ثورة عام 1936
تاريخ النشر : 12:50 09.06.02

الحلقة الخامسة

إتخذت بريطانيا من اضطهاد اليهود في المانيا ذريعة لها لفتح الباب على مصراعيه للمهاجرين اليهود الى فلسطين وأخذت أعداد هؤلاء ترتفع يوماً تلو الآخر مما زاد من وتيرة الغضب الفلسطيني وارتفعت الأصوات بضرورة فعل شيء ما .
فسجل عام 1935 نسبة كبيرة في أعداد الشباب الفلسطيني الذي إلتحق بفصائل المجاهدين التي كان أسسها الشيخ عز الدين القسام قبل إستشهاده بتاريخ 19/11/1935 أثناء معركة خاضها مع رفاقة من المجاهدين ضد الصهاينة في احد حقول بلدة يعبد وكان في إستشهاد الشيخ القائد إيذاناً ببدء الثورة الشعبية عام 1936 خصوصاً وأنه ثبث للجميع صحة ما كان يحذر منه الشيخ المجاهد من خطورة دعوات التعايش والسلام مع الصهاينة التي كانت تطلقها أصوات عربية وتروج لها (للمقارنة : انظر ما يقوم به اليوم عرفات ومبارك وعبدالله الثاني وآل متوسل وكأن التاريخ لا يعيد نفسه فقط وإنما يصاب أحياناً بدآء الشلل فيظل جالساً في زاوية مظلمة او في قصور الجهلاء الأذلة من حكام وطن لن تشرق فيه شمس الحرية إلا بغيابهم عنه ).

في عام 1936 بدأت الثورة الشعبية في فلسطين بتنظيم الإحتجاجات والمسيرات وتطورت الى إضراب عم جميع المدن والقرى الفلسطينية الى جانب تصعيد المجاهدون لعملياتهم العسكرية ضد المستوطنات والقوافل الصهيونية ولم تستطع قوات الإنتداب السيطرة على الأوضاع فعمدت بريطانيا الى حيلة جديدة فأرسلت لجنة لتقصي الحقائق برئاسة (Lord Peel) وروجت بأنها أوكلت للجنة المذكورة رفع تقرير للحكومة السامية وأنها ستأخذ بإقتراح اللجنة .

في عام 1937 كان قد وصل عدد اليهود الى حوالي 400 ألفاً مقابل حوالي مليوناً من العرب الفلسطينيين . في هذه الأثناء أصدرت لجنة اللورد بييل إقتراحاتها بتقسيم فلسطين ما بين اليهود والعرب الفلسطينيين بحيث يحصل اليهود على منطقة بمحاذاة الساحل الفلسطيني تمتد من تل أبيب الى حيفا وتمثل ما نسبته 20% من مساحة فلسطين فيما تخصص البقية (80%) للسكان العرب (اليوم أصبح الوضع معكوساً تماماً) .
وكما كان متوقعاً قبل اليهود القسمة وقال بن غوريون معلقاً على ذلك : "على الرغم من صغر مساحة ما حصلنا عليه إلا اننا سنكون مجانين إذا رفضناه ، لأن هذه الدولة اليهودية على أرض فلسطين لن تكون نهاية المطاف وإنما هي البداية لـ "إسرائيل الكبرى" .

إشتم الفلسطينيون رائحة الخدعة البريطانية خصوصاً وان اليهود لم يتوقفوا عن بناء المستوطنات في المناطق التي يفترض ان تكون للدولة الفلسطينية فلجأ الفلسطينيون لقوة السلاح واستطاع المجاهدون تحرير العديد من المدن والقرى ومنها القدس كاملة واستعادة السيطرة عليها ولكن الجيش البريطاني أصر على عدم قبول الهزيمة فاستدعى وحدات إضافية من المستعمرات المجاورة ومن بريطانيا نفسها لتعزيز قواته في فلسطين وبدأ الجيش البريطاني بشن أشرس الهجمات على المجاهدين وأخذت طائراته تقصف القرى الفلسطينية جواً وعلى الأرض كانت تفجر البيوت وتجرف البيارات والحقول وأعدمت شنقاً حسب مصادر بريطانية 100 من المجاهدين في شهر واحد واعتقلت آلاف المواطنين حتى أنها كانت تربط المواطنين في مقدمة الحافلات العسكرية لكي لا تهاجم من قبل المجاهدين الفلسطينيين .
لكن الثورة وبرغم بشاعة الجيش البريطاني من جهة والعصابات الإرهابية اليهودية من جهة أخرى وإستشهاد ما يزيد على 6000 فلسطيني (حسب المصادر البريطانية ، فيما العدد الحقيقي أكبر بكثير) إلا أن الثورة الشعبية إستمرت حتى عام 1939 .

ومن ناحيتها كانت منظمات الإرهاب اليهودية تمارس الضغط على بريطانيا من ناحية وتهاجم المدنيين الفلسطينيين من ناحية أخرى ، ففي عامي 36/1937 أخذت العصابات اليهودية بزرع العديد من القنابل والألغام في المقاهي الشعبية أكثرها دموية كانت في شهر مارس/آذار في احد مقاهي يافا وكذلك تلك التي إستخدموا فيها شاحنة مفخخة فجروها في سوق يافا للخضار وذلك في سبتمبر/ايلول وراح ضحيتها 400 ـ 500 فلسطيني (عدد الضحايا يختلف من مصدر الى آخر) الى جانب مئات الجرحى والمصابين .
ونال اليهود أنفسهم قسط من الإرهاب اليهودي حيث قامت مجموعة إرهابية يهودية في 6/يوليو/1938 بتفجير عدد من السفن التي وصلت الى ميناء حيفا بما فيها من مهاجرين يهود بهدف لفت الرأي العام الدولي الى قضية الهجرة اليهودية وجعل العالم يمارس الضغط على حكومة الإنتداب بالسماح لأعداد أكثر بالهجرة الى فلسطين ، حيث كانت بريطانيا ولتهدأة السكان العرب في فلسطين والإلتفاف على ثورتهم قد عمدت الى إصدار قرار يحد من الهجرة اليهودية لفلسطين ما أثار غضب الحركة الصهيونية العالمية .

بغزو الجيش الألماني لبولندا بدأ يخيم شبح الحرب على اوروبا وفجأة تذكرت بريطانيا حلفائها العرب ...

إعداد : احمد منصور
الحلقة السابقة