الـنـكـبـة
تاريخ النشر : 12:11 2005-05-13

ما النكبة ؟
إنها فصل الشعب عن أرضه, وهي طرد أهالي 531 مدينة وقرية من ديارهم عام 1948, وهم 85% من أهالي الأرض التي اصبحت تسمى "اسرائيل". وأرضهم هذه تساوي 92% من مساحة اسرائيل. خلاصة القول أن 70% من شعب فلسطين اصبح من اللاجئين الذين يصل عددهم اليوم إلى 5.200.000 لاجئ , ومن هؤلاء أقل من 4 ملايين مسجلون لدى وكالة الغوث الدولية التي تقدم لهم ضروريات الحياة بشكل يتناقص كل عام, أرضهم في اسرائيل مساحتها 18,700 كيلومتر مربع, صادرتها اسرائيل, وتؤجرها لليهود فقط, وبدأت الآن تبيعها لكل مشتر يهودي حتى لو لم يكن يحمل الجنسية الاسرائيلية, وتمنع حتى مجرد تأجيرها لفلسطيني يحمل الجنسية الفلسطينية.

كيف حدثت النكبة ؟
في عام 1917, خانت بريطانيا وعودها للعرب بمنح الاستقلال لهم عند إزالة الحكم التركي عن بلادهم, واصدرت على لسان وزير خارجيتها وعد بلفور في 2 نوفمبر 1917 الذي "ينظر بعين العطف إلى انشاء وطن قومي لليهود في فلسطين", كان هذا وعد من لا يملك لمن لا يستحق دون علم صاحب الحق, وخلال 28 عاماً من حكم الانتداب البريطاني, سنت بريطانيا القوانين واتخذت الاجراءات التي سهلت إنشاء هذا الوطن حتى اصبح دولة عام 1948. كان عدد اليهود عند الاحتلال البريطاني 56.000 أي 9% من مجموع السكان, غالبيتهم من رعايا الدول الأجنبية.
وما أن انتهى الانتداب عام 1948 حتى اصبح عددهم 605.000 يهودي, نتيجة الهجرة الظاهرة والخفية التي سمحت بها بريطانيا رغم معارضة الأهالي ومقاومتهم وثوراتهم, وأهمها ثورة 1936, وهكذا اصبح اليهود يمثلون 30% من سكان فلسطين الذين بلغ عددهم حوالي مليوني نسمة عام النكبة.

وماذا عن الأرض ؟
لقد كثفت الصهيونية جهودها, وجندت موظفي حكومة الانتداب الصهاينة لإعطاء اليهود حق امتياز استغلال الأراضي التي اعتبرت أملاك دولة, وانشأت بريطانيا إدارة للمساحة هدفها تحديد ملكية كل أرض بأسعار خيالية.
وكانت ضالتهم المنشودة كبار الملاكين الغائبين من رعايا الدول العربية المجاورة, وبعدها اتجهوا إلى كبار الملاك الفلسطينيين الذين يعيشون في المدن. اما الفلاحون المتمسكون بأرضهم يفلحونها منذ مئات السنين, فقد ضيقت بريطانيا عليهم الخناق بفرض الضرائب الباهظة عليهم, حتى لا يجد الفلاح المسكين غير المرابي الصهيوني لإقراضه مقابل رهن ارضه التي لا تلبث ان تقع في حوزة هذا الصهيوني بسبب عدم السداد. ورغم هذه الجهود المكثفة, لم تنجح الصهيونية في الاستحواذ على أكثر من 6% من مساحة فلسطين, أو 1.681 كيلومتراً مربعاً, منها 175 كيلومتراً مربعاً امتيازات تأجير طويل الأمد منحتها بريطانيا لليهود, و57 كيلومتراً مربعاً حصة في أرض غير مفروزة, و1,449 كيلومتراً مربعاً تملكها الصهاينة مباشرة, وإن لم يتم تسجيلها كلها بشكل قانوني.

