المشهد "الإسرائيلي" في عيون البريطانيين
بقلم : نضـال حمد ـ اوسلـو

قبل فترة وتحديدا قبل نهاية العام المنصرم دعا أرييل شارون رئيس وزراء كيان الاحتلال سفراؤه في أوروبا لاجتماع تشاوري،وقام أثناء الاجتماع بتوبيخهم لأنهم لا يتحدثوا في أماكن عملهم كثيرا عن يهودية الدولة. وطالبهم بالعمل الجاد في هذا المجال، وذكرهم بان للعرب جاليات عربية كبيرة في أوروبا تمارس دورا معاديا ليهودية دولة "إسرائيل" ، وتؤثر في الرأي العام الأوروبي.ولشارون الحق في أن يبدي قلقه فحتى الفئران في العالم أصبحت تميز بين لغته ولغة سفراء كيانه، مع أنهم يتكلمون بالعبرية وليس باليابانية او الهولندية، إذ بحسب العلماء في أسبانيا بامكان الفئران التمييز بين اللغتين المذكورتين.

لكن وبغية تحسين صورة الكيان الإسرائيلي،والتي لا تتحسن إلا بتغيير صورة الإنسان فيه وفي فكره وتعليمه وتربيته ونشأته،لا بد من تغيير العقلية الصهيونية الاستعلائية الاستعمارية التي لا تعترف بالآخر،بل وأكثر من ذلك تعمل على شطبه وإلغائه، من خلال فرض وقائع على الأرض تصبح بمرور الزمن عقبات عصية بوجه السلام وتقف سدا ضد العقل والمنطق.

لقد تلاقت مصالح الاستعمار الغربي مع مصالح الحركة الصهيونية، فتمكنت تلك الحركة من فرض منطقها الاستعماري على بريطانيا العظمى، هذا أيام كانت لازالت بريطانيا تعيش آخر شهورها تحت مظلة الامبرطورية العظمى. واستطاعت الصهيونية اخذ وعد من الملكة البريطانية، بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين. ثم جاء بالقرار آرثر بلفور وزير الخارجية البريطاني آنذاك وسلمه للحركة الصهيونية.

بعد فترة تم الاستيلاء على فلسطين بمساعدة البريطانيين وبدأت حملة تهجير وتشتيت وذبح الشعب الفلسطيني وطرده من وطنه،بغية إقامة دولة اليهود على أنقاض وطن الفلسطينيين.وتم ذلك بسرعة،واعتبر الصهاينة ومنهم شارون وغيره من قادة الكيان الصهيوني أنهم حققوا عودة اليهود لما يطلقون عليه ارض إسرائيل بعد ألفي سنة من السبي..

يعني نحن قمنا و نقوم بدفع فواتير الفراعنة و الرومان والفرس والكلدانيين والأوروبيين وكل من اضطهد او سبى العبرانيين و اليهود..

المشكلة أن هناك بعض اللصوص الذين جاءوا من كل صوب وجعلوا أنفسهم أوصياء على كل اليهود في العالم، هؤلاء يقومون بقبض ثمن مأساة الضحايا،وهؤلاء هم نفس اللصوص الذين استولوا على فلسطين و التي جعلوها بلادهم رغماً عن المنطق والواقع والتاريخ ومسار الحياة. لكن علمتنا التجارب وعلمنا التاريخ انه لا يصح إلا الصحيح.

بريطانيا التي كانت عظمى لم تسلم من وحشية الصهيونية أثناء غزوها فلسطين،فتعرضت الصهيونية كذلك للبريطانيين وأوقعت بهم خسائر عديدة، لكن القيادة البريطانية بأغلبيتها كانت معادية للفلسطينيين وللعرب وللمسلمين ومؤيدة لليهود من ناحية دينية وعنصرية.فقد اعتبرواان إسرائيل ستكون قاعدتهم المتقدمة في شرق المتوسط،وهذاما كانته فعلاً حتى تحولت عن بريطانيا لصالح الولايات المتحدة الأمريكيةالتي برزت كقوة رئيسية بعد الحرب العالمية الثانية وبالذات في الخمسينيات.

