سفراء وسفهاء
على هامش حملة التبديل والتغيير في سفارات ومكاتب فلسطين في العالم
بقلم : نضـال حمد ـ اوسلـو

بعد جهد جهيد وأخذ ورد و بعد ضجيج لم يهدأ سوى لالتقاط الأنفاس بين المتحاربين من الفتحاويين والسلطويين المسيطرين والمهيمنين على منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية وكل ما له علاقة بالتمثيل الفلسطيني في العالمين.

جاء توزيع نص القرار الصادر عن مكتب وزير الخارجية الفلسطيني المنتخب لمنظمة التحرير الفلسطينية، السيد أبو اللطف فاروق القدومي يوم 14 مارس - آذار الجاري،بشكل فاجأ بعض أركان السلطة الفلسطينية وحتى بعض السفراء الفلسطينيين.وقد جاء في حيثيات القرار المذكور أن كل سفير يحمل جنسية البلد التي يعمل فيها سفيرا لفلسطين يجب أن يحال إلى التقاعد. إذن هكذا ومرة واحدة وبدون أخذ ورد يحالوا إلى واقع الحال..

يقول القرار الصادر عن مكتب القدومي : " بناء علي مقتضيات المصلحة العامة وتمشيا مع سياسة الدائرة السياسية للمنظمة وهي وزارة خارجية دولة فلسطين تم اتخاذ خطوات عملية بخصوص الكادر الدبلوماسي في السفارات والمفوضيات والممثليات والمكاتب. وينص القرار المذكور على نقل كافة الدبلوماسيين الفلسطيينين الحاصلين علي جنسية البلد المضيف الي الوطن حسب الامكانات المتاحة حسبما جاء في القرار وفي حال عدم توفر ذلك يتم النقل الي دول أخرى ضمن لوائح خاصة لهذا الغرض علي ان يتم العمل بهذا القرار اعتبارا من مطلع شهر يونيو من العام الجاري".

هذا يعني ان مجموعة من السفراء او الممثلين سوف يودعوا أعمالهم ومراكزهم مرة واحدة والى الأبد لأن إمكانية تأمين المال لنقلهم إلى اماكن أخرى للعمل فيها تحتاج الى مداخيل مالية إضافية هي بالاصل غير متوفرة في هذه الأوقات لدى السلطة الفلسطينية. ومعروف ان تكلفة النقل مرتفعة جدا، خاصة إذا كان للسفير عائلة وأطفال يحتاجون مدارس ومصاريف ومسكن ومواصلات والخ... وكما نعلم جميعاً فان صندوق مال السلطة جف منذ سطا عليه اللصوص والفاسدين من مطلقي المبادرات السياسية والتفاوضية وغيرهم من تجار الوطن والقضية. وبعيداً عن الصندوق العجيب، يتردد السؤال التالي ماذا عن مصير هؤلاء السفراء وما سيحل بهم بعد تنفيذ القرار، وان كانوا سيعودون الى فلسطين المحتلة أم يواصلون حياتهم حيث هم في البلاد التي يحملون جنسياتها. ويبقى هناك سؤال أهم وهو مدى إمكانية إيجاد بديل معقول ومقبول يحتل مكان الجيل الأثري من سفراء أكل وشرب عليهم الدهر.

السؤال الآخر الذي يطرح نفسه بقوة هو مدى إمكانية تنفيذ القرار المذكور ، خاصة أن القدومي وحده لن يتمكن من تنفيذ قرارات لن يقبلها أهل أوسلو من السلطة. فالرجل يخوض حرباً شرسة مع جماعة سلام الشجعان من مجموعة الهندسة الاوسلوية، سلاح الهندسة السلمية، وهؤلاء مدعومين أمريكيا وأوروبيا وإقليميا وحتى عربياً، ومن يدري هل ستتمكن قيادة فتح والمنظمة الباقية في شمال إفريقيا من البقاء هناك أم أنها ستجبر على المغادرة، مما قد يؤثر سلبا على حركتها وقراراتها.، وقد يأتي ذلك في مرحلة الهجمة الشرسة على القدومي، خاصة أن أعداء الرجل يملكون أبواقا تدافع عنهم وتهاجمه بدون وجه حق، وهناك من العرب من هم جاهزون للانضمام لفرقة حسبالله الأوسلوية-الشرمشيخية، مثلما فعلت مجلة روز اليوسف المصرية، و التي ينطبق عليها المثل الشعبي العربي القائل "ألي استحوا ماتوا"...