من الذي باع هذه الأرض ؟
تقول احصائية الوكالة اليهودية أنهم اشتروا 52.6% من الأراضي المباعة من كبار الملاك الغائبين غير الفلسطينيين, و 24.6% من كبار الملاك الحاضرين الفلسطينيين, و 13.4% من الكنائس والشركات الأجنبية, أما نصيب الفلاحين المرهقين ضريبياً فكان 9,4% من الأراضي المبيعة, أي نصف بالمئة من مساحة فلسطين.

تقسيم جائر
وهكذا بعد تعاون بريطاني صهيوني استمر 28 عاماً, لم تنجح الصهيوينة إلا في الاستحواذ على 6% من مساحة فلسطين, لكنها نجحت في زيادة عدد اليهود إلى 30% من مجموعة السكان, عندئذ نقلت الصهيوينة جهودها إلى امريكا, واتخذت من رئيسها هاري ترومان مناصراً لها, حيث وقف ضد وزير خارجيته, لكي تضغط أمريكا بكل قواها على الدول الصغيرة, وتهددها بقطع المعونات إذا لم تصوت لصالح تقسيم فلسطين بين أهلها اصحاب الحق فيها, وبين مهاجرين غرباء لا يعرفون اسم المدينة التي وصلوا إليها, وكانت الطامة الكبرى على العرب عندما نجح قرار التقسيم بأغلبية ضئيلة لكي يوصي بانشاء دولة يهودية على 54% من أرض فلسطين ودولة عربية على باقيها مع تدويل القدس تحت إدارة منفصلة. هذه المهزلة التاريخية قضت بأن تفرض أقلية أجنبية مهاجرة سيادتها على أكثر من نصف فلسطين, أي تسعة أضعاف ما كانت تملك, وتقيم فيها دولة عبرية نصف سكانها عرب وجدوا أنفسهم بين يوم وليلة رعايا دولة اجنبية غازية. أما الدولة العربية المقامة على باقي فلسطين, فكل سكانها عرب وليس إلا حفنة من اليهود, والناظر إلى الخريطة يهوله عدد القرى الفلسطينية التي وقعت فريسة لهذه السيطرة الأجنبية, بينما لا توجد بالكاد مستعمرات يهودية إلا في الدولة العبرية فقط, وحتى هذه المستعمرات على كثرتها الظاهرة لم تكن إلا قواعد محصنة يسكن الواحدة منها من 100 إلى 200 شخص من حاملي السلاح.
بدأ تنفيذ الخطة في أوائل أبريل 1948 أثناء وجود الانتداب البريطاني, وبدأت بوصل الأراضي اليهودية ببعضها ثم الاستيلاء على الأرض العربية حولها وطرد سكانها, اتبعت القوات اليهودية سياسة التنظيف العرقي, كانت تحيط القرية من ثلاث جهات, وتترك الرابعة مفتوحة, ثم تجمع سكان القرية في مكان, وتختار عدد من الشباب لإعدامهم, أو تقتلهم بالرصاص إذا وجدتهم مختبئين في مسجد أو كنيسة أو غار, وتترك الباقين ليهربوا وينقلوا أخبار الفظائع, أو تأخذ بعضاً منهم لأعمال السخرة لنقل حجارة البيوت العربية التي هدمتها أو حفر القبور لمن قتلتهم.
لا ينسى أحد مذبحة دير ياسين وهي واحدة من 17 مذبحة اقترفت أثناء الانتداب و17 أخرى بعده, ولم تحرك القوات البريطانية ساكناً لحماية الأهالي حسب ميثاق الانتداب. وما إن جاءت نهاية الانتداب حتى سيطرت اسرائيل على 13% من مساحة فلسطين, وطردت 400.000 لاجئ من 199 قرية, وأعلنت قيام دولتهم على هذه الرقعة, ولكن دون تحديد أي حدود, فلا يزال النهم الصهيوني لابتلاع الأرض في أوله, وسيطرت الدولة الجديدة آنذاك على معظم السهل الساحلي وشريط غربي نهر الأردن حول بحيرة طبرية, وشريط يصل بينهما في مرج ابن عامر على شكل حرف N, وسقطت في يدها مدن فلسطينية مهمة مثل يافا وحيفا وطبرية وصفد وبيسان, واشرفت عكا على السقوط.
