مبارك المهدى ...آخر الرجال المحترمين !!!
خـالد عـويس *
18:23 14.08.02

قبل اسابيع طلبت منى قناة تلفزيونية فى (لندن) المشاركة فى اعداد اسئلة سيتم طرحها من خلال حوار تلفزيونى مع (السيد) مبارك الفاضل المهدى ، وكنت معنيا بمتابعة الحلقة لأتبين صدقية الرجل فى اتجاه (الاصلاح) !! .

بطبيعة الحال عمّقت لى اجابات (السيد) الفاضل على الاسئلة الثلاثة الاولى قناعاتى حيال السقوف الفكرية المتواضعة التى يستظل تحتها ، ولم يكن الامر مستغربا بالنسبة الى فالسيد مبارك ، واغلبية القيادات السياسية التى تنّسمت القيادة وتحلّقت حول (السيد) الصادق المهدى منذ الستينيات من القرن الماضى لم تزد عن كونها (زعامات) عشائرية او (ابناء) بيوتات مسنودين بالوجاهة او ( انتلجستيا ) لاذت بحزب الامة وعطلت طاقاتها الفكرية واكتفت بأداء دور متواضع بكل المقاييس ، ومحصورا فى اجترار الطروحات الفكرية التى ينتجها السيد الصادق ، وحتى هذا الدور الضئيل يؤدى من دون فهم عميق لطبيعة الحوار الفكرى وابعاد الرؤى المطروحة !!

افاض (السيد) مبارك فى التحدث عن دكتاتورية زعيمه السابق وانفراده بالرأى وعن استنفاذ الاخير طاقات الاصلاح والتجديد وتردده حيال المشاركة فى السلطة اضافة لقرارات التعيين التى كان يمليها على الحزب ، وكان المحاور الشاب حصيفا وهو يضيّق الخناق على (السيد) مبارك بأسئلة ساخنة حول دور (السيد) مبارك كجزء من التركيبة القيادية فى كسر طوق الديكتاتورية الداخلية ورضائه بمبدأ التعيين وعن صمته ازاء كل الممارسات الخاطئة _ التى أجاد توصيفها_ ، طيلة السنوات التى قضاها قياديا فى أروقة الحزب مدعوما ب..(نسبه) و(سيادته) !!

والحقيقة اننى اشفقت على الرجل وهو يستهلك كل المبررات المتوفرة لديه عاجزا عن الايفاء بالاستحقاقات الاعلامية البدهية المطلوبة منه فى مواجهة مذيع محنك استطاع ببراعة ان يكشف الوجه الحقيقى للسياسة السودانية !!.

لم يعد خافيا ، ان (السيد) مبارك _ الذى يصر على (السيادة) _ التى تسنده طالما ان الفكر عاجز عن اسناده ، ضاق ذرعا بالمماطلة التى لقيها مشروعه السياسى فى اقتسام السلطة ، فالسيد مبارك الذى يتحجج بالاصلاح كذريعة لانشقاقة ليخفى بالشعارات رغبته العارمة هو ومشايعيه فى (ترميم) الحزب و(رفده) اقتصاديا بالتكسب سياسيا من السلطة وهى نقطة المح اليها فى حواره التلفزيونى وهو يتحدث عن (فقر) الحزب و(عوزه) ، لكنه نسى _ أو تناسي_ ان بعض متنفذى الحزب يعيشون عيشة السلاطين والامراء وبامكانهم _ لو ارادوا_ دعم الحزب وتوظيف طاقاته على نحو سليم !!

.... ، دعنا نتعمق مع (السيد) مبارك فى تفكيك (الاصلاح) الذى ينادى به وكأن (الاصلاح) نفحة صوفية تهب فجأة لتنسى (المجذوب) تاريخه وتهيء له دربا جديدا . متى كان (السيد) مبارك معنيا بالاصلاح وهو الذى حارب معظم الاصلاحيين فى حزب الامه وشارك فى تشريدهم ؟

ماهى مرتكزات (الاصلاح) الذى غاب عن بال السيد مبارك عشرين سنة ثم تناسل فجأة من ذهن لم تشهد الساحتان الفكرية والثقافية له بأى سجال حقيقى او دفق يؤهلة للمناداة بالاصلاح والتجديد !!

