آخر نكتة ..... السيد (العفيف الأخضر) !!
خـالد عـويس *
16:36 18.08.02

لم استغرب ابدا ما خطه قلم العفيف الاخضر فى صحيفة الحياة عدد الاحد 18 آب اغسطس من أن العقل العربى عاجز عن فضح ثقافة (الانتحار) المرفوضة اخلاقيا ، ودينيا والكارثية سياسيا !! .
ولم اتعجب من مضيّه قدما فى تفكيك المبررات السخيفة والذرائعية (المشبوهه) التى تغلف مواقف النخبة العربية حيال (العمليات الانتحارية) برغم اعتراف محمد عابد الجابرى _مثلا_ بلا معقولياتها كونها تعمق ازدواجية تنافر ما بين السعى للسلام وتفخيخ الانسان احتجاجا على المدنية الحديثة !!.
لم ابتلع الدهشة مرغما و (الاخضر) يخلط مفاهيم العنف لدى جماعة (النور) التى هددت بجعل لبنان بركة دماء والظروف المعقدة التى تدفع مقاوما فلسطينيا او (مقاومة) ... على تكبيد العدو خسائر فادحة وتزرع فى الاسرائليين رعبا مستمرا !!
ذهب ..(العفيف) بعيدا فى اجتراح رؤية تلقى اللوم على الثقافة المغلقة وتهافت المثقفين على تشجيع العمليات الانتحارية _ بحسبه _ وتساءل عن جدواها فى مساعدة الشعب الفلسطينى فى تحقيق هدفه المتمثل بقيام دولة لن تتأسس (برأيه) على حساب الرأى العام العالمى المناهض للعمليات الانتحارية !!
... و (يتعمّق) العفيف فى مقارنة الامر بالتحوّل اليابانى الى ثقافة السلام عوضا عن الثارات ، والنتائج التى جنتها اليابان من جراء الاستجابة التى قادت اليابانيين الى نزع فتيل (الثأر) والعيش فى سلام مع الامريكيين ، ورد المسألة برمتها الى رغبة الثأر المتراكمة فى التاريخ العربى داعيا _ بين السطور_ الانتلجنسيا العربية الى تبنى رؤيته السلمية !!
فى اليوم ذاته نشرت صحيفة واشنطن بوست تحقيقا عن العمليات التى دعا (العفيف)... (الاخضر) لوقفها خلصت من خلاله الى ان العمليات الاستشهادية هى السلاح العسكرى (الاكثر فاعلية) بيد الفلسطينيين ونقلت عن ضابط اسرائيلى قوله بأنها ..(العمليات) هى النسخة الفلسطينية لسلاح (ذكى) !!
العمليات الاستشهادية التى يصف (العفيف) مخططيها بالأمية السياسية ويتجاهل _عن عمد_ المسلسل الطويل من المذابح الاسرائيلية بحق الفلسطينيين بدء من ابى كبير و ابى شوشة والطنطورة مرورا بكفر قاسم وخان يونس وصبرا وشاتيلا نهاية بجنين وحى الدرج _وبطبيعة الحال تبقى النهاية مفتوحة_ ، اقول ان هذه العمليات هى التى خلقت شيئا من توازن الرعب بين الفلسطينيين و(جيش الاحتلال) فى ظل تهاون اقليمى وعبث دولى لا يرقى الى مستوى الدماء المستباحة فى ظلال الاقصى وهى التى ارغمت حكومة ارييل شارون على استنفاذ خططها وتهاوت (المائة يوم) و(السور الواقى) وغيرها تحت وطأة الصمود الفلسطينى الجبار والعمليات الفدائية التى اضحت الهاجس الاوحد لتل ابيب و... السيد (العفيف) !!!
لم اتعجب ابدا من ان تسل اقلام عربية من أغمادها (الاممية) و(العولمية) لتغمد فى ظهر الانتفاضة ، ولا يثير الاستغراب ابدا السيد الماركسى الذى يؤمن بالاممية الرابعة التى تلاقحت مع العولمة لتفرز مسخا مشوها اسمه (الامركة) أجهد بعض المثقفين العرب انفسهم فى الدفاع المحموم عنها ووجدوا فى (حازم صاغيّة) المشرف على صفحة تيارات فى صحيفة الحياة عرّابا ينشر كل كتاباتهم المسمومة الداعية لوأد ثورات الشعوب ودفاعها المشروع عن حقوقها !!
