كثر الهرج....

ألا هل من رافع للصوت قائلا : كفى؟!!

بقلم :سري سمور ـ جنين/فلسطين

قاتل  الإمام علي كرم الله وجهه وهو يؤم الناس في صلاة الفجر في مسجد الكوفة هو الخارجي عبد الرحمن بن ملجم المرادي ليكون بهذا الفعلة الشنيعة "أشقاها" بالنسبة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ،اعتقد الخوارج بخروج الأمة المسلمة وخروج الإمام علي من الدين وهو المبشر بالجنة وصاحب الفضل الكبير،ابن ملجم الخارجي هو امتداد لذلك الأخرق الأرعن الذي قال لنبي الرحمة "هذه قسمة ما أريد بها وجه الله!".

وهل في عصرنا خوارج ؟نعم بالمعنى التكفيري الدموي الذي لا يفرق بين العدو والصديق وبين المستأمن وبين المحارب، ويعمل وفق مفهوم "من ليس معي فهو ضدي"، سبحانك ربي، أرأيتم حجم التشابه بين من لا يرى في الإسلام إلا نفسه أو من اتبع نهجه، وبين من يريد محاربة العالم ان لم يشاركوه عدوانه وحربه؟!

والمصيبة الكبرى أنه في عصر الخوارج لم تكن هناك أجهزة استخبارات متطورة وعابرة للقارات يمكنها توظيف هذا الاتجاه لصالحها واتباع شتى الوسائل لاختراقه وتسييره من حيث لا يدري،كما ان أسلوب ترحيل المشاكل الداخلية إلى خارج الحدود لم يكن بالشكل الموجود عليه اليوم والذي استخدم إبان الغزو الروسي لأفغانستان ويبدو أنه يتكرر في عصر الغزو الأمريكي للعراق!

قبل أن أتحدث عن حوادث التفجير والاغتيال في العراق أحب أن أذكر بأمر قد نسي في ظل تدافع الأحداث وزخم التطورات على مختلف الصعد الدولية والإقليمية؛ تنظيم الجماعة الإسلامية المسلحة، هل تذكرون هذا الاسم؟إنه تنظيم عمل في الجزائر وسمعنا ما قاله عنه قادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ -التي اختارها الشعب الجزائري لقيادة مسيرته- من سياسيين وعسكريين، قمر الدين خربان أحد مؤسسي الجبهة شن حملة على هذا التنظيم ونعته بأنه "حركة تكفيرية"أما مدني مزراق قائد الجيش الإسلامي للإنقاذ الذي حارب الجيش النظامي الجزائري لسنوات فلم يتردد بالحديث عن اختراق هذه الجماعة وأن من كانوا يحظون بمناصب قيادية فيها هم من ينفذ أكثر العمليات قتلاً بغض النظر عن مستواهم الفكري والتزامهم الديني.

إن الأيام ستكشف المزيد عن مدى الاختراق في الجماعة الإسلامية المسلحة، ما كشف حتى الآن عن حجم وطبيعة هذا الاختراق أمر تقشعر له الأبدان ودفع ثمنه شعب الجزائر وبطبيعة الحال الحركة الإسلامية الجزائرية ممثلة بالجبهة الإسلامية للإنقاذ التي حازت في الانتخابات على تأييد كبير من الشعب الجزائري الذي رغب في التخلص من الحكم الشمولي وتفرد جبهة التحرير الوطني في القرار السياسي والاقتصادي في هذا البلد، ودخلت الجزائر في دوامة الهرج وما أدراك ما الهرج؟!!

الجزائر تحتاج إلى وقت للتخلص من آثار الحرب الدامية واختراق المخابرات لجماعات ترفع اسم الإسلام لتمارس القتل والذبح، فوقعت البلاد تحت دموية التكفير وتسلط قادة الجيش من الجنرالات الذين تحولوا من عسكريين إلى إقطاعيين بفعل المذابح التي ارتكبوها باسم الجماعة إياها والحقائق حول هذا تظهر تباعا!

العراق الذبيح!

إن ما استغربه هو كيف يتم غسل دماغ شخص ما ليفجر نفسه في مصلين أبرياء؟! ماذا قالوا له؟هل أفهموه أن من في المسجد هم من المارينز؟! هل قالوا له أن هذا المسجد هو "مسجد الضرار" ؟ولكن النبي صلى الله عليه وسلم أحرق المسجد المذكور كمبنى دون أن يحرق مرتاديه رغم البيان القرآني بحقيقة نفاقهم وتآمرهم وامتنع عن قتلهم وهو المنزه عن الخطأ، هل الذين يقومون بهذه الأعمال يتنزل عليهم الوحي قبل أي فعل من أفعالهم؟!هل سيتحرر العراق من الاحتلال بقتل العراقيين في المساجد؟!

