حق المرأة الفلسطينية في الميراث بين جحود العادات وتطرف بعض المؤسسات


بقلم :سري سمور ـ جنين/فلسطين


تعاني المرأة الفلسطينية لا سيما في المجتمعات الريفية من سياسة عائلية جائرة تتمثل بحرمانها من حقها في الميراث الذي شرعه الله تعالى لها بقوله "للذكر مثل حظ الأنثيين" ورغم إنصاف الشرع لها ووقوف القانون إلى جانبها إلا أنها لا تجرؤ غالبا على المطالبة بحقها في الإرث الشرعي بسبب العادات الجاهلية المترسخة في أغلب المجتمعات القروية والتي تهدد المرأة بالمقاطعة والنبذ وفرض العزلة أو حتى الاعتداء الجسدي عليها أو تشويه سمعتها والنيل من شرفها ببث الإشاعات الكاذبة عنها ،فتلتزم المسكينة الصمت وتضطر إلى غض الطرف عن المطالبة بحقها الشرعي مكتفية بما يرميه الأهل لها من فتات أو جزء من الميراث الذي يحق لها!
المشكلة تكمن في الثقافة القروية التي لا تستوعب أن المرأة يحق لها أن ترث مثلها مثل الرجل من حيث المبدأ،ونصف ما يحق للذكر من حيث النصيب،ولم تفلح كل الندوات الكثيرة والمقالات التي تقدر بالآلاف وخطب الجمعة والبرامج التلفزيونية التي ناقشت الموضوع وشددت على ضرورة وضع حد للجور الواقع على المرأة بهذا الخصوص ،لم تفلح في وضع حد لسياسة حرمان المرأة من حقها في الميراث.
هناك حرب يشنها الذكر الذي لا يتق الله على المرأة في سبيل استحواذه على ما يحق لها لنفسه الجشعة وهذه الحرب مطعمة بأمثال أو أوصاف تنم عن نبذ للمرأة التي تتجاوز العادات البالية لتطلب تحكيم الشرع وتطبيق القانون؛في بعض المناطق يقولون عن المرأة التي تطالب بإرثها عبارة :"فلانة قاصرت أهلها!" وكلمة "قاصرت" تنم عن كون المرأة عاقة لأهلها وناكرة للجميل وجاحدة لصلة الرحم، وفي مناطق أخرى يقولون:"فلانة دقت بأهلها!" وهذا وصف قبيح يشبه ضمنا المرأة المطالبة بحقها في الإرث بالمرأة التي ترتكب جريمة أخلاقية أو فاحشة منكرة، فكيف يمكن خرق الجدار الثقافي السلبي المانع لأخذ المرأة ميراثها الشرعي؟!