اليس من حق القارىء العربى ان يتمهل أمام صفحات التاريخ ويتساءل عن دور السيد (العفيف) فى تفجير خلاف اردنى فلسطينى حين قدم الى عمان فى 1968م رفقة سيد تونسى واكاديمية مغربية تدعى حكيمة برادة واتصل ثلاثتهم بالجبهة الديمقراطية لاقناع قادتها بشعار (لاسلطة فوق سلطة المقاومة) ويدعو السيد (العفيف) لتبرير ازدواجية خطابه ما بين سلطة المقاومة و(مقاومة) المقاومة !؟
اليس من حق القارىء مساءلة (العفيف) عن ازدواجيته هو وتعاطيه مع السيد (بابلو) ولعبهما دورا فى اقناع الرئيس الجزائرى احمد بن بيلا فى انتهاج سياسة متطرفة قبل ان يعودا الى فرنسا فى اعقاب انهيار حكم بيلا !؟ .
على السيد (العفيف) الذى يحاكم الفكر العربى المسؤول _ برأيه_ عن جناياتنا فى حق (الامركة) التى يغدق فى تعديد مزاياها ، ويطال بالنقد المؤسسات التى انتجت ثقافة مأزومة وحاضنة للعنف ان يحاكم تاريخه ومواقفه ايام كان ماركسيا معاديا للينين ومواليا ل(روزا لكسمبورغ) وطوّافا على العواصم العربية يبشر بثقافة العنف وسياسة التطرف قبل ان(يدجّن) لجهة (الامركة) والتبشير بثقافة (الاذعان الكامل) و(الرضوخ المخزى) هو ودعاة ( الاستسلام) و(تسليم الرقاب) الى شارون الذين وجدوا سانحة وفرّها السيد (حازم صاغيّة) لكل من يرغب فى التهكم على نضال الشعوب والدعاية ضد ما وصفه بالهذيان الجماعى وحمى العنف التى سادت الجميع وجعلتهم (مسخرة) بين الشعوب المتحضرة التى تؤمن بالعدل والمساواة والسلام !!
المسخرة الحقيقية أن نجعل من أقلامنا بؤر معبأة بالصديد والقيح الذى ينفث على قبور الشهداء ، وأوراقنا ألغام مزروعة تحت الجلد العربى ، وملحمتنا الكتابية _ التى نمارسها من داخل المكاتب المبرّدة فى باريس ولندن _ ملهاة تشغل الأجيال العربية الجديدة عن استشراف مستقبل جديد لا يتأسس على الخضوع لواشنطن وتل أبيب ، انما ينقى الدماء العربية من كريات التخاذل والاستجداء و(التوسّل) !!
المسخرة أن يكون نقد (الخطاب التبريرى) تبريرا كارثيا يريد أن يجّرنا الى الايمان المطلق ب(قدسية) العولمة وحقيقتها المطلقة من دون النظر فى آثارها السالبة وجرائمها فى حق الانسانية وأولاها التعمية عن المصطلح الأكثر تطابقا وهو (الأمركة) !!
داعية الخطاب النقدى عوضا عن (الخطاب التبريرى) لا يتجاسر على النظر الى الحقيقة من كل زواياها ويتغافل تماما عن الظروف الموضوعية التى أدت الى مقتل 1800 فلسطينيا علاوة على 40 الف جريح _ معظمهم اصيب بعاهات مستديمة _ منذ بدء الانتفاضة ولا يفتح عينه على ارهاب الدولة الذى تمارسه حكومة تل ابيب والاذلال اليومى والقمع المتواصل واستهداف (الاطفال) ، فكل ما يعنيه هو اكمال مهمة موكولة اليه من قبل (جهات) لاتريد ان تبقى للشعوب المستضعفة اى قدرة على الثورة !!
السيد (العفيف) الذى ينقد (نقد العقل العربى) ويوّثق لحقبة أقل ما توصف به انها فرّخت التخاذل فى كل مكان والّهت امريكا ، يريد من المثقفين العرب أن يسلموا أنفسهم الى اليأس ويركنوا للهزيمة الكاملة تحت ذرائع الحضارة والسلام و... (الخطاب النقدى) !!
لن نكون بحاجة الى تذكير السيد (العفيف) بأن حضارة السلام التى (يغزونا) بها ، عجزت باعتراف الأمينين من مثقفيها أن تكون متحضرة وراعية (نزيهة) لحقوق الانسان حين واجهت أول أزمة حقيقية وضعت صدقيتها على المحك !!
يريدنا السيد العفيف ان نبصق على قبور الشهداء ونصفق لـ (الشيزوفرينيا) ..!! .
خالد عويس _ كاتب وصحفى سودانى / الرياض