حديث الصيف : الى أن يلتقي العرب
بقلم : سلمـان نـاطور
تاريخ النشر : 15:23 15.09.04


يستطيع الزعماء العرب طرح البيض العربي
(البلدي منه والمصنع) في السياق الحضاري
المعاصر بوصفه نقطة انطلاق لبحث مسائل
فلسفية لم يجد لها العقل البشري اجابات شافية

يبدو أن المستجدات على الساحة العربية ليست سببا كافيا لالتئام الحكام العرب في مؤتمر قمة، ويبدو أن كل ما يواجه العرب ليس كافيا لتوحيدهم، وهذا أمر طبيعي ومفهوم في المشهد العربي الراهن، فليس هناك ما يدعو الى اتفاق العرب سوى ألا يتفقوا ! ولأن الهم العربي القومي اليوم هو أن يلتقي الزعماء العرب فان المهمة القومية الأكبر هي أن تجد الموضوع الذي يجمعهم في مؤتمر قمة، ويستطيع الانسان العربي الساذج والبسيط من أمثالي أن ينشغل يوميا في البحث عن أجندة تجمع الزعماء العرب دون أن تثير حساسيات قومية واقليمية، فما من لقاء عربي الا وتفجر على موقف وقضية تافهة ومزاج عكر، ولا أكتمكم سرا أنني بعد جهد جهيد لم أجد ما يوحد الزعماء العرب سوى البيض ، نعم البيض الذي نأكله ولا بيض لنا سواه.
كيف يستطيع أن يلتئم الزعماء العرب حول مسألة البيض؟
لا يخفى على القاصي والداني أن البيض يشكل المادة الغذائية الأكثر انتشارا في الوطن العربي وهو في منزلة القمح ولأن العالم يعاني من أزمة غذائية فان بحث مسألة البيض يجعلها قضية حياتية ومصيرية بالنسبة لمستقبل الفرد العربي في القرن الحادي والعشرين وهو بطبيعة الحال يخترق جميع الطبقات والشرائح العربية الاجتماعية، فالأغنياء بحاجة اليه لصنع "الكريمة" للكعكات الفاخرة والبوظة الجيدة بعد الأكل والفقراء بحاجة اليه "للعجة" وهي أكلتهم الفاخرة ، هذا على مستوى التنمية الغذائية وأما على المستوى الاقتصادي فان البيض في التاريخ الاقتصادي العربي هو في مستوى النفط العربي اذ استعمل للمقايضة بدل العملات المصكوكة تماما كما يستعمل اليوم برميل النفط للمقايضة بدل الأسلحة والسيارات والذهب وقد يتفق العرب في مؤتمرهم أن يبقوا على المقايضة بالنفط في التجارة الخارجية على أن يكون البيض بمثابة العملة المتداولة في الوطن العربي تمهيدا لتوحيد العملات العربية، وسيكون ذلك بمثابة الترجمة العملية لاختيار اللون الأبيض واحدا من أبرز ألوان العلم العربي الأربعة.
في عصر ما بعد الحداثة القائم على ابراز تميز الخاص ضمن شمولية العام فان الزعماء العرب يستطيعون طرح البيض العربي (البلدي منه والمصنع) في السياق الحضاري المعاصر بوصفه نقطة انطلاق (كموطيء القدم الذي بحث عنه أرخميدس ليحرك العالم) لبحث مسائل فلسفية لم يجد لها العقل البشري اجابات شافية وعلى رأسها السؤال التاريخي : من خلق قبل، البيضة أم الدجاجة؟ ثم هل هي مصادفة كونية أن الكرة الأرضية تتخذ شكلا بيضويا؟ ان البعد الفلسفي والفكري والفلكي للبيضة هو مسألة عربية لأن الغرب حين يطرح معضلة البيضة والدجاجة في أسبقية الخلق فانه يتجاهل تماما دور الديك في هذه العملية والمجتمع العربي بوصفه مجتمعا ذكوريا، خاصة في محافل الزعماء والحكام، فان اضافتهم لدور الديك ستكون بمثابة النقلة النوعية في تصحيح مسار الفكر البشري لايجاد الجواب على هذه المعضلة الفلسفية التاريخية. ولأن الحكام العرب من الذكور فقط فيستطيعون بلا أي حرج مناقشة قضية أخرى هامة وخطيرة لها علاقة بالبيض وهي مسألة البيض والجنس. ربما أن الحكام العرب لا يملكون اضافات على النظرية الفرويدية في التحليل النفسي فالجنس في الفكر العربي السلطوي ليس مادة للتحليل النظري لأنه حالة أرسطوطالية تماما كالمادة، اما أن تكون حالة بالقوة أو حالة بالفعل وليس هناك مكان للتحليل بل للانحلال، ولأن البيض قابل للانحلال وليس للتحليل فان مؤتمر القمة المزمع عقده قد يتخذ موقفا واضحا من الفرويدية التي أفسدت الغرب بأن بررت قتل الابن لأبيه، وهذا ما لا تسمح به الزعامة العربية وقد يكون أحد شعارات المؤتمر المستمد من الواقع العربي الراهن : "نعم للانحلال ، لا وألف لا للتحليل!"
هذه المسألة حتما ستقود الحكام العرب الى قضية لا تقل خطورة في مؤتمر البيض وفي سياق موضوعة البيض والجنس وهي تتعلق مباشرة بالحكم والنظام وبالذات بالدور الوظيفي للوزراء، ففي الماضي كان الملك يخصي وزراءه ليكون مطمئنا وفي هذا يلتقي تاريخ النظام العربي بكثير من أنظمة شعوب العالم، ولكن يبقى السؤال : أيهما أفضل وزير مخصي أم وزير عافيته معه؟ نظام الحاكم الأحد بطبيعة الحال يخصي الوزراء من كافة الصلاحيات فلماذا يترك لهم الصلاح الجنسي؟
لم تخولني الجامعة العربية الصلاحية لتوجيه دعوة لعقد مؤتمر القمة العربي القادم ولذلك فانني معفي من وضع جدول أعماله، ولو خولتني لأشغلت الحكام العرب عاما كاملا بما يجمعهم قلبا وقالبا، ان لم يكن على قاعدة التضامن العربي فعلى البيض العربي وان لم يكن عليه فأضعف الايمان على بيض البراغيث التي تأكلنا في ليالي الصيف الحارة.

سلمـان نـاطور