في الحدث
الحركة الشعبية في السودان : التحولات المدنية !!
خـالد عـويس *
15:09 30.07.02
يجمع مراقبون سودانيون علي أن العقيد جون قرنق الذي يقود الحركة والجيش الشعبي لتحرير السودان منذ "ثورة" حامية بور العسكرية في 1983م ، يتمتع بأفق سياسي عال ، وقدرة علي المناورة والتكتيك ما أهله لأن يضع نفسه في قلب الاحداث السياسية في السودان طيلة عشرين عاما ، وهو ينتقل من "المانفستو الماركسي" الي الليبرالية مستدركا التحولات الدولية ، ومن مقاومة نظام "نميري" الي ارهاق الاحزاب ، ومصادمة الجبهة الاسلامية ، ومن فكرتي "الفدرالية " و"الكونفدرالية" الي "السودان الجديد" !!
يظل الدكتور جون قرنق اللاعب الأكثر تمتعا بلياقة ذهنية في الحقل السياسي السوداني ، وهو يدرك جيدا لعبة التوازنات والمعادلات القائمة ، لكنه طرح مفهوم "السودان الجديد" كفكرة استقطبت المثقفين السودانيين ، ودعت الكثيرين الي مراجعات معمّقة حيال "السودان القديم" ، فالعقيد يطمح فعلا الي تفكيك عناصر التوتر ومسببات التنافر ، التي يعزوها الي شكل التركيب السوداني القديم داعيا الي "سودان جديد" يتأسس علي دستور عدلي يخضع لاعتبارات التعدد ، وعلي جراحات تستأصل القيم المجتمعية والسياسية التي افضت لاقعاد السودان .
السودان الجديد تيار فكري جدير بالاعتبار ، لكن اسئلة مهمة تعترض سبيل تجذيره في الخطاب السياسي خلال المرحلة القادمة ، فالمفاهيم المدنية التي ينادي بها قرنق تصطدم بقدرته علي تفكيك "الجيش الشعبي" الي كيان مدني قادر علي التعاطي الذوبان في مجتمع مدني عوضا عن "لغة السلاح" التي استخدمها طويلا ، وتصطدم بمدي التزام "الحركة الشعبية" بالبعد القومي في اجنداتها بحيث لا تتحوّل
الي كيان "جنوبي" يناكف كيانات "شمالية" خلال الفترة الانتقالية ، وتصطدم بالخلافات السابقة في الحركة الشعبية التي قادت الي حالة من التنافر بين قبيلة الدينكا " المكوّن الرئيس " للحركة والقبائل الاخري ، وقدرة قيادة الحركة علي تخليق حزب مدني قادر علي استقطاب "السودانيين " بعيدا عن منظور القبيلة والجهة ، وتصطدم بقدرة قرنق علي حفظ التوازنات بين حلفائه في التجمع المعارض ، والمؤتمر الشعبي الذي يقوده د. الترابي ، ومفاوضيه في الخرطوم والابقاء علي مؤيديه وسنده الشعبي في آن والعمل علي جذب شرائح سودانية اخري علي حزبه الذي اصطبغ طيلة عشرين عاما بصبغة جهوية لا تختلف عن احزاب "السودان القديم" ، فهل ينجز العقيد الانجاز الاهم في تاريخ السودان بصوغ أجندة فكرية فاعلة ترمي الي انشاء "سودان جديد" بامكانه في المبتدأ تحويل دعاته أنفسهم الي مدنيين ، أم ينغمس قرنق في احالة الصراع من عسكري مسلح الي صراع مدني يركّز _ من جهته _ علي قضايا الجنوب ويهمل الابعاد القومية لنضاله الطويل ؟
* كاتب وصحفي سوداني مقيم في الرياض
|
|
الأستاذ خالد عويس مع التحيات
|
