مـحمد رمضـان

و زرعتُ روحي
بقلم : محمد رمضان


جلست وحدي في دجى ليلة ليلاء كما هي عادتي بعد وفاة والدي و جدي رحمهما الله......, جلست في ظل غيمة سكنت فوق رأسي فلم تغادرني حتى أوشك الصبح أن يتبدى..

و هنا اقتربت مني الغيمة حتى لم يكن بيني و بينها سوى شبر أو شبرين...., تملكني خوف شديد و هي تقترب مني, حتى قلت في نفسي أهرب و أتركها, أتوارى خلف نجمة تطل علي بعينيها اللامعتين من ثقب صغير في الغيمة, حاولت اختراق الثقب جهدي, قفزت إلى أعلى...,

ضمتني الغيمة بيديها إلى صدرها, أمسكت بي و لم يعد لي مفر أن أتركها, أو حتى أحاول إلى ذلك سبيل........ا, ظلت الغيمة تضمني و تعصرني, و بدأت ترتفع رويدا.. رويدا... قلت و يحكِ إلى أين تذهبين بي.....؟

لي هنا خيمة... و روح.... و زيتونة, من يرعاها ؟؟؟

ضحكت الغيمة و قالت ألا تعرف إلى أين ؟؟؟ سأحملك إلى بيارة البرتقال في يافا.....!!! بيارة أبيك و جدك......, تقطف منها برتقالتين ووردتين و كأسين من العصير المصفى......., ثم أحملك وتعود إلى هنا, أو إذا أردت أن تبقى هناك, فلك ذلك....

و ما هي إلا ثواني بتوقيتي أو بتوقيت الغيمة حتى وجدت نفسي أحط في بيارة عظيمة تمتد أركانها في كل مكان, أوراقها الخضراء الداكنة.... و أغصانها..... تعانق الندى و الغيمة....., حبات البرتقال الذهبية المدلاة كقروط في أذان حسناوات يرتدين أجمل الحلل...

لثمت الأرض .... أكلت من رملها الذهبي .... شربت من حبات الندى المتكدسة على الأوراق النازفة و الرمل....

سكبت عيوني دموعا كنهرين يفيضان من شدة المطر.....,

وجدت نفسي في مكان كنت أحلم يوما أن أكون به...

و هاأنا اليوم أمرغ جسدي فيه...

أهنا كان أبي يصول و يجول و يحرث الأرض و يزرع الشجر....؟؟؟
أهنا كان جدي يمتطي ظهر حصانه... و يدور حول البيارة يحميها و يمسح العرق عن جبينها ....
أهنا كانت جدتي تخبز الخبز الدافئ الجميل.....
أهنا كانت تطحن القمح و العدس بطاحونة الحجر .....
يا الهي.... هذا هو بيتهم....
يا الهي.... و هذه هي الطاحونة...
و هذا مربط الحصان...
رباه... أين أنا... أحقيقة أم حلم...؟؟ أليلٌ أم نهار..؟؟

غرقت في نفسي... هربتُ من نفسي.. كي أعرف نفسي... أأنا أنا....؟؟ من أنا....؟؟

هل حقيقة أنني لا زلت على ظهر الأرض...... أم هي أحلام العفاريت..... تأتينا ثم تهرب ؟؟؟

الهي.... الهي...... الهي..

رفعت رأسي.... وجدت الغيمة تنظر إلى و تضحك.... حان وقت الرحيل...

هل ترغب في المغادرة؟؟؟ و كأنها تقرأ قلبي و روحي و مشاعري!!

انتظر قليلا سأحمل إليك خيمتك و روحك و الزيتونة من هناك!!! ظلت عيناي معلقتين بها...انتظرت أن تذهب ..

لحظات وجدت خيمتي و روحي و زيتونتي يهبطان من السماء.... تلقفتهم... قبلتهم... لثمتهم....

زرعت الخيمة أمام بيت جدي....
و زرعت روحي في قلبي و البيارة.....
و زرعت الزيتونة أمام خيمتي و في بيارتي...
لتنمو و تكبر في روحي........

محمد رمضان ـ فلسطين

تاريخ النشر : 22:53 26.07.04