أليس تقسيم العراق هدفاً لأطراف عديدة ؟نعم ،إذن ألا تساعد هذه الأعمال على تقسيمه وتمزيقه وسهولة السيطرة عليه ؟ ماذا لو قام الشيعة بتفجير مساجد السنة في العراق؟ألن يدخل البلد في دوامة الفتنة المذهبية، ونحن نرى بين الفينة والأخرى ما يحدث في الباكستان من تفجيرات متبادلة بين الشيعة والسنة والخاسر والضحية هو المصلي البريء؟!

إن العار ليلحق بجموع الأمة إن لم يسارع علماؤها من سنة وشيعة إلى إدانة هذه الأعمال بحزم وصرامة ودون تردد أو محاباة،إن ضرورة الانتقال من الأقوال إلى الأفعال باتت مطلوبة أكثر من أي وقت مضى ،كم فرحت عندما سمعت الهتاف"العراق إخوان أكراد وعرب سنة  وشيعة هذا الوطن ما نبيعه" ليتحول الفرح إلى قلق وخوف داهم على مستقبل موطن إبراهيم الخليل عليه السلام ومستقر الإمام عليّ كرم الله وجهه وأبو حنيفة النعمان رضي الله عنه وابن حنبل رضي الله عنه وموسى الكاظم رضي الله عنه ،ابن حنبل،يا إلهي هل ننسى هذا الإمام العظيم الذي مزقت السياط جسده وهو على الحق ورفض شق صف المسلمين وأراد أن يكون مقتولاً لا قاتلاً؟!

ما هي مرجعية من يقومون بهذه الأعمال ؟ألم يفكروا هنيهة من هو المستفيد؟ ألم يدر بخلدهم أو يضعوا في حسابهم أنهم مجندون من حيث لا يشعرون لخدمة أعداء الأمة؟بأي شكل أو صورة سيلاقي من يقتل الأبرياء وجه الله تعالى؟!

كم قتل هؤلاء من الأمريكان؟كم هو حجمهم؟من يمولهم؟لماذا يراد للعراق أن يظهر بمظهر بلد مشكلته الأعراق والطوائف والمذاهب وليس الاحتلال الذي حرق الأخضر واليابس؟لماذا ظهر بعض جنود الحرس الوطني العراقي وهم يرفعون صور السيستاني عند اقتحام مدينة الفلوجة؟ولماذا يقع تفجير مسجد الصدرين  في الموصل؟تذكروا أنه في اليوم التالي للانفجار اقتحمت القوات البريطانية مكتب الشهيد الصدر في البصرة والعاقل يفهم !!!!

الجميع يراهن على قدرة شعب العراق العظيم على تجاوز المحنة وعدم الانجرار وراء من يريدون للشيعي ذبح السني وبالعكس وللعربي والتركماني ذبح الكردي وبالعكس أيضاً ولكن السفهاء في كل ملة والمتآمرين حاضرين في كل معسكر والوضع بات حرجاً! لماذا تنشر بعض المواقع الالكترونية الشيعية كلاماً يدعو للتقيؤ بالقول عن منطقة عراقية معينة أو هيئة علماء المسلمين بأنها "سفيانية بعثية" وأن الشيخ حارث الضاري "بعثي صدامي سفياني!" ولماذا يقوم بعض السنة بنعت جموع الشيعة بالعمالة للأمريكان وبأنهم مجموعة من "المجوس الرافضة المرتدين "ماذا يسمى هذا؟وبماذا سيقوم من يشحن بهذه الثقافة الشوفينية من هذا الطرف أو ذاك؟!

