مـحمد رمضـان

سـيمفونـيـة الفـراشـة (2)
بقلم : محمد رمضان


صحوت قبيل أذان الندى.....

توضأت بقطعتين من شهد كانت جدتي تركتهما لي و مسبحة من نوى الزيتون.....

فتحت الباب الخشبي القديم خلسة محاولا أن لا يعزف ألحانه المعتادة, خشية أن تستيقظ نجمات كن في حضني عند حلمي السابع..... و تركتهن في الفراش يحلمن.....

خرجت .... و لا أكاد أسمع خفق قدمي....
نادتني فراشة كانت تترصدني بالباب....
أمسكتْ بجناحها الحالم الناعم يدي .... أسرعْ... اصعدْ على جناحي... كي ندرك معزوفة "حين تبكي فاطمة" هناك..... لم أستطع الكلام ... وجدت نفسي أطير على جناحيها....

سألتني: أمسبحة جدتك معك؟؟ قلت: نعم.... قالت: سبح إذن كي أطير أكثر....

طارت الفراشة و طارت ... و لا أدري أين نذهب... مرت على آلاف النجمات و هن يرششن علينا شذا الورد الملائكي...

نظرتْ إلىَّ.. ابتسمتْ.. هزتْ رأسها... , قالت: أعرف... أعرف...سنحط في مطار الفراشات على زهرة الحنون بعد قليل....

نظرتُ في الأفق الممتد... ملايين شجيرات الأزهار و الورود الجميلة.... تحت عيني.... آلاف بل ملايين الفراشات تنظر إلينا..... بشغف و حب و ترقب....

سمعتُ إحداهن تقول للأخرى .... هل وصلوا ؟؟

أجابت .. نعم بعد قليل يحطون....

حطت الفراشة على مطار زهرة كبيرة و رائعة و جميلة....

سألتها ما هذه الزهرة الرائعة ؟؟

قالت: هذه حنونة جنين الراقصة في غزة.... على شاطئ الحور....

نزلتُ من على جناحيها الوثيرين الحالمين...

تقدمتْ إلينا فراشة لم أرَ أجمل منها ولا أستطيع وصف جمالها الأخَّاذ...., طبعتْ على شفتي قبلة نسائمية لا يزال رحيقها يسكن قلبي و كل أركاني..... .....

اصطفتْ الفراشات في صفوف الزهور العابقة...
عزفتْ ألحاناً لم أسمع أجمل منها قط....مرت طوابير الموسيقى الفراشية الحالمة من أمامي و الفراشة.....

و جاءت فراشة رقيقة جميلة تتقدم ملايين الطفلات و بدأت تنشد معزوفة "حين تبكي فاطمة" و الفراشات تغني خلفها في سيمفونية كأروع ما يكون..... و دموعهن تتساقط على الخدين كدرر ماسية راقصة... بكين و أبكين الحضور في مشهد لا يوصف من حسنه و جماله و تأثيره....

تنحني الفراشات أمامنا.. ترشنا بعبق الرياحين و الورود, ثم تواصل مسيرها.....

نظرتْ إلىَّ الفراشة... قرأتْ كلماتٍ في عيني المبهورتين.... قالت: أعرف ... تريد أن تسأل من نحن؟؟ أين نحن ؟؟

أومأتُ لها .. نعم... بربك أخبريني...!!

قالت: أترى كل هذه الفراشات..... الزهور .... الورود.... المطارات...الحنون... العطور.... البسط المخملية..... كل هذه المملكة..... التي لا حدود لها.... هي مملكة "الشاعر الفلسطيني"..... في كل ليلة يأتي " الشاعر الفلسطيني " يحلم هنا في فلسطينه و قدسه و أهله.... يرسم لوحاته ... يكتب حكاياته..... يعزف ألحانه.... نلفها في باقات الورد.... نرشها بالمسك... ننزل بها إلى عرائس فلسطين و نجومها الغاليات .... و أطفالها يعشقون الطيب في دمها......

أدركت حينها من أين يغرف " الشاعر الفلسطيني " لوحاته و ألحانه ....

قلت لها: أتريدين منه شيئا... إني راجع إلى فلسطينه....

قالت الفراشة الجميلة: خذ السيف الذهبي المزركش.... و باقة الورد هذه... و الناي الماسي المنمق.... أعطها له....

قل له أن يكتب بالسيف ألحان الوطن
و يوزع باقة الورد على أحبائه و عشاقه.....
ويرسم بالناي لوحات الحب الأبدي ل"قدسه" الحبيبة....

لأننا سنأتي يوم الجمعة قبيل الأذان....
لنشدو بالألحان على كل بيت في فلسطيننا الحبيبة....
و نقرأ القصائد على أرواح الشهداء....
و نوزع الورد على العاشقين الثرى....

ننتظرك أيها" الشاعر الفلسطيني" فوق الصخرة الحالمة...
على شاطئ بحر النجوم.....
قرب الوكالة.....
على امتداد زهرة الحنون العاشقة.....
تنمو بالأحمر القاني ....
ينساب من قوارير عشق خالدة ...
تسكن في قلوب الذين استشهدوا......

*مهداة إلى الصديق العزيز الشاعر باسم الهيجاوي

محمد رمضان ـ فلسطين

تاريخ النشر : 20:26 09.08.04