خطة الانسحاب إعادة احتلال غزة من الخارج
بقلم : نضـال حمد ـ اوسلـو

منذ فترة والعالم يتحدث عن خطة الانسحاب من قطاع غزة وكأن تلك الخطة ستحل المشكلة الفلسطينية وبعدها سوف يعم السلام والأمن والهدوء المنطقة. وهناك أيضا من يصور شارون وكأنه ضحية إقدامه على تعزيز العملية السلمية من خلال القيام بخطوة الانسحاب التكتيكي. مع انها عملية من المفترض أن تكون لإعادة التموقع أو إعادة التمركز ليس داخل القطاع لكن خارجه. فخطة كهذه هدفها واضح وقد أعلنه وفسره مدير مكتب شارون ووزير دفاعه ايضا. والهدف الأساسي من الخطة اعادة احتلال القطاع لكن من خارجه.

أولا الخطة ليست لأجل السلام ولا لكي يرتاح أهل غزة من الاحتلال والذي يحدث وحدث خلال الأيام القليلة الماضية ( مجازر جباليا خان يونس ورفح) أكبر دليل على أن هؤلاء الصهاينة غير معنيون بالسلام، بل همهم هو تأمين حياة جنودهم والتمركز في مواقع أكثر أمنا تسمح لهم التمسك بقطاع غزة دون البقاء فيه. وهذا يعني ان يحتلوا القطاع من خارجه ومن دون الحاجة للبقاء في المستوطنات والمعسكرات، لسهولة الحماية وقلة التكاليف والخسائر.

بهذا يكون القطاع كله أشبه بسجن كبير يحتجز فيه كل أهالي غزة. ولأن الإسرائيليين لا يفكرون بحياة الفلسطينيين فأنهم سوف يعززوا بهذه الطريقة من قبضتهم على المنطقة، خاصة انها ستكون خاضعة لسيطرتهم من الجو والبر والبحر. فالحدود مع مصر أصبحت كحدود مدينة برلين المقسمة في زمن الحرب الباردة، ومصر التي لا تستطيع فعل أي شيء للفلسطينيين قد لا تقبل في بداية الأمر بمهمة الدفاع عن الصهاينة والبحث عن الأنفاق التي تستخدمها المقاومة الفلسطينية لتهريب السلاح من مصر الى غزة، لكنها قد توافق في مرحلة لاحقة. لكن حتى وان اعلنت مصر رفضها فسوف تظل إسرائيل ومعها أمريكا تطالبانها بالموافقة على ذلك. فهل ستقبل مصر القيام بدور كهذا؟ وإذا قبلت فلماذا ومن اجل ماذا؟ وكيف سيؤثر هذا الدور على العلاقات المصرية الفلسطينية المستقبلية؟ هذه الأسئلة يجب ان تكون حاضرة عندما تقرر مصر موافقتها. ويجب ان لا يغيب عن بال المصريين وجه شارون الحقيقي الموجود خلف وجهه المجمل والمزين.

كثر الحديث مؤخرا عن احتمال اغتيال شارون على خلفية خطة الارتباط، وقد يكون هناك من المتطرفين اليهود من لا يعجبه تصرف شارون بالرغم من تاريخه الإرهابي الحافل بالأيام السوداء والمجازر والمذابح بحق الفلسطينيين والعرب. وقد يخرج من بين ظهراني الاستيطان والتطرف قاتل كعمير الذي اغتال رابين ويقوم بتصفية شارون او اغتياله. لكن هذا لا يعني ان الأخير تحول لهذا السبب الى بطل سلام. فهو لازال كما كان صقرا صهيونيا تهابه الحمائم الإسرائيلية، ولم يبدل سياسته لكنه بدل تكتيكه بحكم الظروف والعوامل الميدانية في غزة. وهو مقابل ترك غزة سيضم المستوطنات مع أجزاء جديدة من الضفة وسوف يعزز الاستيطان و يواصل حمام الدم الذي بدأه ولازال مستمرا فيه.

قد يكون لقرب حلول ذكرى اغتيال رابين في الرابع من نوفمبر القادم وقع وتأثير على الذين يتحدثون كثيرا عن احتمالات اغتيال شارون على خلفية الانسحاب من غزة. لكن حتى هذا لا يمكن ان يصبح سببا للاعتقاد بان الخطة تأتي في اطار عملية السلام. انها بكل بساطة خطة حربية تكتيكية يراد منها تعزيز مواقع الاحتلال وسد كل المنافذ المؤدية الى غيتو غزة الكبير. لكن الفرق بين غيتو الفلسطيني وغيتو الذين يحاصرونه ويعزلونه، إن كان في غزة هذه الأيام أو في البندقية ووارسو سابقا، أن الفلسطيني لم يختر الغيتو بإرادته بل فرض ويفرض عليه بقوة الإرهاب والقتل والتدمير والعزل والحصار والإغلاق والاحتلال.

وغوتتة أو عزل الآخرين في معازل وغيتوات تأتي من جيش ينفذ سياسة رسمية، و باعتقادنا أن المجتمع الذي لم يتعلم من الآخرين حسن الجوار و التسامح والعيش بسلام، بل فضل إعطاء المواعظ والدروس في ديمقراطيته وحده، حيث اعتبر نفسه واحة ديمقراطية وحيدة في المنطقة،مع ان الديمقراطية تلك أنجبت فاشية إرهابية محلية مارست إرهابها ضد الفلسطينيين وتكلل نهجها بمجازر ومذابح عديدة حيث توج باغتيال الجنرال رابين رئيس وزراء كيان الاحتلال في مهرجان السلام في قلب تل ابيب.

هذا المجتمع الذي يوجد فيه قوانين مكتوبة وأخرى غير مكتوبة تسمح بقتل الآخرين لأنهم ليسوا يهودا إسرائيليين. كما تسمح باستعمال العنف ضدهم وانتهاك القانون والتمييز. كما تشرع الاستيطان الذي يعني السلب والنهب والسطو والجريمة واستخدام السلاح ضد الفلسطيني في بيته وأرضه ومتجره ومدرسته لأنه ليس من دين وعقيدة الاحتلال.

باعتقادنا انه في هكذا مجتمعات جهنمية لا يمكن ان يشعر المرء بالسلام والأمان حتى لو كان يهوديا يريد السلام والوفاق مع الفلسطينيين أو صهيونيا مجربا مثل شارون أراد ان يتكتك من اجل مصلحة استراتيجية. فحراس الهيكل المزعوم وجند العمى العقائدي الصهيوني والتطرف المتأصل مع الحقد الأسود لا يفهمون التكتيك ولا يريدونه. لأنه بالنسبة لهم يوجد اما إسرائيل الكبرى واما إسرائيل الأكبر ..

نضـال حمد ـ اوسلـو
27-10-2004