الدور الهدّام لبعض المؤسسات الأهلية والثقافية

أقول وبمنتهى الصراحة أن دور بعض المؤسسات الأهلية الممولة من جهات غربية والتي تدعي الحرص على المرأة ومساواتها بالرجل تقوم بدور هدام في حقيقة الأمر، وبسبب ما تطرحه من أفكار وآراء فإنها تجيش ضدها حتى أولئك المؤمنين –مثل العبد الفقير- بضرورة أخذ المرأة كافة حقوقها كاملة غير منقوصة ولا مبتورة ولا مجزأة؛ ذلك أن بعضا من هذه المؤسسات –وأشدد على عدم التعميم- تطرح أفكارا من مثل ضرورة أخذ المرأة من الميراث كنصيب الرجل بالضبط لا نصف ما يحق للرجل،وبعض القائمين عليها يتجرأون ويتهجمون على الدين الإسلامي الحنيف باتهامه كذبا بحرمان المرأة وعدم إنصافها!إن هذا الأسلوب يعطل في حقيقة الأمر مسيرة المرأة ويؤجل إلى أجل بعيد ذاك اليوم الذي تأخذ فيه المرأة حقها دون خوف أو وجل، كيف؟
الخبثاء من الرجال الذين لا يريدون أن يعطوا للمرأة حقها سيلبسون ثوب الدين،والدين من أفعالهم براء، لمهاجمة هذه المؤسسات بكونها تحارب الإسلام وتطلب مساواة إرث المرأة بإرث الرجل فيما يحق لها نصف ما للذكر،وهؤلاء بالتأكيد لا يريدون إعطاء المرأة نصفا ولا ربعا ولا عشرا ولكنهم يستغلون حماقة وتصرفات بعض المؤسسات ليحرفوا الأنظار عن دواخل نفوسهم المريضة التي لا ترى في المرأة إلا كائنا ناقصا لا يحق له أن يرث مالا أو عقارا أو أرضا زراعية،ويضطر الكثير للوقوف في وجه حملة أدعياء المطالبة بحقوق المرأة لأن هؤلاء تطاولوا على الدين والشرع بعدما طرحوا آراء متطرفة باسم الدفاع عن المرأة،فتكون النتيجة نسيان القضية الأساسية وهي حق المرأة المهضوم في دهاليز التقاليد القروية التي لا تؤمن بشرع أو عدالة ،وتجد المرأة المحرومة المسكينة نفسها وقد وقعت ضحية أفكار متطرفة لمؤسسات تدعي الحرص على حقها مثلما ضيعت العادات حقها المشروع!

كسر حاجز الخوف

لا بد من حملة منظمة ومدروسة لكسر حاجز الخوف لدى المرأة، فهي تخاف من القتل في ظل فلتان أمني نعي وندرك خطورته وتداعياته، وحتى أن البعض يقتل المرأة باسم شرف العائلة بينما الحقيقة أن وراء جريمة القتل دافع الخوف من مشاركة المرأة في الإرث الشرعي،وظل هذا الملف مغيبا بحجة الوضع السياسي وكأننا سنكسب المعركة مع الاحتلال إذا حرمنا المرأة الأم أو الأخت أو الزوجة من حقها العادل والمشروع.
المرأة المعنية هنا هي صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة، فحتى لو عقدت ألف ندوة أو ورشة عمل وكتب بدل المقال مليون فلا فائدة دون أن تأخذ المرأة المحرومة زمام المبادرة، لأنه ما حك جلدك مثل ظفرك فتول أنت جميع أمرك، على المرأة أن تطالب بحقها الذي شرعه الله لها ولا تنتظرن أحدا ليقاتل عنها فالحقوق تؤخذ ولا تعطى والمرأة هي المعنية بالأمر أساسا ولأن هناك من يدعي رفع لواء المطالبة بحقها وهو في الحقيقة يسيء لها بتصرفاته وأفكاره.
المرأة تحتاج إلى حماية، وليكن معلوما أنه إذا توحدت جهود النساء المهضوم حقهن في الميراث فلن تستطيع كل عائلات الأرض الوقوف في وجههن، على المثقفين والكتاب والصحافيين أن يتعاونوا وينسقوا جهودهم مع علماء الدين وخطباء المساجد والمدرسين ويقودوا حملة توعية وتحريض منظمة في سبيل إحقاق حق المرأة في الميراث، أنا أقول تحريض بلا تردد؛ فالمرأة بحاجة إلى من يحرضها ولكن دون الدعوة التي يقف خلفها البعض لمهاجمة الدين الإسلامي الحنيف أو طرح ما لا يليق بثقافتنا العريقة وعقيدتنا السمحة وشريعتنا الغراء، فهل من مشمر عن ساعده لإحقاق الحق ومنح المرأة نصيبها في الإرث الذي تحرمها منه العادات الريفية البالية الجائرة التي تتستر بالدين الذي يبرأ منها؟!
ــــــــــــــــــ
سري سمور
عضو تجمع الأدباء والكتاب الفلسطينيين
جنين-فلسطين المحتلة
جمادى الأولى 1426هـ ـ حزيران 2005م