بدأت بشاعة الكارثة تظهر للعيان, ووصلت أخبار المذابح واشهرها دير ياسين إلى الشعب العربي في كل العواصم, فهاج واستنكر سكوت حكوماته وتقاعسها.
عقب ذلك دخلت قوات نظامية صغيرة من الدول العربية, متفرقة غير متعاونة, لحماية الشعب الفلسطيني من هذه الكارثة, استجابة لغضب الشعب العربي وتظاهراته, ولم تكن بريطانيا تسمح لها بدخول فلسطين قبل ذلك, لو أرادت, لكن قدراتها العسكرية وعددها كان أقل بكثير من القوات الصهيونية التي اصبحت تسمى باسرائيلية. جاءت القوات النظامية إلى فلسطين دون خطة موحدة, أو معرفة بالبلاد أو بالعدو, وكان عددها مجتمعة حتى لو كانت تحت قيادة موحدة لا يتجاوز ثلث القوات الاسرائيلية, ونصفها في آخر مراحل الحرب, ولذلك لم تتمكن من وقف المد الاسرائيلي, الذي سرعان ما انتشر ليحتل اللد والرملة ويمد جسراً إلى القدس ويحتل مساحات واسعة في الجليل. كانت هذه اشارة أولية إلى هزيمة العرب, كان احتلال اللد والرملة من الفصول المأساوية في تاريخ فلسطين, اذ استيقظ سكان المدينتين والمهاجرون إليهما من قرى يافا المحتلة على أخبار انسحاب القوات الأردنية بقيادة الانكليزي جلوب باشا وهجوم القوات الاسرائيلية من الشمال والشرق. قتل من لجأ إلى المساجد والكنائس, وطرد الأهالي بقوة السلاح وبترويع المذابح, واتجهت قافلة بشرية من ستين الفاً في رمضان وتحت شمس الصيف اللاهبة إلى رام الله. ولما طالت الطريق, سيقت المتاع القليلة التي حملوها على جانبي الطريق ثم تبعها الشيوخ والمرضى ثم الاطفال, والقوات الاسرائيلية تحثهم على السير, ومن عثر على ماء ليشرب اطلقوا عليه الرصاص, وعندما أعلنت الهدنة الثانية قفز عدد اللاجئين إلى 630,000, وتم طردهم من 378 قرية حتى ذلك التاريخ, واحتلت اسرائيل أرضاً تساوي 3 أضعاف الأرض اليهودية وهي من أخصب الأراضي وأكثرها كثافة سكانية, وبذلك انتهت فعلياً حرب فلسطين.
لكن النهم الاسرائيلي لم يشبع, فاتجهت قواته نحو الجنوب لتحتله وتهزم الجيش المصري أكبر قوة عربية, وفي منتصف أكتوبر, احتلت اسرائيل مساحات واسعة من الجنوب حتى بئر السبع وجنوب القدس, وامتدت على الساحل الجنوبي واصبح عدد اللاجئين 664,000 طردوا من 418 قرية حتى ذلك الوقت. ونقلت اسرائيل قواتها من الجنوب إلى الشمال, واحتلت الجليل بأكمله و12 قرية من لبنان في أوائل نوفمبر 1948, وسيطرت بذلك على كامل شمال فلسطين وتعدت الحدود اللبنانية عند اصبع الجليل.
