حتى أنال رضا أمي
بقلم : محمد رمضان


بينما كان القمر يرسم صورة الشهداء الفواحة مسكا على صفحته الرقراقة ، كان أخي محمد يرسم بدمه قبة الصخرة و مآذن القدس على حبات الثرى و يسقي الأوغاد نارا من سجيل أوقدتها في قلبه دماء الرضيعة ايمان حجو و قذيفة دبابة تغوص في ظهرها الغض,
كانت أمي في هذا الوقت ترفع رأسها و يديها إلى السماء, يا رب أنصر محمدا و اجعله ينتقم لكل الدماء المهدورة التي لم تحس بها دبابات اكلها الصدأ و أسلحة ماتت في أيدي حامليها من جيوش جرارة

كنت دوما ألجأ إلى ربيع حضنها و أنام بين زهور أناملها, و هي – أمي- تمطرني بدعواتها و القبل, يا الهي, ما أجمل الحضن الذي وسع الوطن كله, دافئ كثوب قطن, ناعم كحرير, حلو كالعسل, يا الهي!!! من أين أتت أمي بكل هذا الجمال؟؟؟؟

عجبت لقلبها الكبير كالبحر و الذي يكاد يسع الأرض بما حوت, و هي تودع بروعتها أخي الشهيد مطلقة زغاريد الفرح و أعراس الوطن و رشات من زهور الياسمين و الرياحين, و ما كنت يوما لأصدق أن الأم تودع ابنها بمثل ذلك لولا أن علمتني أمي درسا حيا...

بعد استشهاده بلحظات استحضرت في نفسي كيف سوف أواسي أمي و ما هي الوسائل و الطرائق التي سوف أسلكها معها في محاولتي لتخفيف هول المصاب بفقدانها –محمد- أحبنا نحن الأبناء الخمسة إليها.

دلفت إلى البيت و قلبي يدق و تكاد دموعي تتساقط على الوجنتين حزنا عليه لكني حبستها بصعوبة, توجهت إليها, و حولها عشرات من القريبات و الجارات يستمعن إليها و هي تحدثهن كيف جاءها محمد قبيل استشهاده يطلب رضاها و يودعها,

- ضممته الى صدري, تذكرت يوم كان رضيعا و هو يغفو بين يدي, و الله لقد كان بالأمس بين يدي غافيا على صدري أخف و أجمل منه يوم كان رضيعا, أحسست و أنا أقبله كأني أسبح في جنات عرضها السموات و الأرض, لم أكن في هذه الدنيا, لقد كنت هناك, أطوف بين قصور الشهداء و الرسل و الأنبياء, وضع أحد الشهداء يده على رأسي و قال: أتعرفين لمن هذا القصر؟؟ قلت: لا, قال هو لمحمد سيسكنه في الغد, قلت و أنا أين قصري, قال ذاك و أمسكني من يدي و سار بي في روضات ليس كمثلها روضات, أدخلني قصرا من لؤلؤ و ياقوت و مرجان يفوق قصر محمد آلاف المرات, و قال هذا لك, و صحوت من إغفاءة داهمتني, و محمد مازال يقبل يدي و يلثم الخدين.....

يا الهي من هذه؟؟؟ أهي أمي التي كانت بالأمس تخاف علي من نسمات الريحان, لا شك أنني أنا الذي في حاجة إلى من يواسيني, استجمعت كل قواي, دخلت الصالة, انحنيت عليها, قبلت يديها و خديها, نظرت الي رابطة الجأش راسخة العقل سديدة الفكر, بادلتني القبل, أجلستني إلى جانبها و همست في أذني:
كن رجلا مثل أخيك محمد....
سالت دموعي على وجهي و هي التي طالما حبستها ....
هل أنت راضية عني يا أمي كما رضيت عن محمد؟؟؟
اسمع يا ولدي لن أرضى عنك أبدا حتى تسلك درب أخيك.....

محمد رمضان ـ فلسطين- خانيونس
mohammadramadan2000@yahoo.co.uk
الثلاثاء, 05 نيسان, 2005