هناك من بين هؤلاء السفراء مجموعة من السفهاء سوف تحاول مقاومة القرار او العمل على تمييعه، وهؤلاء بدورهم سيدافعون عن مكتسباتهم التي حققوها على مر سنوات الظلام التي حكمت شعب فلسطين في شتاته وفي جزره الذاتية الأوسلوية. وسنجد منهم من يهاجم القدومي ويقول انه انتهى ولم يعد يمثل سوى جيل الانتيكا في حركة فتح،وسوف نسمع عنه كلاما لم نسمعه من قبل، لكن هذا كله لن يؤثر على سمعة الرجل الذي كسب تلك السمعة بتاريخه النضالي، حيث انه من القادة الفتحاويين التاريخيين القلائل الذين لم يشكلوا جماعة أو جهاز خاص بهم. فالقدومي يحارب بسمعته الوطنية وبتاريخه الفتحاوي وبعلاقاته الفلسطينية ويقف خلفه جيل التحرير والمبادئ، جيل الفدائيين وأبناء المخيمات واللجوء والمدن والقرى والبلدات المقاومة باسم فلسطين، جيل القواعد والمبادئ الذي يرفض هزيمة اوسلو ويتمسك بحقه في الدفاع عن حقوقه وأرضه وقضيته العادلة كما نصت عليها مبادئ وقرارات مجالس م ت ف المتعاقبة وميثاقها الوطني المشطوب، وقرارات القمم العربية و قوانين وقرارات الشرعية الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة.

سوف نشهد قريبا حرباً على القدومي يشارك فيها أصحاب الألسن المبتورة، حيث سيقومون بالدفاع عن مكتسباتهم بكل ما ملكت ألسنتهم وجيوبهم وأيمانهم ومكاتبهم، وكذلك عبر تفعيل شبكة علاقاتهم مع الآخرين من المحبين والعدوين في بلادنا وبلاد الآخرين.فهناك الكثير منهم كانوا ممثلين للأنظمة العربية أو غير العربية في منظمة التحرير الفلسطينية ولم يكونوا ممثلين للمنظمة في الدول المعنية. ومهما قيل عن ان القدومي كان يعرف بذلك قبل وبعد اوسلو، لكن المعركة اليوم ليست معركة الرجل وحده بل هي معركة شعب يقوم بعضهم بتمثيله بطرق سيئة ومواقف سياسية أسوأ. فمعظم سفراء فلسطين في أوروبا والعالم يهادنون الدول التي يقيمون فيها حفاظا على مكانتهم ومكاتبهم او سفارتهم ومصالحهم، أما الذين يتلقون دعما وأموالا كمصاريف على سفاراتهم ومكاتبهم من دول عدة فهؤلاء وليسوا كلهم لا يجرئون على تقديم موقف الشعب الفلسطيني الحقيقي، ولا موقف منظمة التحرير الفلسطينية الحقيقي، ويقومون بلقاء نظرائهم الصهاينة مرارا وتكراراً، وأكثر من ذلك يقدمون مواقف ترضي تلك الدول ولا تزعج أو تزعل الطرف الإسرائيلي الذي بيده مفتاح البوابة التي يدخلون ويخرجون عبرها إلى وطنهم المحتل ومناطق سلطتهم الوطنية المحاصرة و المستباحة.

نضـال حمد ـ عضو تجمع الكتاب والأدباء الفلسطينيين
29-03-2005