تشهد الساحات الفكرية والثقافية للسيد مبارك بمعارك خاضها ضد كل من تجرأ على خط كلمة نقد واحدة بحقه فى الصحف السودانية حتى أنه اصبح معروفا بعداوة الكتاب والمثقفين الأمر الذى يجعل منه منافسا (مدنيا) لجوبلز وزير الدعاية الالمانية على عهد هتلر الذى كان كلما سمع كلمة ثقافة تحسس مسدسه !!

وتشهد الساحة السياسية بأنه جرّ حزب الامه الى مخاصمة القوى السياسية فى السودان بتصريحاته (الراجحة) ومواقفه (المتزنة) بدء من الاستنصار بالامريكيين ضد الانقاذ فى ايام ضرب مصنع الشفاء الامر الذي عدّه مراقبون معنيون بالشأن السودانى من قبيل (الغاية تبرر الوسيلة) وهو مبدأ موغل في ميكيافيليته لا اعتقد ان (الاصلاحيين الجدد) تخلوا عنه ، ثم كانت الطامة الكبرى حين شارك _ من وراء ظهر التجمع _ فى مباحثات جيبوتى واصطنع معركة مع فصائل المعارضة رغم خطأه الواضح وكان الاجدر ان يعتذرمن التجمع عن مشاركة عدّها التجمع وقتئذ خصما على رصيده لكن (الاصلاحى الجديد) يأبى الاعتراف دائما بمسؤولياته ويرميها على الآخرين فكيف يتحقق الاصلاح من دون نقد ذاتى وقبول بالمراجعات !!

هل يقبل (الاصلاحى الجديد) بمراجعات أمينة تتناول تاريخه خاصة ما يتعلق بالشهور الاخيرة من الديمقراطية ثم حصاد الغربة !!

تناول (السيد) مبارك موضوعا في غاية الحساسية وهو يلوّح بتهديدات حيال ملفات (تمويل الحزب) و(الاسرار المالية) التي بحوزته عن (السيد) الصادق ، وبطبيعة الحال فان من حق جماهير حزب الأمة والشعب السوداني أن يكشف (الاصلاحيون) ما يهددون به ، لأن القضية هنا ليست مناورة سياسية يهدف بها (السيد) مبارك لتسجيل هدف في (الوقت الاضافي) في مرمي خصمه ، انما هي مسألة في جوهر (الاصلاح) و(حق الجماهير) ، الا اذا كانت الأكمة تخفي (أشياء) ضد (السيد) مبارك نفسه لتهدم نسقه الاصلاحي بالكامل !!

لا يستقيم أن ينادي احد ما ب(الاصلاح) ثم ينكص عن تمليك الجماهير الحقائق كاملة ، ثم لماذا صمت (السيد) مبارك دهرا ونطق (...) ألم يكن فى موضع القيادة ومحل السيادة في حزب الأمة !؟

لا يجدر بالسيد الفاضل السكوت عن قضايا هى في صلب العملية الاصلاحية التى شرع فيها ، الا اذا كان في فمه (ماء) !!

ما هي الثمرة المرجوّة من الاصلاح طالما أنها تبقي علي (السيد) الفاضل ... سيدا ، وتكرّس لمفاهيم (الكم) عوضا عن الكيف ، وتناور داخل اطار (القطيع) المدجّن ، ولا تفك اسارها عن التركيبة الهشّة والأطر الضيّقة التي همشت المثقفين _مثلا _ عن المشاركة الفاعلة في حزب الأمة ... هل يستطيع (السيد) الفاضل استقطاب مثقفين ، هل يستطيع رد الاعتبار للراحل محمد أحمد محجوب الذي جعله اختلافه مع (السيد) الصادق منسيا ومهملا في ذاكرة الحزب رغم أهليته التاريخية وجدارته السياسية ومكانته الثقافية الرفيعة !؟

كيف يمكن لرجل هو جزء من المؤسسة القديمة ، وكان فاعلا في كساحها وتكريس مفاهيمها أن يخطو باتجاه اصلاح (حقيقي) !؟

ان الاصلاح ايمان عميق في اتجاه الحداثة والتطوير و(التواضع) فى معرفة الذات وكشفها بغرض هدم الانساق القديمة وتقويم اعوجاجها ، والتزود بخبرات الآخرين ومرئياتهم من خلال حوارات أمينة قائمة علي الندية و(الحق) السياسي والمدني ، ولا (أؤمن) اطلاقا بأن (السيد) مبارك تزحزح قيد أنملة عن مفاهيمه القديمة وقناعاته السابقة ليتأهل لأداء دور تاريخي مهم كالذى يبشر به !!
الأستاذ خالد عويس مع التحيات