السعودية والارهاب .... الشيطان يعظ !!
خـالد عـويس *
12:22 11.08.02

أضحت السعودية خلال الأيام الماضية في مرمى نيران فتحت عليها من جبهتين متناقضتين تماما ، الأولى تدمغ السعودية بالخيانة وتتهمها بموالاة أمريكا والانصياع لكل أوامرها وواصفة مواقف السعودية تجاه محيطها العربي والإسلامي بأنها مبنية على المصالح الضيقة التي ابتلعت مصالح الاخرين وداست على حقوقهم ، والثانية تجرّم السعودية بالإرهاب وتلّح في تذكير السعوديين بمشاركة 15 سعوديا في أحداث 11 أيلول سبتمبر الأمر الذي يعنى من وجهة نظرهم ، مجتمعا مفرّخا للإرهاب وراعيا له !!
تناقض الحملتين في ظل أحداث متلاحقة في المنطقة لا يشير إلى استهداف بعض الدوائر ( هنا ) و( هناك ) للسعودية وسعيها لابتزاز الرياض من منطلقات مختلفة فحسب وانما يستبطن ضغطا متواصلا يراد منه الوصول إلى صيغة جديدة للخارطة الجيوسياسية والاقتصادية فى الشرق الأوسط ، فمن جهة يجرى التحضير _ بواسطة أطراف إقليمية_ لعزل بلدان مؤثرة عن الشارع العربي والإسلامي وفق خطة إعلامية ترمى آلي تعرية الدور السعودي وتفريغه من مصداقيته واخلال التوازن الخليجي والعربي الذي تلعب فيه السعودية دورا مقدرا ، ومن جهة ثانية تعمد جهات الى تشويه صورة السعودية وطمس مبادرتها السلمية بالإصرار على وصفها بالإرهاب وتكبيلها بجرم سبتمبر ودفعها إلى اتخاذ موقف الدفاع عن النفس فقط عوضا عن المطالبة بالحقوق العربية في الأراضي الفلسطينية المحتلة والحفاظ على وحدة العراق وتلافى المخاطر التي تحيط به . يتكامل الدوران فى ان تعرية السعودية مضافا إليها وصف الإرهاب سيجعل من الممكن التسليم بنظرية إن السعودية لم تطلق مبادرتها السلمية الا لتحسين صورتها التي مسخت بعد 11سبتمبر وهى تحاول جاهدة رسم صورة سلمية عن نفسها من خلال تسويق خطط للسلام فى ظرف لا يستدعى إطلاق مبادرات !!
والحقيقة أن الناظر للأمر من هذه الزاوية التخوينية لن تعوزه سياقة الحجج والبراهين في زمن أكثر ما تستدعي الثقافة العربية فيه " ذاكرة المؤامرة" ، الا أن المواقف الموضوعية التي ظلت تصبغ تعامل القيادة السعودية مع القضايا العربية والاسلامية يصعّب من مهمة "بعض" في ترسيخ هذه المفاهيم .

استحقاقات سبتمبر !!

بطبيعة الحال فان مشاركة 15 سعوديا فى أحداث نيويورك آمر يتطلب تدقيقا ومراجعة ، لكن ما طرحه السفير السعودي لدى المملكة المتحدة د. غاذى القصيبى تبدو تفسيرات منطقية الى حد مقبول ف"القاعدة" سعت _ ولا زالت _ من جانب لنسف علاقة السعودية بالولايات المتحدة وهدفت إلى توريط السعوديين ودمغهم بالإرهاب ، ومن جانب آخر فان سهولة إجراءات الدخول للولايات المتحدة بالنسبة للسعوديين مكّنت من استخدام عدد كبير منهم ، ويصف التقرير الذي نشرته واشنطن بوست الأسبوع الماضي وأثار ردود أفعال حتى في الإدارة الأمريكية كونه مضى بعيدا في حشد الكراهية ضد السعوديين ، بأن السعودية بلد عدو وان مجتمعها بيئة مثالية للإرهاب وإنها ما فتئت تدعم الإرهابيين الذين يضربون المصالح الأمريكية فى كل مكان !!
الجهات التي أعدت التقرير تعلم موقف ( بن لادن ) من الحكومة السعودية وتدرك إن الرجل كان ذراعا نشطا لواشنطن في التصدي للخطر الشيوعى في أفغانستان إذن فان دعم الإرهابيين مقصود به (إرهابيين آخرين) يغلب الظن انهم منظمات المقاومة في الأراضي المحتلة والحقيقة إن تعريف الإرهاب بعد 11 سبتمبر اقتصر على (الجهات التي تشكل خطرا على مصالح أمريكا وإسرائيل) لذا فان التضييق الإعلامي والتهديدات لا تشمل السعودية وحدهاوانما ترمى إلى تطويق إيران وسوريا ولبنان ومصر بهدف شل المقاومة الفلسطينية تماما وإرغامها على التعامل مع وحشية شارون بطريقة ( سلمية ) !! .
سعت السعودية الي تعريف الإرهاب على نحو دقيق وعملت مع بقية البلدان العربية على وضع قوانين لمكافحته وتعاونت مع الأسرة الدولية لانجاح الحملة ضده لكن بعض الجهات تشعر حاليا بأن مبرراتها لضرب العراق غير كافية مالم يتم التنسيق مع أطراف في الشرق الأوسط وتدرك إن كل مجهوداتها الرامية لوقف عمليات المقاومة الفلسطينية فشلت في إحراز تقدم على هذا الصعيد الأمر الذي يتطلب صرامة اكثر في الشرق الأوسط ويستدعى ضغوط على بلدان متهمة بدعم الانتفاضة الفلسطينية !!

