أصلان مسخادف ، رمز كبير للمأساة الشيشانية
بقلم : نضـال حمد ـ اوسلـو

بمقتل الرئيس الشيشاني المنتخب أصلان مسخادوف تكون موسكو ارتكبت جريمة جديدة بحق الشعب الشيشاني المتطلع للحرية والاستقلال عن هيمنة قيصر موسكو الجديد.. وتكون بنفس الوقت جنت على نفسها، لأنها بتصفيته تعلن عن إقفالها كل أبواب الحوار الممكنة مع الثوار الشيشان في الحمهورية القوقازية الثائرة، والمكافحة بصبر وصمت من أل الحرية والسيادة وتقرير المصير. وبرحيل اصلان مسخادوف تعتبر أبواب جهنم الشيشانية كلها قد فتحت من جديد على الشيشان والروس وجيرانهم في الجمهورية المحتلة..

كان الرئيس أصلان مسخادوف من أكثر قادة الشيشان الميدانيين ليبرالية واعتدالا، وكان يعتبر من معسكر الحمائم في ظل وجود رموز قوية داخل الثورة الشيشانية تنتمي لمعسكر الصقور الذي يعبر عن نفسه بتمسكه بتيار الإسلام الجهادي غير المهادن. هذا ويعتبر القائد الشاب والموهوب شامل باسييف ومعه القائد الميداني الآخر دوكو اوماروف من القادة الذين من المحتمل والمرجح ان يحلا مكان الرئيس الراحل مسخادوف، ويجدر أيضا التذكير بانهما من اشد القادة معارضة للحوار مع موسكو، ومن أكثرهم تصلبا في المواقف من الاحتلال الروسي.

وتجدر الإشارة إلى أن علاقات مسخادوف معهما كانت سيئة في الفترة الأخيرة وانقطعت بالذات مع شامل باسييف بسبب الخلافات حول الحوار مع موسكو. لكن موسكو التي لا تريد الحوار مع القادة الشيشان الحقيقيين،إنما فقط مع الدمى السياسية الشيشاينية المصنوعة روسياً، خشيت أن تلقى مبادرة اصلان مسخادوف من اجل السلام والحوار صداها في أوروبا والعالم فقامت بالتعجيل في قتله لسد أبواب التدخل والضغط العالمي في حل القضية الشيشانية أسوة بالأوكرانية والجورجية.

إن موت مسخادوف سيترك الساحة خالية من أي اعتدال شيشاني وسيجعل منطق الإرهاب الروسي ضد الشعب الشيشاني سيد المرحلة، وبالمقابل لا بد من أن يظهر ويبرهن الثوار الشيشان عن وجودهم وعدم تأثرهم بموت مسخادوف، وبقدرتهم على الرد وتوجيه الضربات لموسكو. وهذا ما سيؤكده في المستقبل القريب قادتهم الميدانيين الكبار من أمثال شامل باسييف حفيد إمام الثورة الشيشانية الأكبر ، والقائد الحالي والميداني للمجاهدين الشيشان،وأكبر المرشحين لتولي رئاسة البلد بعد مسخادوف، خاصة أنه القائد المحبوب والشجاع، والذي قدم تضحيات جسام من اجل شعبه ووطنه. كما انه رئيس وزراء الجمهورية سابقاً، قبل سقوط غروزني بأيدي الاحتلال الروسي، والفائز الثاني في الانتخابات الرئاسية بعد أصلان مسخادوف، والرجل الذي دوخ روسيا في زمن يلتسين وفي زمن بوتين. وجدير بالذكر ان شامل باسييف نفسه كان تقدم قواته و قام بعبور حقول الألغام الروسية حول العاصمة المحاصرة غروزني، وقد داس باسييف على احد الألغام فتفجر بقدمه مما أدى إلى بترها، لكن الإصابة لم تقعده بل جعلته أكثر عزيمة وإصرار على مواصلة الكفاح في سبيل حرية شعبه وتحرير وطنه من براثن الاحتلال الروسي.

لم يكن القرار الروسي باغتيال وتصفية مسخادوف حكيماً بل كان قراراً غبياً يؤكد جهل وغطرسة القادة الروس في الكرملين. فلو كانت لدى موسكو نية للانسحاب من غروزني وتهدئة الأوضاع في الجمهورية المنهوبة والمسلوبة والمستباحة لما قاموا بقتل اكثر القادة الشيشان اعتدالاً وتوجها نحو السلام. فمسخادوف كان يمثل الحل الشيشاني العقلاني، وتيار السلام الذي يريد استرجاع الحقوق وحقن الدماء وإنهاء الاحتلال. وقتله جاء بعد ظهور بوادر تحسين علاقات بينه وبين أوروبا التي نظرت الى مبادرته السلمية بعين الرضا. وبرأينا أن هذا التحسن كان من أهم الأسباب التي عجلت باتخاذ القرار الروسي باغتياله. بالتأكيد ان أوروبا انزعجت من العمل الروسي الذي لم يكن صدفة بل نتيجة لقرار من أعلى المستويات اتخذه الكرملين. وقد تكون موسكو بعد رفضها عرض مسخادوف السلمي للحوار والمفاوضات، عجلت بتصفيته كي لا تأخذ مبادرته أبعادا إقليمية ودولية وكي لا يصل صوته إلى بروكسل عاصمة الاتحاد الأوروبي، الذي قد يعتبر قطعمسخادوف قبل اغتياله للعلاقات مع باسييف تحولا عما تسميه بجماعات الإرهاب، مما يعني انها تستطيع تأسيس علاقات معه. من هنا تم قرار تصفيته في الكرملين. لكن اغتيال الرئيس الشيشاني سيعني أول ما يعنيه التصعيد، ولا بد للشيشان أن يردوا بقسوة على اغتيال رئيسهم. وقد اعتادت روسيا على تلقي صدمات وضربات شيشانية قاسية لكن هذه المرة قد تكون الضربات اعنف وأقوى بكثير من سابقاتها. ضربات تعيد للأذهان ما حصل بعد اغتيال الزعيم الشياشني الأكثر شعبية ونفوذاً،الرئيس السابق الراحل جوهر دوداييف.

نضـال حمد ـ عضو تجمع الكتاب والأدباء الفلسطينيين
10-03-2005