لماذا بكى الشيخ الشهيد أحمد ياسين ؟
بقلم : محمد رمضان


يمثل الشيخ الشهيد أحمد ياسين أحد أهم المحطات و القيادات التي توقف و سيتوقف عندها التاريخ والمؤرخون و المحللون و السياسيون و المفكرون طويلا حول "السمات القيادية" التي كان يتميز بها هذا الرجل,

الشـيخ الشهـيد
و ذلك لما أحدثه من نقلة نوعية في "أسلوبية و ثقافية و فكرية" الصراع مع الاحتلال السرطاني في فلسطين. فمن تأسيسه لحركة أصبح لها وزنها المحلي و الإقليمي بل حتى و الدولي, إلى إدخاله عناصر جديدة في الصراع السياسي و العسكري و الاجتماعي, تميز حضور هذا الرجل في الوعي الجماهيري العربي و الإسلامي من خلال رؤاه المتميزة لأولويات العمل.

عصية هي دموع القادة الشامخين إلا في حالات لا يستطيع هذا القائد إخفاء رقراق الدموع ينهمر من عينيه مدرارا. و لقد حدثنا التاريخ عن صانعيه كيف و متى و لماذا يكون بكاؤهم ؟؟

فهذا سيد الخلائق صلوات الله عليه يبكي و هو يتلو الآي الطاهرات, و يبكي و هو يودع ابنه إبراهيم و يبكي و هو يواري شهداء بدر و أحد الثرى . و هذا الصديق يبكي و هو في الغار يتخفى من الطواغيت في مكة خوفا على أستاذه و معلمه و مربيه, و هذا أمير المؤمنين بن الخطاب يبكي و هو يدخل مدينة القدس فاتحا مظفرا !! أتبكي يا أمير الأمة و قد أجرى الله على يديك النصر و أعز الله بك الإسلام!!!, فينظر إليهم و تنهمر دموعه و يقول و الله ما أبكاني إلا خشيتي أن نصل في المعاصي إلى ما وصله هؤلاء فيمكن الله غيرنا منا.. و يبكي صلاح الدين الأيوبي بل و يحرم نفسه من الضحك ما دام المسجد الأقصى يرزح أسيرا في يد الطغمة الصليبية.

تذكرت هذه الكلمات النائرات المنيرات و أنا أقرأ لقاء صحفيا مع أبناء الشيخ الشهيد أحمد ياسين و ذلك في أعقاب جريمة اغتياله البشعة في "العالم المتحضر", حيث ذكر أبناؤه أنهم ما رأوا أباهم يوما أكثر بكاء و لا دموعه أشد انهمارا أكثر من اليوم الذي اغتيل فيه الشيخ الشهيد صلاح شحادة القائد العام لكتائب القسام في فلسطين.

و لقد و قفت كثيرا عند مغزى هذا البكاء الشديد من شيخ في العقد السابع من عمره خصوصا أنه و في هذا السن يندر أن نرى مثل هذا الموقف حيث يصل الإنسان إلى قناعة معينة حول حقيقة الموت و الحياة و تصبح شيئا شبه روتيني في حياته و هو الذي ودع الكثير من الأهل و الأقارب و الأصحاب.

يبكي الشيخ إذن على استشهاد القائد العام لكتائب القسام التي أذاقت المحتل صنوفا من الألم و العذابات التي قلما ذاق بنو صهيون مثلها منذ أن تجمعوا في فلسطين للوعد المحتوم.

و يبكي الشيخ على رجل أبدع و ابتكر و صمم و أنشأ "أكاديمية الهندسة العسكرية" تحت الأرض في غزة فصنعت الصواريخ و صممت الأنفاق و التي أذاقت بني صهيون الويلات و لا تزال حتى بعد ارتقاء الشهيد إلى العلا.

و يبكي الشيخ على قائد أدخل مفهوما جديدا في الصراع بإدخاله سلاح الصواريخ في المعركة.

و يبكي الشيخ على رجل أدخل استراتيجية "توازن الرعب" في الصراع الدائر.

و يبكي الشيخ على رجل كتب في وصيته أن لا توزع صوره إذا ما استشهد.

و يبكي الشيخ على رجل كان ذراعه اليمنى و أناط به أحد أهم المسئوليات الجسام و هو قيادة العمل العسكري في فلسطين.

و يبكي الشيخ لأنه يعلم أي خسارة هذه التي قد منيت بها الأمة باستشهاد صلاح شحادة.

و يبكي الشيخ لأنه يعلم أن قائد الكتائب قد أوجد حالة من الذعر لدى المغتصب حتى خصص له العديد من خلايا العملاء التي تراقبه ربما أكثر من ظله.

و يبكي الشيخ لأن العدو الغاصب يقول أن كل الخيوط لكل العمليات التي تتم في الأرض السليبة إنما تتجمع في النهاية لتلتقي في غزة عند القائد العام للكتائب.

و يبكي الشيخ لأنه يعلم أن صناعة القادة الربانيين كأمثال صلاح شحادة ليست بالأمر الهين.

و يبكي الشيخ لأنه يعلم أن لدى الشهيد من الإصرار و العزم ما يكفي لأن يفت في عضد بني صهيون و يدمي منهم القلوب و المآقي.

و يبكي الشيخ لأنه يعلم أن التراكمية القيادية و العسكرية و السياسية لدى الشهيد قد أصبحت ثورة و ثروة هائلة لا يمكن أن يتم تعويضها بسهولة .

و يبكي الشيخ و هو يعلم أن الروح الفذة التي تسكن بين جنبي الشهيد قلما أن تتكرر.

و يبكي الشيخ على مدرسة أسسها و يؤسسها الشهيد.

و مهما نعدد من أسباب بكاء الشهيد على الشهيد فلا شك أن هناك من الأسباب الوجيهة الأخرى التي استشهدت مع الشهيدين و هي في حاجة إلى المزيد من التمحيص و التحليل لسبر أغوارها.

فهل تنجب الأمة قادة في مستوى الرجلين الرشيدين؟؟ سؤال نطرحه في لحظات عصيبة تمر بها القضية تكاد تعصف بالأخضر و اليابس معا, فهل مستمع أو مبلغ ؟؟

محمد رمضان ـ فلسطين

تاريخ النشر : 22:34 31.07.04