معايير التعامل مع "شارون" !

لم يدرك الإعلام الأميركي ولا الساسة الأميركيون بعد إن المقاومة متوّلدة عن ظروف ذاتية وداخلية وانه ليس بإمكان قوة علي الأرض إرغام فتاة في عمر الزهور علي نسف نفسها او إجبار طفل علي الدفاع عن نفسه بحجر في مواجهة المجنزرات الإسرائيلية , يتساءل يوسي سريد عن أبعاد الغد متنبئا بانفجار " الطنجرة " في مقال يحمل ذات العنوان نشرته " يديعوت أحر ونوت " مرّكزا علي الأوضاع " المختلفة " ومحذرا حكومة شارون من الإفراط في استخدام القوة وأسلحة التجويع والحصار وهو ذات الكاتب الذي اعترف بأن (جنين) لم تكن مذبحة وانما مأساة !! .
في مقاله عن جنين كان سريد يضع اصبعا "إسرائيليا " علي موضع الجرح الذي تأبي واشنطن أخذه بالاعتبار وتضغط عرفات والعواصم العربية لتداركه في حين أن بعض الاسرائيليين فضحوا نوايا شارون " الطيبة " واعذار بن اليعيزر " الباهتة " !!.
ويمضي يهودا ليطاني في نفس الصحيفة الي اكثر من هذا حين يصف حكومة شارون بأنها لعبة في يد الأقلية من " المستوطنين الايدلوجيين " الذين أرغموا تل أبيب علي فرض حظر التجول والإجراءات القمعية كافة التي ضاعفت من الاشتعال وكانت مدعاة لمزيد من العمليات التي اتخذت طابعا تصاعديا خلال الفترة الاخيرة ردا علي المجازر الوحشية التي ارتكبتها قوات الاحتلال الاسرائيلي .
ويتساءل عوفير شليح في مقال نشر قبل أيام عن إمكانية الإسرائيليين في الاستمرار في كذبتهم " هل يمكننا ان نواصل الاحتلال ونكون ديمقراطيين " ؟
كل هذه "الشهادات" تتجاهلها تقارير واشنطن لتعمد الي تطويق الدول العربية والاسلامية بتهمة الارهاب !!
بضعة سعوديين شاركوا في الاعتداءات الآثمة علي الولايات المتحدة ، وتصّر واشنطن علي تجريم الشعب السعودي كله بناء علي جرمهم!!
شباب في عمر الزهور وشابات يزرعون البهجة في النفوس تصدوا للاحتلال ومارسوا حقوقهم المشروعة في مقاومته بشتي السبل ولم يجدوا سبيلا لمنافحته ومنافحة الظلم سوي تفخيخ أنفسهم ، وتصّر واشنطن علي تعمية الحقيقة وردعهم بالمصطلح الذي أضحي عصا أميركا الغليظة في مواجهة العالم !!.
مقاومة تقاتل في سبيل تحرير أرضها في جنوب لبنان . وتصّر واشنطن علي أدراجها ضمن المنظمات الإرهابية !! .

الارهاب "الاسرائيلي" و "رجل السلام " !!
في المقابل ، تجري اكثر الجرائم وحشية في تاريخ العالم , ويساء إلى موظفي الأمم المتحدة والدبلوماسيين وتنتهك حقوق الصحفيين ، ويقتلون ، ولاتجد واشنطن غضاضة في وصف شارون برجل " السلام " وتقبل ان تطوي صفحة اجرامه لمجرد كلمه "اعتذار" . انه الاعتذار الذي يشبه واشنطن فعلا ... اليس من حق العالم ان يتساءل عن تفسير توجيه قنابل " ذكيه " لحفل زفاف في افغانستان وقتل عشرات ثم الاعتذار فقط وتعويض أهل الضحايا ببضعة دولارات ؟. اليس مخزيا ان تدفع واشنطن 25 مليون دولار ثمنا لرأس " بن لادن " في إطار عملية "العدالة المطلقة" كما وصفت بادئا وتبخّس أثمان الرؤوس الأخرى التي حصدتها قنابلها الذكية من دون سبب !! .
اليس من حق العالم ان يتساءل عما يجري في " غوانتنامو " ؟؟
اليس من حقه معرفة أي وجوه " العدالة المطلقة " تأخذ مجراها في معسكر كوبا وأي الوجوه يتم بها التعامل مع ملفات " جنين " و" نابلس " و " غزة " ؟..
إن واشنطن تتعامى كليا عن " إرهاب الدولة " الذي يمارسه شارون وتتجه لدمغ الآخرين به ، لأنها ليست في حاجة لمبررات أخلاقية حيال ممارسات إسرائيل طالما إنها ضغطت في اتجاه غسل يد شارون من دم " جنين " و طالما إنها تنوي ضرب العراق من دون حجج كافية وطالما إنها لازالت تتمسك باستخدام القنابل " الذكية " في جولاتها العسكرية .
الأستاذ خالد عويس مع التحيات