المهم ان فلسطين ضاعت وبريطانيا تتحمل مسئولية تاريخية في ضياعها وفي نكبة ملايين الفلسطينيين حتى يومنا هذا. وبدلا من ان تكفر بريطانيا عن ذنبها، نراها أصبحت مدرسة لصنع وإنتاج الأذيال والأذناب، فكل رئيس وزراء بريطاني سواء كان يساري او يميني يكون عادة ذيل وذنب لكل رئيس أمريكي سواء كان جمهوري او ديمقراطي.

مع ان الفئران تميز بين لغات البشر،إلا أن بريطانيا لم تستطع التمييز بين تلك اللغات السياسية وحافظت على لون سياسي معين،ألا وهو لون الفضيحة،فتوني بلير عندما زار فلسطين المحتلة رفض القيام بالواجب عند قبر الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات،بينما بين يدي او عند قدمي شارون كان كالحمل الوديع،وبنفس الوقت قدم مبادرة لعقد مؤتمر يبحث في سبل إصلاح السلطة الفلسطينية،فبدلا من البحث في سبل حل القضية الفلسطينية حلا عادلا وشرعيا وسلميا يفرض على كيان الاحتلال،يقوم توني أفندي بطرح مبادرة للإصلاح داخل السلطة ومكافحة الفساد،ويريد بلير إصلاح ما لا يمكن إصلاحه عند الغير، فإصلاح ما ساهم هو وبلاده وحلفاؤه في خرابه وفساده ليس عملا سهلاً وبالتأكيد لن يتم في لندن.

الصحافة في بريطانيا وبالذات جريدةالبريتش تليجراف اليمينية نشرت نتائج استفتاء أجرته مؤسسة يوجوف لاستطلاع الرأي، خلال الفترة الواقعة بين 17 و20 ديسمبر/ كانون الأول أجري بين البريطانيين، وأظهر الاستفتاء أن 23% منهم يرون أن الدولة العبرية هي الأكثر قبحاً ومقتاً في العالم،كما أنها آخر دولة يتمنون الإقامة بها بشكل دائمأو حتى زيارتها أثناء إجازتهم السنوية.كما يرونها أقل دول العالم ديمقراطية وأقلها جدارة بالاحترام،ويعتبرونها تكره وتعادي بريطانيا وقد صنفوها في المرتبة الثالثة بعد فرنسا وألمانيا،وهذا الاستفتاء يذكرنا باستفتاء أوروبا الشهير الذي تم العام الماضي حيث اعتبر 59% من الأوروبيين أن الكيان الصهيوني يشكّل اكبر تهديد على السلام في العالم.

نتائج استطلاعات الرأي في أوروبا مهمة وتظهر مدى أهمية الرأي العام الأوروبي في تعامله مع القضاياوالأمور ذات الأهمية،والقضية ليست قضية كراهية وبغض للإسرائيليين بقدر ما هي قضية فهم للغتهم الغريبة عن لغات الشعوب الأخرى.ولصحيفة يديعوت احرانوت أن تتساءل كما تريد وان تكتب كما تحب " لماذا يكرهوننا؟" فأوضاع إسرائيل المعتدية على الآخرين غير مريحة وهذا دليل نضج في الوعي الأوروبي وصحوة ضمير جاءت بعدما كشفت إسرائيل عن كل عوراتها.

فأسباب ارتفاع نسبة المعارضين والرافضين بين الأوروبيين لسياسة إسرائيل تعود لقيامها بانتهاك حقوق الإنسان الفلسطيني ومواصلة الأعمال الإجرامية اليومية التي تمارسها في فلسطين المحتلة،وسياسة العزل والإغلاق والحصار وضم الأراضي والاستيطان وبناء الجدار العازل الذي يذكر المجتمع الأوروبي بجدار برلين الذي كان يقسم أوروبا بين شرقية وغربية وكان ايضاً يجسد حالة العداء بين أبناء المنطقة الواحدة. ولا ننسى أيضاً سياسة إدارة الظهر للمجتمع الدولي، واستغلال المحرقةومعاداة السامية في تبرير الجرائم المنظمة ضد الفلسطينيين.هذا كله بالإضافة للرفض الشعبي والرسمي الأوروبي لبقاء واستمرار الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين،ولقناعة أوروبا بأنه لا سلام في العالم دون إعطاء الشعب الفلسطيني دولته وتحقيق حقوقه المشروعة.

نضـال حمد ـ اوسلـو
12-01-2005