استأثر الجليل بأكبر عدد من المذابح, ذلك لأن المنطقة جبلية, ولترويع الأهالي الذين رفضوا النزوح من الجليل الواقع في الدولة العربية حسب قرار التقسيم. من اجل ذلك اقترفت اسرائيل في الجليل 24 من اصل 34 مذبحة امكن تسجيلها, ولكن لم تخل قرية واحدة من قتل أو تدمير أو ترويع. لا شك أن المذابح كانت سياسة اسرائيلية مدروسة لترويع الأهالي وطردهم والاستيلاء على أرضهم, كانت هذه شهادة الآلاف من الناجين من هذه المذابح, ولكن الغرب لم يستمع أو يقتنع.
وفي السنوات الأخيرة, ظهرت أبحاث لمؤرخين اسرائيليين اطلعوا على الملفات الاسرائيلية التي اصبحت مفتوحة لهم تؤكد وجود هذه المذابح وتعزوها إلى ظروف الحرب, لكن هذا الرأي بدأ يفقد قيمته لوضوح البرهان على تكرار المذابح بشكل ثابت في جميع الظروف, والعثور على أوامر صريحة من القادة بالتخلص من الأهالي, والآن فتحت ملفات مراقبي الهدنة التي أكدت هذا الأمر, وذكرت تقارير المراقبين أنه لكثرة المذابح, "ليس لدينا الوقت والإمكانيات للتحقيق في كل هذه الفظائع". لكن الدول العربية فقدت قدرتها على القتال لإنقاذ الأهالي, ولم تستطع ردم الخلافات بينها وتكوين قيادة موحدة, ولذلك سارعت إلى توقيع اتفاقيات هدنة مع اسرائيل, بداية بمصر ثم الأردن ولبنان وأخيراً سوريا. وبعد توقيع الاتفاقيات, احتلت اسرائيل دون طلقة رصاص واحدة النقب الجنوبي حتى وصلت إلى أم رشرش (إيلات الآن), وزرعت علمها على خليج العقبة, وبينما كانت مفاوضات الهدنة تدور, تنازل الملك عبد الله عن 436 كيلومتراً مربعاً في المثلث الصغير الخصب والمليء بالسكان, وحسب شروط الهدنة خرجت القوات المصرية المحاصرة من الفالوجا بكامل سلاحها, وكان من بين ضباطها جمال عبد الناصر, وتخطت بذلك اسرائيل خط التقسيم في جميع الجهات باحتلالها 78% من أرض فلسطين, أي بزيادة 24% من مشروع التقسيم, فاحتلت الجليل الأوسط المخصص للدولة العربية, واحتلت مثلثاً يصلها بالقدس عبر اللد والرملة, رغم أن القدس منطقة دولية وما حوله عربي حسب قرار التقسيم. وفي الجنوب تمددت اسرائيل نحو البحر الميت, واحتلت مدينة بئر السبع العربية, واحتلت ثلثي المنطقة الساحلية المخصصة للعرب التي بقي منها قطاع غزة الصغير.
وبذلك احتلت اسرائيل 6.300 كيلومتر مربع خارج مشروع التقسيم, واصبح كسبها من الأراضي العربية إثني عشر ضعفاً للأرض اليهودية عام 1948. أما على الصعيد الانساني فقد خلفت هذه النكبة وراءها حوالي 900,000 لاجئ طردوا من 531 مدينة وقرية, نزحوا إلى الجنوب المتبقي في قطاع غزة وإلى الشرق, فيما اصبح يعرف بالضفة الغربية وإلى الشمال نحو سوريا ولبنان. واصبحت النكبة بقعة سوداء في التاريخ, دفع ثمنها قادة وحكام بحياتهم وأزيلت عروش وسقطت أنظمة, ولا يزال يدفع ثمنها اليوم خمسة ملايين لاجئ داخل فلسطين وحولها في الشتات.

