الجراد والفئران والأمريكان ..
بقلم : نضـال حمد ـ اوسلـو

هناك مشاكل كثيرة تواجه الشعوب والدول والأمم منها مشاكل سياسية وأخرى اقتصادية ولا غنى عن المشاكل الأمنية والفقر والبطالة والجفاف والأمراض الفتاكة والاحتلالات والحروب والكوارث الطبيعية. لكن من المشكلات الصعبة التي طغت مؤخرا على الساحة الدولية كانت مشكلة الجراد الأحمر الذي اجتاح دولا كثيرة منها مصر. حتى أن انشغال الدولة بالجراد أنساها جنودها الذين قتلتهم قوات الاحتلال الإسرائيلي التي بدورها قالت أنها ستعتذر وان مصر سوف تتفهم... وهذا ما حصل بالفعل، اعتذر الاحتلال وتفهمت مصر وعاد الناس للحديث عن الجراد الأحمر في القاهرة والإسكندرية، وعن الجراد الأمريكي في الفلوجة المنسية والفئران الصهيونية في فلسطين العربية.

كنت قبل فترة قرأت عن هذا الجراد في الجرائد والمجلات حيث نصحت الأمم المتحدة الدول المتضررة بمحاربته عبر القيام بطهيه والتهامه وتقديمه كوجبات شهية، عملا بالمثل الصيني الذي يقول أن كل شيء يطير باستثناء الطائرات يمكن أكله.. لكن لدى بعض الشعوب أكلات تعتبر خطا احمرا ومنها الجراد والفئران والكلاب والقرود والقطط.إذ أن العرب لا يأكلون تلك اللحوم، فهم يفضلون اللحوم المعتادة والمعروفة مثل البقر والغنم والجمال والماعز والدواجن. ولديهم في عقولهم لائحة سوداء تتضمن تلك الأطعمة المفضلة في جنوب آسيا. لكن العرب بالمقابل تخلوا عن الخطوط الحمراء التي تخص دينهم ودنياهم وبلادهم وعاداتهم وتقاليدهم وسيادتهم وكرامتهم، فسمحوا باستمرار وبقاء الاحتلال الصهيوني في فلسطين طويلا، ثم بعد أكثر من 50 سنة رحبوا بالاحتلال الأمريكي للعراق بعد ان كانوا شاركوا في حصاره وحصار ليبيا الشقيقة. لم يعد عند العرب لا خطوط حمراء ولا رايات خضراء فقد اختاروا الرايات البيضاء ليصونوا ويحفظوا سلام الشجعان وحياة أنظمتهم العاجزة عن حماية أبنائهم وجنودهم في البلاد وعلى الحدود.

بصراحة ان نصيحة الأمم المتحدة للدول التي تم غزوها من قبل الجراد جيدة ومفيدة، إذ أنها تقلص من أعداد الجراد الذي يشكل مصدر قلق وخسائر فادحة للمزارعين والفلاحين ولاقتصاديات كثير من الدول الزراعية أو التي تعتمد على الزراعة في اقتصادها. وباصطياد الجراد والقيام بطهيه بطرق جيدة وتقديمه كوجبة لذيذة يمكن إشباع الجياع وتصديره لمن يشتهونه في الدول الأخرى، ويمكن بذلك توفير فرص عمل للكثيرين هنا وهناك. وبنفس الوقت تساهم تلك الطريقة في القضاء عليه وإنقاذ الزراعة من الابادة الجماعية التي يقوم بها الجراد الأحمر. وهنا لا بد أن نسجل تلك النصيحة كانتصار للأمم المتحدة وخطوة صحيحة نحو تقديم حلول عملية وناجعة لمشكلات أخطر وأكبر ، مستعصية مثل مشكلة الشرق الأوسط وقضيتا فلسطين والعراق بالتحديد. فتجربة مكافحة الجراد الأحمر مشجعة وتجعلنا نتفاءل بمكافحة الجراد الأمريكي والصهيوني الأبيض والأسود والأصفر والأحمر.

تجدر الإشارة هنا ايضا إلى ان مشكلة مشابهة كانت تواجه فيتنام وتشكل إزعاجاً للناس وهي مشكلة الفئران التي تجتاح البلاد وتقوم بتدمير المحاصيل بأسنانها القارضة. وقد تعلم الفيتناميون من تجاربهم الطويلة مع الفئران المحلية والأجنبية.وقد يكونوا اخذوا العبرة من الاسرى الامريكان في المعتقلات اليابانية(أبان الحرب العالمية الثانية)حيث عاشوا فترات الاسر يقتاتون الفئران والجرذان.وبذلك وجد أهل فيتنام الوسيلة الناجعة لمكافحة الفئران وقهرها. والوسيلة المبتكرة تعتمد على قتل الفئران والتهامها كما هو الحال مع الجراد الأحمر وعملا ببقية المثل الصيني الذي يقول أيضا أن كل شيء يمشي على الأرض باستثناء الإنسان والمراكب يمكن أكله..

لقد تحولت الفئران من مصدر للقلق والخسارة إلى مصدر للربح والتجارة ، حيث أصبح الفيتناميون يصطادونها ويذبحونها ويلتهمونها ويطهونها ومن ثم يأكلونها أو يصدرونها إلى الدول المجاورة حيث يجنون أرباحاً طائلة. ففي مناطق جنوب البلاد في فيتنام هناك طلب على الفئران المذبوحة، كما ان إقليم "باك ليو" يُوَرد يوميا أكثر من مائة طن من الفئران، وهناك طلب عليها من جمهورية كمبوديا المجاورة. وبحسب بعض الخبراء فان قتل الفئران ونقص أعدادها قد يشكل خللا بالتوازن البيئي. ويضيف الخبراء ان سبب تكاثر الفئران يعود الى حملات الصيد التي تتعرض لها الثعابين حيث تناقصت أعدادها وهي التي كانت تقتات على الفئران لان الفئران من الأغذية الأساسية للثعابين. ولا ندري ايهما أفضل تكاثر الفئران ام الثعابين، فالفئران تشكل خطرا على المحاصيل لكن الثعابين تشكل خطرا على أصحاب المحاصيل أيضا. وقبل ان نخرج من مصيدة الفئران الفيتنامية علينا تذكير القراء بان هناك شركات أمريكية باشرت بفتح وإقامة مزارع لتربية الفئران لتصديرها الى الدول الآسيوية حيث في الصين يعد الفأر المشوي من الأكلات والوجبات باهضة الثمن.

بين وجبات الفئران المشوية ووجبات الجراد المسلوق جاءت قبلات الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش الحارة التي وزعها على الوزيرتين في حكومته كونداليسا رايس و مارغريت سيلينغز لتسلي شعب شبه ميت لا يهمه كثيرا ما يقوم به جيش بلاده في الخارج من قتل ودمار واحتلال ومجازر بحق الشعوب الأخرى. فالشعب الأمريكي العتيد الذي أنجب للبشرية رامبو وديلتا فورس وكل صرعات هوليود وخيلاتها، مشغول بقبلات بوش ولا يهمه ان آلاف من المدنيين العراقيين قد تم قتلهم وجرحهم وتدمير مدينتهم في الفلوجة. فقبلات الرئيس لوزيرتيه أهم من قنابل المارينز التي تحرق الصغار والكبار. العالم يا سادة بحاجة للجراد والفئران فهم ارحم من طائرات ودبابات وصواريخ وجنود تحالف إدارة جورج دبليو بوش.

نضـال حمد ـ اوسلـو
21-11-2004