الاعلام العربي : البحث عن تطمينات في السودان !!
خـالد عـويس _ الرياض
18:34 29.07.02

الأستاذ : خالد عويس
باللقاء الذي جمع الرئيس السوداني عمر البشير بزعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان الدكتور جون قرنق ، يكون السودانيون قد قطعوا شوطا مقدرا في اتجاه حسم خلاف دام _ مسلحا _ ومتواصلا قرابة ربع قرن من الزمان علاوة علي مناوشات مكثّفة منذ العام 1955 م ، وبذا أصبح جني نتائج جوهرية من جولة المفاوضات القادمة في نيروبي ، أمرا سهل التحقق بعد أن أفرزت "مشاكوس" مؤشرات واضحة لجهة السلام ، الأمر الذي أعاد ضخ الدماء في عروق السودانيين التي تيّبست من اليأس ، فالسلام الي جانب الانتعاش الاقتصادي الذي تشهده بلادهم ، وضعهم امام تحديات حقيقية في انهاض السودان واعادة اعماره ، ولعلهم بالفعل مقبلون علي مرحلة مراجعات عميقة تستدعيها الفترة الانتقالية التي ستثمر اما عن وحدة او انفصال يعي السودانيون مخاطره علي الشمال والجنوب ، وهم أقدر من غيرهم علي تلافي النتائج الكارثية للانفصال ، لكن بالقدر ذاته لن يفرطوا في مكسب السلام حتي اذا كان خصما علي وحدة التراب السوداني !!

الاعلام العربي الذي كان غائبا عن تطورات القضية السودانية ، انقلب فجأة بعد _ مشاكوس _ للاهتمام بالشأن ، واحتلت اخبار التفاهم السوداني صدارة اعلامية خلال الاسبوعين الماضيين ، ومضي غالبية الاعلاميين في تشريح القضية وتفكيكها ، الا ان تعامل الاعلام العربي ظلّ موسوما بسطحية ونقص في المعلومات المعمّقة حيال ابعاد مشكلة السودان في جنوبه ، اذ اتجه اغلب من تناولوا الموضوع الي التعبير عن مخاوف بخصوص " الأمن القومي العربي" ، وهدفوا للحصول علي تطمينات من السودانيين حيال الوحدة من دون بحث الاسباب الحقيقية التي افضت لحرب طويلة انهكت السودان وأفقرته !!

والواقع أن الاعلام العربي ومن ورائه السياسة العربية كان جزء من رفع درجة التوتر "الاثنية" في السودان ، ودفع الخلاف الي مستويات عرقية ودينية ، بالتركيز لسنوات طويلة علي ان الخلاف ناتج من تمرد بعض الأفارقة في السودان ، المدعومين من القوي "الصهيونية " والغربية لجهة اضعاف السودان "العربي" وتفكيكه وضرب مصالح مصر ، ولم يعن الاعلام العربي بدراسات موضوعية عن جذر الأزمة الاثنية في السودان وكونها تفرعت لتشمل "النوبة" في الغرب و" الانقسنا" في الجنوب الشرقي و"البجا" في الشرق ، وأن التكوين السوداني متعدد ومتباين ، وأن أيّ نوع من انواع الدعم والمساندة "الاثنية " و"الدينية" ستجعل أطراف أخري تلجأ لاستنصار قوي اثنية ودينية مخالفة ، وأنه يجدر بالسودان الشمالي الاعتراف بمظالم تاريخية أوقعها بالجنوب والغرب والجنوب الغربي .

النعوت التي كانت تطلق علي د. جون قرنق واصفة اياه بأنه ذيل للامبريالية والصهيونية وانه يهدف الي طرد "العرب" من السودان ، عمّقت الشعور العدائي ، وأوجدت تنافرا ما بين الاعلام العربي والقوي السياسية في الجنوب التي تعتبرها وسائل الاعلام العربية موّحدة تحت لواء قرنق ، في حين أن شخصيات أخري "حتي من قبيلة الدينكا التي ينتمي اليها قرنق" أوجدت لنفسها مساحة سياسية مقدّرة خارج اطار الحركة الشعبية مثل ابيل الير ود. فرانسيس دينق ، بل أن رجلا كأبيل الير ترشحه أوساط سودانية لرئاسة الفترة الانتقالية في السودان ويحظي باجماع واحترام واسعين وسط القوي السياسية السودانية !!

تجاهل العرب لدولة مثل اريتريا قادها للتنكر للأمة العربية بكاملها بسبب أن العرب تعاملوا مع البعد العربي فحسب في اريتريا ولم يحسبوا حسابا للابعاد الاخري التي تشكلها ، وما نخشاه حقا هو ان تقوّي الاصوات السودانية المطالبة باعلاء " الشأن الافريقي" في السودان خصما علي العربي ، كرد فعل طبيعي ترشحه الظروف التي فرضت نفسها علي الشعب السوداني والتجاهل العربي الذي ترك مرارات عبّر عنها قراء سودانيون " شماليون" في رسائل بعثوا بها الي جريدة "الزمان" خلال اليومين الماضيين ، فهل يعمل الاعلام العربي علي تلافي اخطاء تاريخية ارتكبها طيلة عشرين عاما ليس بحق السودان وحده ، انما بحق الصومال ومريتانيا وجيبوتي ايضا ، أم أن ما توفر للسودانيين من مناخ موات للصحوة الاقتصادية والسلام مع اخطاء الاعلام العربي ستوّلد جفوة بين السودانيين ومحيطهم العربي ؟
الأستاذ خالد عويس مع التحيات