توزيع الغنائم
لم يسبق في التاريخ الحديث أن أقلية استوطنت أرض الأكثرية بدعم سياسي ومالي وعسكري من الخارج, وطردتها من وطنها وأزالت ملامحها مثلما حدث في فلسطين. لقد وزعت اسرائيل البيوت الجميلة في القدس الغربية وحيفا وغيرهما على البارزين من رجال الحكم, واستوعبت مئات الآلاف من اليهود القادمين من بلاد غربية في باقي المساكن, أما القرى, فلقد نسفت وهدمت بيوت ثلاثة أرباعها هدماً كاملاً والربع الباقي بدرجة أقل. ومن المشاهد الإنسانية المؤثرة رؤية بعض اللاجئين وقد شاخوا, يأخذون أولادهم وأحفادهم لزيارة مواقع قراهم الأصلية, بعد أن اصبح ذلك ممكناً لبعضهم, ليعرفوهم على مواطنهم وذكراها محفوظة في قلوبهم ليجدوا حائطاً هنا وشجرة هناك, ويعيدوا تركيب صورة الواقع على صورة الخيال, فيجدوها لا تزال حية في قلوبهم وقلوب أولادهم.
يبحثون عن قبور أجدادهم فيجدونها مبعثرة أو مكتوباً عليها عبارات عنصرية بالعبرية, يجدون وهم في ذهول واستنكار أن الجامع اصبح متحفاً أو مطعماً أو مخزناً للنفايات.

الإبادة الجغرافية
لقد نجحت الصهيونية في الاستيلاء على الأرض حتى الآن, وفصلت أهلها عنها وشتتهم في أنحاء الأرض فيما يمكن وصفه بالإبادة الجغرافية, لكنها لم تنجح في القضاء على الشعب الفلسطيني الذي بقي حياً ومتماسكاً إلى حد كبير, ولم يندثر كما اندثرت أمم قبله في كوارث أقل جسامة.

ماذا حدث للأرض نفسها ؟
نسجت اسرائيل لنفسها شبكة عنكبوتية من القوانين والتشريعات لحمايتها من الشجب الدولي. بدأت أولاً بتحويل كل الأراضي العربية إلى الوصاية تحت مسؤولية "القيم على أملاك الغائبين", وتمت مصادرتها كأملاك الدولة, واعتبرت اللاجئ في بلد عربي المطرود من بيته بالحرب والمذابح غائباً, كأنما كان في نزهة. واعتبر الفلسطيني الذي بقي في أرضه غائباً أيضاً, إذا ذهب للاطمئنان على أقاربه في بلد مجاور ولو على بعد كيلومتر واحد, واذا رغبت اسرائيل في الاستحواذ على ارض لا يزال أهلها يقيمون فيها, فإنها تعلن أن هذه المنطقة مقفلة لأسباب أمنية, وتخرج أهلها منها, وتعتبرهم غائبين. هذا ما حدث مع قريتي إقرث وبرعم التين أمر أهلها بالخروج منهما لمدة اسبوعين فقط ولم يعودوا إليها حتى الآن. ربما لا يعرف الكثير أنه يوجد لاجئون فلسطينيون في اسرائيل نفسها, فهم مهجرون من ديارهم واعتبروا "غائبين حاضرين" رغم أنهم يحملون الجنسية الاسرائيلية وعددهم الآن حوالي 250.000 نسمة, أي حوالي ربع الفلسطينيين المقيمين بالداخل.
كانت خطوة اسرائيل الثانية هي انشاء "هيئة تطوير" لها الحق في استغلال الأراضي الفلسطينية وتأجيرها واستثمارها لمصلحة اليهود فقط, وحوّل إليها القيّم على أملاك الغائبين كل هذه الأراضي. وسلمت هيئة التطوير هذه بدورها جميع الأراضي في خطوة ثالثة إلى "دائرة أراضي اسرائيل" التي تتولى إدارة أراضي اللاجئين بعد أن ضمت إليها الأراضي اليهودية التابعة للصندوق القومي اليهودي. (في عام 1999 حدث خلاف بين الحكومة والصندوق فانفصلت أراضي الصندوق واستقلت بذاتها).
