق المختلفة و لعل سجن أبو غريب هو النموذج المثالي و المرعب الذي ستظل عواقبه تلاحق الحضارة الغربية في صميم بنيتها و نواتها, و ذلك برغم المحاولات العديدة و المحمومة لتحويل هذه المسئولية إلى أشخاص معينين أو تصرفات فردية, و عدم تورط كبار القادة في هذه الفضائح, و هو الأمر الذي يتكشف في كل يوم جديد ما يناقضه و يثبت بما لا يدع مجالا للشك أن الأمر ليس تصرفا فرديا بل هو تصرف منهجي و مبرمج و على مستويات عليا و ستميط الأيام القادمة اللثام عن كثير من هذه الممارسات و سوف تتكشف فضائح جديدة يندى لها الجبين الإنساني لحضارة تدعي إلى درجة "النبوة" انها تحمي حقوق الإنسان في الوقت التي تخترق و تنتهك بشكل سافر و مكشوف أدنى القيم المتعارف عليها في المجتمعات "الحيوانية" فضلا عن "الإنسانية" إن كانوا لا يزالون يقرون بإنسانية الإنسان.

أما اللعنة الثالثة فهي لعنة "التزوير و التلفيق" في أروقة الاستخبارات الأمريكية و البريطانية و وجود أصابع كثيرة و متعددة وراء اتخاذ قرار الحرب مثل "عملاء لإسرائيل" أو "مصالح نفطية شخصية" تم من خلالها جر أكبر دولة في العالم إلى حرب لا تعرف نتائجها أو تحسب حساباتها كما أعلن بوش قبل أيام, و هو كلام لا يمكن وصفه إلا ب "العذر الذي هو أقبح من ذنب", و هو ربما محاولة يائسة من الرئيس و إدارته لكسب بعض أصوات في المعركة الانتخابية التي باتت على الأبواب.

و اللعنة الرابعة هو أن أمريكا لا تتعلم من تاريخها المعاصر و الحديث, فالعقدة الفيتنامية لا تزال تعشش في العقل الأمريكي سواء الظاهر أم الباطن, و لا تزال تراكماتها حتى اللحظة تمثل حالة من الهذيان سواء للمجتمع الأمريكي و حتى الفرد الأمريكي, و لم تتعلم أيضا من تجربتها في الصومال و لا في لبنان, و كان الحري بهم أن يتعلموا من المقولة "السعيد من اتعظ بغيره و الشقي من اتعظ بنفسه". و لعل الأمر الذي لم تدركه أمريكا جيدا هو "الفخ" الأوروبي الذي يدرك تماما إن توريط أمريكا في حرب مع أمة "إسلامية" لا يمكن أن تتلاشى, إنما يسرع في عملية انهيار الإمبراطورية الأمريكية و استلام الأوروبيين زمام الأمور في العالم فضلا عن المنطقة العربية و الإسلامية, خصوصا أن الأوروبيين يجهزون أنفسهم لمعركة القيادة الكونية من خلال الجنين الاتحادي الذي يتشكل في هذه الأيام, و هو ليس بالأمر العبثي, إنما يقع ضمن خطط مرسومة.

و اللعنة الخامسة أنها لم تتعلم من التجربة السوفيتية في أفغانستان حيث أدى التمدد السوفيتي جهة المياه الدافئة إلى انهيار الإمبراطورية, أو كان سببا رئيسيا في انهيارها, ذلك أن الأمم و الشعوب لا تهزم و لا تموت, و أمة حية كالأمة العربية و الإسلامية إنما تملك من مقومات الوجود و البقاء ما لا تملكه أمة أخرى على وجه البسيطة.

إن هذه اللعنات أو العبر كافية لأن تدرك أمريكا و بريطانيا أن تواجدهما في المنطقة إنما هو إلى حين, و إن استمرار الحال إنما هو من المحال, و أن وجودهما سيؤدي إلى تغير المعادلة من حيث علاقة الشعوب بالحكومات في المنطقة, و هو الأمر الذي سيؤدي بالتالي إلى تغير في المفاهيم و المضامين و الذي سيقود حتما إلى نتائج قد تختلف كليا عن تلك المحسوبة في مراكز البحث و رسم الاستراتيجيات و اتخاذ القرار.

محمد رمضان ـ فلسطين
تاريخ النشر : 19:40 04.09.04