تكنولوجيا الأنفاق : براءة اختراع للمقاومة
بقلم : محمد رمضان


نظرة واحدة إلى ما تبقى من أحد أهم و أكبر المواقع العسكرية الصهيونية في قطاع غزة و الذي أصبح قاعا صفصفا, و هو الموقع الذي يتم فيه ممارسة القهر و الإذلال للفلسطينيين على مستوى الساعة, تبين هذه النظرة و بما لا يدع مجالا للشك, مدى القدرة الفائقة التي وصلت إليها المقاومة في تخطيط و تنفيذ عملياتها. حيث تتفنن المقاومة الفلسطينية في ابتكار و سائل و أساليب جديدة في مقاومة الاحتلال البغيض الجاثم على صدر الأرض لا يرحم فيها شيخا و لا طفلا و لا امرأة و لا بيتا و لا شجرا.


صـورة تظـهر دمـار صهيـون بعد عمليـة النفـق
و من هنا كان على المقاومة أن تفكر في إبداعات جديدة لتواجه بها آلة حرب صهيونية متقدمة و ترسانة تحتوي أحدث الأسلحة التي طورتها الصناعة العسكرية و الإلكترونية الأمريكية و الأوروبية. إن ما يتمتع به مقاومو غزة من عقلية فذة للمقاومة إنما هو وليد القهر و سياسة الإذلال التي لا يترك المحتل وسيلة منها إلا و مارسها بأبشع أنواع الممارسات الشنيعة و الهمجية. نضيف إلى ذلك هذا الإصرار العنيد لدى المقاوم على أن يحفر بأظفاره صخور الذل و الهوان في رسالة إلى كل الكون مفادها و باختصار "نحن هنا للمقاومة".

أي عقلية عسكرية و استراتيجية هذه التي خططت و بإحكام لمثل هذه العملية؟؟ وأي نوعية من الرجال العسكريين و التنفيذيين تلك التي قامت بحفر نفق يصل طوله إلى حوالي 400 مترا و على عمق 10-15 مترا و يمر تحت الطريق العام في قطاع غزة ؟

و هل استهدفت هذه العملية "مدنيين من نساء و شيوخ و أطفال الى آخر الموال" حتى يستنكرها من دأبوا على ذلك؟ وكيف أدت هذه العملية الى انهيار أسطورة "الجدار" ؟؟ وكيف أدت هذه العملية إلى انهيار النظرية الإلكترونية ؟؟

نتحدث عن تكنولوجيا حفر الأنفاق في قطاع غزة و ذلك باستخدام مصادر و مواد و أدوات متوفرة محليا و بأسعار رخيصة و المنتج ذو أداء رفيع و جودة عالية و أثبت مفعولا قويا زلزل أركان دولة الاحتلال السرطاني البغيض.

هذه الأنفاق بدأت في رفح منذ حوالي عشر سنوات و كانت تستخدم في عمليات نقل البضائع المختلفة بين مصر الشقيقة و غزة هاشم, و هو عمل خلق آلاف فرص العمل للفلسطينيين إضافة إلى توفير في العملة الصعبة حيث الأسعار السلع النفقية أرخص بكثير من تلك الرسمية.

و المتابع لمراسل راديو الاحتلال في غزة "حسن أبو زايد" خلال السنوات الماضية يجد أن مهمته الأساسية كانت عد "الأكواع" الملقاة على جيش الاحتلال إضافة إلى عد "الأنفاق" التي هدمها جيش الاحتلال أو قوات الأمن الفلسطينية, ولا يستغربن أحد انه كان يذكر في الخبر الواحد بأنه قد تم هدم تسعة عشر نفقا أو حول هذا العدد.

و يقال أن هذه الأنفاق كانت تستخدم في تهريب الأسلحة من مصر إلى غزة, و هذا هو السبب أن الرئيس بوش أعطى الضوء الأخضر لشارون باغتيال شيخ قعيد و باجتياح رفح و تدمير آلاف المنازل و البيوت. و كأن الأسلحة الأمريكية التي تهديها إدارة بوش لشارون ليست "تهريبا" و إنما هي عمل أخلاقي حضاري يستخدم فقط في تشريد الآمنين و قتل الأطفال و هدم البيوت.

