انحياز للجلاد على حساب الضحية
بقلم : نضـال حمد ـ اوسلـو

على هامش خطاب الرئيس الإسرائيلي اليوم في الرايخستانغ الألماني

هناك وقاحة ومهانة في تعامل الأوروبيين مع القضايا العربية عامة والقضية الفلسطينية خاصة. فأن يتحدث الرئيس الإسرائيلي كتساب بلسان الضحية معتبرا أن الضحية الفلسطينية والعربية وحتى الإسلامية هي الجلاد المتحالف مع النازية، بينما الجلاد اليهودي الصهيوني هو الضحية لذلك التحالف. هذا كلام لا يقبله العقل ولا ترضى به الأمم التي تحترم نفسها ولا الديمقراطيات التي تقدر شعوبها وأنظمتها وقوانينها.لكن في ألمانيا يبقى القانون مطبقا على الجميع بما فيهم الألمان أنفسهم، وعندما يصل ليهودي أو الإسرائيلي اليهودي يذوب مثل فص ملح. قد أكون استخدمت عبارة اليهودي هنا بالذات بشكل مكرر لكنني اعتقد أن العبارة كانت ضرورية لتبيان أن إرهاب دولة إسرائيل هو إرهاب يهودي وليس شخصي أو فردي، وهذا يعود لكون دولة إسرائيل هي دولة اليهود وحدهم بحسب تصريحات كل قادة الدولة اليهودية.

تحدث كتساب رئيس كيان الاحتلال الإسرائيلي أمام البرلمان الألماني يوم الثلاثاء وأبدى مخاوفه من إمكانية حدوث تعاون بين إرهابيين مسلمين ونازيين جدد بحسب زعمه. وقال كتساب مخاطبا البرلمانيين الألمان "علينا أن لا نفاجأ إذا ما استغلت جهات إرهابية نازيين جدد لتنفيذ عمليات تفيجرية". وفي أسلوب صهيوني معروف ومكشوف ومفضوح وبلغة عبرية واضحة تحدث كتساب ايضاً عن وجود علاقة بين تزايد قوة الإسلام المتطرف وصعود اللاسامية.. وأضاف أن العالم أمام موجة لا سامية لم يعرف لها مثيلا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. هذا كلام فعلا غريب وعجيب، فالمقصود باللاسامية التي يخافها كتساب وكيانه العنصري، هو استطلاعات الرأي التي حصلت في أوروبا وقال فيها أهل القارة أنهم يرون في إسرائيل خطرا على السلام والأمن الدوليين. وأنها قوة احتلال وتمارس الجريمة والإرهاب ضد الشعب الفلسطيني.

تحدث كتساب عن الصراع في المنطقة واعتبر بطريقة بلطجية أن الصراع اليوم ليس بين الفلسطينيين والإسرائيليين لكنه بين الفلسطينيين العاقلين والفلسطينيين الظلاميين. وكتساب يعتبر أن نتائج هذا الصراع بين الفلسطينيين هي التي ستحدد مصير العملية السياسية أي السلمية بين كيانه والفلسطينيين. وتأتي كلمة الرئيس الإسرائيلي في ذكرى قيام العلاقات الدبلوماسية بين كيان الاحتلال وألمانيا الفيدرالية، وقد وقف في مبنى الرايخستاغ البرلمان الألماني والقي خطابه في نفس المكان الذي استعمله هتلر لإلقاء خطاباته المعادية لليهود وللبشرية جمعاء. وما أشبه الليلة بالبارحة، ديكتاتور النازية كان يشن الحملة السياسية والدعاية العنصرية ضد اليهود من هناك. والآن يقوم رئيس إسرائيل بشن حملته ضد الفلسطينيين والمسلمين والعرب وتوزيع التهم وترويج الأكاذيب والادعاءات عنهم أيضا من نفس المكان.

لم ينس كتساب التأكيد على العلاقة المتينة بين كيانه وألمانيا بالرغم من سنوات الصدمة التي أحدثتها المحرقة. وأكد على أن ألمانيا شريك وصديق لإسرائيل.وطالب بتطوير العلاقات وفكرة الشراكة بينهما. وقبل أن ينهي كلمته عاد كتساب وأكد للأصدقاء الحقيقيين الألمان أن " صدمة المحرقة ستلازم الشعب اليهودي إلى الأبد" معتبرا أن التعامل مع الماضي لا يهدف لفتح الجراح بل لاستخلاص العبر.

بدورنا نقول لا إسرائيل ولا ألمانيا استخلصتا العبر من دروس الماضي الذي يدفع ثمنه الشعب الفلسطيني من دمه وحياته وحقوقه. فبدلا من تعويض اليهود في بلدانهم الأوروبية التي عذبوا وشردوا واضطهدوا فيها على يد النازية والفاشية الأوروبية، قامت أوروبا بدعم الحركة الصهيونية في جلبهم إلى فلسطين واحتلالها وممارسة أبشع المجازر والمذابح ضد الشعب الفلسطيني. وتم طرد وتشريد الفلسطينيين في بقاع الدنيا، كذلك محاولة ابادة بعضهم في المدن والقرى والبلدات والأحياء العربية. كان يتم ذلك تحت إمرة ديفيد بن غريون الإرهابي الصهيوني الإسرائيلي الأول، قائد حملة التطهير العرقية ضد الفلسطينيين في وطنهم الذي سرقته الحركة الصهيونية العالمية. ورغم ذلك كله وبالرغم أيضا من استمرار سياسة التطهير العرقي والتصفيات والاغتيالات والاحتلال والحصار والتجويع وسجن الشعب كله في مناطق محاصرة وأخرى معزولة منذ 1948 وحتى يومنا هذا، إلا أن ألمانيا تبعت النمسا في خطوة إجرامية جديدة تعادي الإنسانية والسلم والتضامن بين الشعوب. فقيام ألمانيا بتخصيص اسم ديفيد بن غوريون لإطلاقه على مقطع من شارع في العاصمة برلين. وكانت النمسا سبقت ألمانيا في تسمية ميدان بالعاصمة فيينا باسم ثيديور هرتسيل مؤسس الحركة الصهيونية. وتسمية من هذا النوع تشكل صدمة كبيرة وقوية وتضيف جرحا عميقا للشعب الفلسطيني،حيث انها تكرم قتلة هذا الشعب وقادة المجازر وحرب الابادة والتشتيت والتهجير والاقتلاع ضده،كما هي بالنسبة للفلسطيني الذي عاش النكبة وما تلاها من مآسي تماما كما تسمية أي ميدان أوروبي باسم أدولف أو ايخمان، بالنسبة لليهودي الناجي من ويلات الحرب العالمية الثانية.

هل ستنهض أوروبا من غفوتها الطويلة وتعيد الاعتبار للعقل وتبتعد بسياستها عن تأثيرات الماضي وتدخلات الأمريكان واللوبيات الصهيونية واليهودية، هذا ما سنعرفه في المستقبل المجهول.

www.safsaf.org
نضـال حمد ـ عضو تجمع الكتاب والأدباء الفلسطينيين

02/06/2005