ما بديل "عسكرة الانتفاضة"؟!
بقلم : سري سمور/جنين/فلسطين
تاريخ النشر : 19.12.04

لم يكن محمود عباس (أبو مازن) هو أول مسؤول فلسطيني يتحدث عن "ضرورة وقف عسكرة الانتفاضة" لأن هذا يصب في "المصلحة العليا للشعب الفلسطيني"وإن كان اللافت للنظر هو أن عباس قاب قوسين أو أدنى من كرسي رئاسة السلطة الفلسطينية مما يجعل لتلك التصريحات صدى واضحا ويتولد عنها مخاوف كبيرة وتساؤلات عن صورة المرحلة المقبلة.

ولا مجال الآن لمناقشة جميع هذه المسائل ولكن لنرد على طرح "وقف العسكرة" بسؤال:ما هو البديل عن العسكرة؟ علما بأن المقصود بالعسكرة هي العمليات التي تنفذها الأجنحة المسلحة للفصائل الفلسطينية من عمليات إطلاق النار وزرع العبوات وقصف المستوطنات وإرسال الاستشهاديين ،سيجيب أصحاب هذه النظرة بأن البديل هو الطابع الجماهيري!!وكشاهد عيان أود أنا العبد الفقير لله أن أوضح ما الذي يقصدونه بالطابع الجماهيري ووقف العسكرة...

في بداية انتفاضة الأقصى الحالية كان بعض المسؤولين في السلطة الفلسطينية ينظمون عمليات تجميع للشبان واستئجار سيارات وشاحنات تقلهم إلى منطقة قريبة من حاجز الجلمة شمال مدينة جنين حيث تتمركز قوات معززة من الجيش الإسرائيلي وهي منطقة مكشوفة وكان الشبان أو بالأحرى الفتيان يلقون الحجارة التي لم تكن لتصل إلى قوات الاحتلال ورغم ذلك لم يتردد قناصة جيش الاحتلال بإطلاق الرصاص الحي باتجاه الرؤوس ليسقط الشهداء يوميا دون أن يصاب أي جندي إسرائيلي بخدش!وعندما كانت الأسئلة تطرح عن جدوى إرسال الفتية إلى هذه المنطقة المكشوفة لقناصة العدو كانت الإجابة:"إن هذا سيجلب لنا التعاطف الدولي لا سيما إذا كان الضحايا من الأطفال!" بل لقد سمعت أن أحد مسؤولي السلطة كان يقول:"أريد اليوم شهيدين أو ثلاثة!!"وبعد أن تزايد عدد الشهداء أصدرت القوى الوطنية والإسلامية بيانا تعلن فيه "أن المواجهة على حاجز الجلمة ليست قدرنا!" وعندما صدر هذا البيان تمنى الناس أن لو صدر بعد سقوط الشهيد الأول!

بعد ذلك تحولت جنين إلى مركز للمقاومة التي يسقط فيها شهداء مقابل قتلى من الطرف الآخر وليس مجانا لأجل كسب رأي عام لم يجني الفلسطينيون منه شيئا.

أنا هنا أتحدث عما رأيته بعيني رأسي ولكن الحال على حاجز الجلمة في جنين كان مشابها للحال عند قبر يوسف في نابلس ومنطقة البالوع في رام الله ومنطقة مسجد بلال بن رباح في بيت لحم ومفرق الشهداء في غزة؛ شهداء يسقطون ثم يدفنون دون أن يصيب الطرف الآخر أي أذى!!

ورغم ذلك وصل الحال بوزير الداخلية السابق اللواء عبد الرزاق اليحيى إلى اعتبار إلقاء الحجارة نوعا من العنف والإرهاب!

أثناء تشييع كل شهيد كانت حناجر المواطنين تهتف وتصرخ مطالبة فصائل المقاومة بالرد بالمثل، إذا كان البديل "للعسكرة" هو العودة إلى دور الضحية التي يسيل دمها دون أن يسيل دم قاتلها فكل فلسطيني حر يرفض هذا المنطق أما إن كان لأصحاب هذا الطرح برنامجا معقولا فليطرحوه على الفصائل وجماهير الشعب ليبدوا رأيهم فيه

سري سمور/جنين/فلسطين
sari_sammour@yahoo.com