أجّرت اسرائيل الأراضي الفلسطينية إلى الكيبوتس والموشاف (القرى التعاونية) بعقود تجدد كل 49 سنة بشرط ألا تؤجر هذه القرى أي أرض لعربي أو يسمح له باستثمارها أو العمل فيها.
لقد نشأ معظم رجال الجيش الاسرائيلي الأوائل في الكيبوتس في حياة جماعية لا يملك فيها احد شيئاً ويتكافل الجميع على العناية بالأطفال والقيام بأعمال الزراعة وغيرها, كانت مصنعاً لتفريخ أولاد الدولة الذين تربوا على الولاء لها ولمبادئ الصهيونية وعلى العنصرية ضد العرب. ومع الزمن تضاءلت أهمية هذه المبادئ, وهجر كثيرون الكيبوتس إلى المدينة, ووقعت ثلاثة أرباع هذه المستعمرات تحت طائلة ديونها المتراكمة, فلجأ بعضها إلى مصادر دخل أخرى مثل الصناعة الخفيفة والسياحة, ولم يعد يعيش فيها اليوم أكثر من 2% من سكان اسرائيل.
هذه النخبة المختارة ذات الوزن الكبير في الجيش والكنيست تستحوذ على حوالي 18.000 كيلومتر مربع هي أرض هؤلاء اللاجئين في المخيمات, وتستهلك الكيبوتس للزراعة 80% من المياه في اسرائيل والمسروق أغلبها من العرب لكي تنتج 3% من الناتج القومي لاسرائيل. هذا التناقض الصارخ في أن 200.000 اسرائيلي وهم سكان الكيبوتس ينعمون بخيرات أرض فلسطينية هي الإرث الشرعي لأكثر من خمسة ملايين لاجئ, لا يمكن أن يؤدي إلى سلام ولو فرض بالقوة. بل أن هناك تناقضاً أكثر إيلاماً, إذ يتكدس اليوم في قطاع غزة حوالي 1.250.00 لاجئ بكثافة سكانية تزيد عن 4000 شخص في الكيلومتر المربع الواحد, بينما يستطيع أي واحد من هؤلاء اللاجئين أن يرى عبر السلك الشائك الاسرائيليين يرتعون في أرضه المسلوبة بكثافة لا تزيد على 6 أشخاص في الكيلومتر المربع.

العودة ممكنة
هل يحق للاجئين العودة إلى ديارهم, وهل يمكنهم ذلك؟ الجواب هو أن حق العودة مقدس وقانوني وممكن, هو مقدس لأنه في وجدان كل فلسطيني شيخاً وطفلاً, إذ رغم مرور أكثر من نصف قرن, لا يزال حق العودة هو الشعلة التي تضيء الحياة التي يعيشونها.
إن حق العودة ممكن لأنه رغم تدفق المهاجرين اليهود على اسرائيل, لا تزال معظم الأراضي خالية أو بها غالبية من الفلسطينيين الذين بقوا في ديارهم, هذا ما اثبتته الدراسات الديمغرافية المبنية على الاحصاءات الاسرائيلية. وبناء على ذلك, لو تصورنا عودة لاجئي لبنان إلى الجليل, لما تأثرت كثافة اليهود في الوسط بأكثر من واحد بالمئة. ولو عاد لاجئو غزة إلى ديارهم في الجنوب, لما تأثرت كثافة اليهود في الوسط بأكثر من 5%, بل أنه من المفارقات المؤلمة أن مجموع لاجئي غزة ولبنان هو نفسه عدد المهاجرين الروس الذين استوعبتهم اسرائيل بسهولة في التسعينات.
