لا نتواضع ولا نخرج عن تواضعنا
بقلم : سلمـان نـاطور


- كلمة لمهرجان الفن الأيمائي الأول في شفاعمرو 14-16 نيسان 2005 -

هل هو خروج عن تواضعنا المعهود أم أنه تمرد على الحالة أم تطور طبيعي في حالة من طبيعتها أنها ليست طبيعية ؟ أتساءل بعد أن كلفني الصديقان المبدعان سعيد سلامة وزاهد حرش بكتابة كلمة لمهرجان الفن الايمائي (البانتوميما) الأول في ثقافتنا العربية الفلسطينية بشكل عام وهنا بشكل خاص، وقد تقاطرت هذه الأسئلة في ذهني بعد أن استعدت شريط حياتنا الثقافية الذي أعيه منذ أكثر من أربعة عقود، شاهدا عليه، متحركا فيه منذ كان الابداع الثقافي في حياتنا يقتصر على الأدب وبخاصة الشعر، وكان يكفينا صدور مجموعة شعرية في السنة أو جريدة أسبوعية أو مهرجان بمناسبة أو بلا مناسبة وتمثيلية أو اثنتان لنحكي باعتزاز عن حياتنا الثقافية الغنية بالنشاط الابداعي.
رغم أن عطاءنا كان متواضعا جدا الا أننا تحدثنا عنه بلا تواضع، أي بالغنا في تصوير رفعته وعظمته لأننا اعتبرنا ، وبحق، أن كل عطاء ثقافي في ذلك الحين، هو حجر يضاف الى قلعة الصمود والتصدي، صمودنا كجماعة وكجزء من شعب ممزق الأوصال وتصدينا لسياسة العدمية القومية.
ربما تبدو هذه الكلمات كبيرة على "جيل اليوم" وقد لا تفهم أيضا أو ربما تبدو لهم حديثا عن زمن الجاهلية وعن عصور بعيدة، ولكن بالنسبة لنا حدث ذلك عندما كنا نحن في جيلهم ، حين كان صدور كتاب أدبي حدثا ثقافيا نحتفي به ونعقد له الندوات ونكتب عنه المقالات وحين كان يتسلل من مصر رواية لنجيب محفوظ أو عبد الرحمن الشرقاوي ومن لبنان لميخائيل نعيمة وجبران خليل جبران كان يتنقل من بيت الى بيت ومن بلد الى بلد وينسخ بخط اليد ويصبح حديث الدواوين وفي حيفا أو الناصرة عندما كانت تعرض مسرحية لفرقة من الهواة كنا نفرح كأن شكسبير وموليير وتشيخوف ولدوا في بلادنا فلسطينيي الهوية، وفي مدارسنا كنا نتبارى في حفظ الشعر وفي كتابته.
حياتنا الثقافية كانت فقيرة وتطلعاتنا كانت فقيرة لكننا اعتبرناها مكسبا وطنيا كبيرا، وصرنا نتطور مع الزمن وتكبر تطلعاتنا وتغتني حياتنا واكتسبت الثقافة مفهوما أشمل بكثير من الأدب وصار عندنا مسرح وسينما وحركة تشكيلية وصرنا نطمح للوصول الى الحالة الطبيعية حتى في الظرف اللاطبيعي الذي نعيشه، اننا أقوى من المرحلة، هكذا كنا وهكذا نحن اليوم في عصر الانترنيت وتعدد وسائل الاتصال ولن أدعي أن تنظيم مهرجان للبانتوميما هو خروج عن المتعارف عليه أو عن تواضعنا اللامتواضع، ولكنه يأتي اضافة نوعية على مشروعنا الثقافي القومي الذي نريده أن يكون متكاملا، يليق بنا ونليق به.
نحن أمة تحب الكلام المسموع، تحب الخطابة والثرثرة والسجع، ولذلك فان مهرجانا يحمل شعار "خير الكلام" (ما قل ودل) يبدو خروجا عن ثقافتنا وتقاليدنا، فكيف نضعه الى جانب مهرجانات الشعر والمونودراما والخطابات السياسية؟
هذا هو التكامل الثقافي وهذه هي التعددية الثقافية، تعدد النتاج الثقافي بألوانه المختلفة، فالفن الايمائي هو لغة وهو مخاطبة وهو كلام لا يصدر عن اللسان بل عن الجسد الذي تتحول كل أعضائه الى رموز وحروف وجمل متكاملة، انه اللغة التي تقطع كل اللغات، مثل الموسيقى والفنون التشكيلية، والمبادرة لتنظيم مهرجان الفن الايمائي هي نقلة نوعية في مشروعنا الثقافي بتشكل تعدديته وبفتح بوابة أخرى لعالميته، هو مهرجان دولي يشارك فيه فنانون من ايطاليا وفرنسا واسبانيا وهو الأول ويجب أن يصبح سنويا وأن يقدم الجديد في كل سنة.
قبل حوالي عشرين عاما عندما بدأ ظهور المرحوم الفنان زيدان سلامة كفنان ايمائي وبدأ يمزج بين لغة الجسد ولغة اللسان الى أن صار يخاطبنا بلغة الجسد فقط، كان ظهوره يضفي علينا كثيرا من التسامي الروحاني ورحل عنا عام 1996 تاركا لنا كلامه الصامت لا ليعذبنا على فراقه وحسب بل ليقول: واصلوا، وواصل شقيقه سعيد هذا الفن الراقي وواصل زملاؤه على المسرح ليقدموا هذا المهرجان.
هل نقول ان تنظيم مهرجان للفن الايمائي بشفاعمرو هو عمل ثفافي كبير؟
نعم، نقول ذلك دون أن نتهم "بشوفة النفس" لأننا ما زلنا في خضم المعركة على هويتنا وانتمائنا ولغتنا وثقافتنا ولأن جيل اليوم من المبدعين يعرف كيف يوظف الأدوات العصرية الراقية وكيف يربط خيوط هذه الثقافة بالثقافات العالمية.
شعار المهرجان: خير الكلام ... يحثني على الاختصار.
لنترك كلام الجسد الصامت والايمائي يقول كل ما نعجز عن قوله بصراخنا وثرثرتنا.
الى الأمام..

سلمـان نـاطور
تاريخ النشر : 24/04/2005 11:43