هل تحرير العراق يمر عبر مهاجمة المواطنين الذين يحيون يوم عاشوراء بالقذائف والسيارات المفخخة؟ هناك من يسجل لصدام حسين توحيده للتراب العراقي رغم بطشه وجبروته،هل الخلاص من الديكتاتورية يكون بالجنوح نحو الطائفية وبالتماهي مع المخططات الأمريكية؟ألم يقرأ هؤلاء أو يسمعوا بالمخطط الأمريكي الرامي لتقسيم البلاد العربية على أسس طائفية ومناطق جغرافية مجتزأة؟أم أنهم قرأوا ويريدون التنفيذ؟ العراقي لم يعد عراقيا بل غدا شيعيا أو سنيا أو كرديا ،واللبناني يراد له أن يكون شيعيا أو سنيا أو مارونيا وهناك من هو متحمس لتقسيم لبنان الصغير إلى "لبنانات" أصغر ،ومصر يراد فيها دولة للأقباط وأخرى للمسلمين كحد أدنى،ويراد في سوريا دولة للسنة وثانية للعلويين وأخرى للدروز في جبل العرب والبقية تأتي والحكاية معروفة ،أيرضى الحسين بن علي عليه السلام بهذا؟لا والذي بعث جده بالحق إنه ليبرأ ممن يساهم ولو بهمسة في إنجاح هذا المخطط الشيطاني ولو ادعى حبه له وانتماءه إليه!ولنتذكر مجتمع المدينة المنورة وهي دولة الإسلام الأولى وكيف أن محمدا عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم حفظ –في ميثاق مدون ومنشور-لليهود مواطنتهم ودينهم ومجتمعهم ولولا خيانتهم وغدرهم لما آلت الأمور إلى ما آلت إليه،فهلا راعى من يختلفون على تاريخ انتهى وفروع ومسائل لا تخرجهم من نفس الدائرة العقائدية والثقافية والمصير الواحد ،هلا راعوا هذا واتقوا الله في أنفسهم وفي أتباعهم؟!

هل استقرار العراق يقوم على أكتاف حرس وطني يستخدم صورة السيستاني واسمه كغطاء للتعاون مع المارينز في العدوان على أهالي الفلوجة والقيام بعمليات مشتركة مع الجنود الأمريكيين الذين هم قوة احتلال؟ولماذا أصبحت قوات الاحتلال "قوات متعددة الجنسيات" هل من أجل أن ينسى الناس أنها قوات احتلال وقتل ودمار وإذلال؟الشمس لا تغطى بغربال.

إن ملامح وصورة المؤامرة واضحة ولكن رحم الله مصطفى السباعي حين أكد أن مصيبة الإسلام في جهل أبنائه أعظم من مصيبته في كيد أعدائه ،أجل إن الأعداء يوحدون الأمة بعدوانهم وحربهم أما الجهلة فهم معاول تخريب وهدم ،لهذا قال الله تعالى أول الوحي"اقرأ "

مطلوب منا قراءة الواقع والتفكر والتدبر بما يجري ،أما القراءة القائمة على عدم القراءة فهي مصيبة وأي مصيبة؟!!

أما السيستاني فأخشى ما أخشاه أن يكون كما وصفه الشيخ جواد الخالصي لا يدري بم يدور حوله، لم لا يخرج إلى الناس ويعقد مؤتمرا صحفيا ويعلن عن مواقفه بدل أن يتحدث فلان وعلان باسمه؟!

أما هيئة علماء المسلمين فمواقفها لا تخطئها إلا عين غبي أو مدسوس ومن يقوم بقتل أعضائها معروف ان لم يكن بشخصه فبطبيعة نواياه وهدفه،وأرى من واجبي أن أدعوها مادامت اختارت اسم "هيئة علماء المسلمين" دون تحديد المذاهب إلى ضم علماء من المذهب الجعفري إليها وإن كانت قد توجهت بهكذا دعوة فأنا أدعو علماء المذهب الجعفري الوطنيين المخلصين إلى تفويت الفرصة على المتآمرين والانضمام للهيئة وتفعيل نشاطاتها لأن هذا سيفوت فرصاً كثيرة على من يدقون الأسافين ويحفرون لأبناء العراق.

أما حالة الهرج ،فالعمل على وقفها مسؤولية تقع على الجميع في داخل العراق وخارجه،وللتعريف بالهرج فقد روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: «وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ تَذْهَبُ الدّنْيَا حَتّىَ يَأْتِيَ عَلَىَ النّاسِ يَوْمٌ, لاَ يَدْرِي الْقَاتِلُ فِيمَ قَتَلَ. وَلاَ الْمَقْتُولُ فِيمَ قُتِلَ»

اللهم قد بلغت ....اللهم فاشهد .

سري سمور

عضو تجمع الأدباء والكتاب الفلسطينيين

sari_sammour@yahoo.com

نيسان /أبريل 2004