نعود إلى تكنولوجيا الأنفاق و كيف طورها المقاومون لتمتد مئات الأمتار تحت الأرض على أعماق تتراوح بين 8-15 مترا و هو الأمر الذي أقض مضاجع القادة العسكريين و الاستخباراتيين في دولة الاحتلال.

ولقد انتقلت التكنولوجيا من رفح إلى خانيونس حيث تم حفر النفق الأخير و الذي أستخدم في تدمير أكبر موقع عسكري احتلالي في جنوب قطاع غزة, و هو الأمر الذي قال عنه القائد العسكري الصهيوني في قطاع غزة "لقد كنا نتوقع عملية كهذه, لكن ليس بهذا الحجم و ليس بهذا المستوى التدمير و قوة الانفجار و التخطيط و التنفيذ". و هي شهادة من قائد عسكري تخرج من أرقى المدارس العسكرية على مستوى العالم قاطبة. و خير الشهادات ما جاءك من عدو تتعامل معه الأرض و في الميدان.

تكنولوجيا الأنفاق هي "تخصص هندسي فني دقيق" يحتاج إلى إمكانيات راقية تستوردها كل الدول العربية من أوروبا و أمريكا و هي متوفرة في غزة و بأيدي عاملة رخيصة. فمصر مثلا استعانت بفرنسا في حفر أنفاق في القاهرة, واستعانت بخبرات أوروبية و يابانية في حفر نفق الشهيد أحمد حمدي الذي يربط مصر بشبه جزيرة سيناء و يمر من تحت قناة السويس.

و هناك العديد من الأسئلة التي تطرح نفسها في عملية حفر الأنفاق :

1-   ما هي نوعية الصخور و التربة ؟؟ و هي عملية تحتاج إلى أعمال هندسية متقدمة.
2-   تحديد الاتجاهات داخل النفق ؟؟
3-   قطر النفق ؟
4-   عمق النفق ؟
5-   طول النفق ؟
6-   التخلص من نواتج الحفر ؟؟
7-   التبطين لمنع الانهيارات ؟؟
8-   مسارب الهواء لتنفس العاملين تحت الأرض و منع الاختناق ؟؟
9-   الأدوات و الآلات الهندسية المستخدمة في الحفر ؟؟
10-   القوى العاملة ؟؟
11-   الإضاءة ؟؟
12-   التمديدات الكهربائية المعقدة ؟؟
13-   توصيل الطعام و الشراب للعاملين في النفق ؟؟
14-   التخفي من العملاء و تضليلهم ؟؟
15-   إعداد أكثر من طن من المواد المتفجرة حسب مصادر الاحتلال نفسها ؟؟
16-   نقل المواد المتفجرة إلى داخل النفق

و لا نريد الإطالة في تعديد مثل هذه الأشياء لأن ما يهمني هو تسجيل هذه البراءة و حماية حقوق المخترعين الذين اقضوا مضاجع الاحتلال و سلبوا النوم من عيون جنود و قادة قوة لا تقهر.

من أين تخرج هؤلاء القادة و الجنود المجهولون و الذين لا ينامون الليل و لا النهار يعملون بدأب و بلا انقطاع يرسمون بأرواحهم خارطة النصر القادم؟؟ و ما وقع هذه العملية على ما يسمى بالأمن و نظرية الأمن و فلسفة الأمن و استراتيجية الأمن الى غير ذلك من مسميات ما أنزل الله بها من سلطان ؟

ثم الا تستحق الأكاديمية التي تخرج منها هؤلاء وسام الشرف العسكري الأول في التخطيط و التنفيذ ؟؟؟.

محمد رمضان ـ فلسطين

تاريخ النشر : 20:10 05.08.04