ومما يؤسف له أن كثيراً من المسؤولين الفلسطينيين لا يدركون أنه بالإمكان عودة اللاجئين إلى ديارهم في اسرائيل حسب ما أكدته الدراسات الديمغرافية الجادة. وهم يقبلون بسهولة الخرافة الاسرائيلية أن المكان مزدحم وأن حدود الملكية قد زالت. وهذا خطل في القول وادعاء مغرض لا يمكن أن يصمد أمام البحث الجاد. فلدينا اليوم مئات من الخرائط البريطانية التي تبين حدود الأراضي العربية ومساحتها في كل القرى والمدن, ولدينا في سجلات الأمم المتحدة حوالي نصف مليوم سجل, يبين ملكية كل فرد ومساحتها ومكانها, والتقنية الحديثة باستعمال الحاسوب والأقمار الصناعية تستطيع إرجاع كل متر إلى اصله.
وليس علينا أن نثبت أنه يوجد متسع في المكان لعودة اللاجئين إلى بيوتهم ولا أن نحدد مكان البيت والأرض, فحق الإنسان في العودة إلى بيته وحرمة الملكية الخاصة هي حقوق أساسية حسب الميثاق العالمي لحقوق الإنسان, لا يسقط بالتقادم ولا بالاحتلال أو فرض سيادة أجنبية, ولا يعقل أن يفرض على صاحب البيت إثبات حقه أمام الغازي الأجنبي أو المهاجر اليهودي الذي يصل من أي بقعة من بقاع الأرض ليسكن هذا البيت.
وكثير من الناس في الغرب يقبلون الحجة الاسرائيلية بضرورة بقاء اسرائيل نقية من العرب وضرورة بقاء اليهود أغلبية مطلقة. هذا القول العنصري لا يعادله عنصرية إلا القول بأحقية جنوب أفريقيا في الحفاظ على الفصل العنصري (الأبرتهايد). هذه حجة غير قانونية وغير اخلاقية, وأيضاً غير عملية. إذ تبلغ نسبة اليهود من كل السكان في المنطقة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط 55% والعرب 45%, وما هي إلا مسألة وقت حتى يتم التعادل بل يزيد لأن الزيادة الطبيعية السنوية بين الفلسطينيين تتجاوز 3.5% بكثير أحياناً, بينما تبلغ الزيادة الطبيعية لدى اليهود 1.5% سنوياً, تضاف إليها الهجرة التي قد تضاعفت هذه الزيادة أو أكثر كما حدث في التسعينات, لكن هذه الهجرة غير منتظمة, والاعتماد على الهجرة اليهودية أمر غير مضمون وسينضب يوماً ما, إذن فإن استمرار هذا الفصل العنصري المقيت هو غير قانوني وغير أخلاقي وغير عملي أيضاً.

المستقبل صعب وواعد
وهكذا يجد اللاجئون اليوم أنفسهم في أسوأ حال منذ النكبة, والآن يطلبون منهم تحت غطاء السلام أن يسقطوا حقوقهم, ولم ينتظر هؤلاء أكثر من نصف قرن في الشتات, مقاومين مناضلين صابرين, خارجين من غبار خمسة حروب وعدد لا يحصى من الغارات والإغارات, لكي يقرّوا بعدها أنه ليس لهم وطن وليس لهم حق أو تاريخ, وأن هذا كله قد كان وهماً وخيالاً كما أراد لهم المتلفعون بجلد اسمه السلام حتى اصبح الصائح "القدس عربية" مختل العقل أو إرهابياً تطارده الأنظمة والحكومات المحبة للسلام!
وبالمقابل, فانه رغم كل النوائب سيبقى الشعب الفلسطيني متماسكاً صامداً, وسيبقى مكافحاً مدافعاً عن حقوقه حتى يعود لأرضه, ولن يعود السلام الحقيقي إلا بالعودة إلى الوطن, ويبقى أن يسجل التاريخ كم من التضحيات ينبغي بذلها حتى يتحقق حق العودة.